الوقت- إن ما يحدث في الضفة الغربية من أعمال قتل وحصار للمدن والمخيمات وتهديدات بالتهجير، لا يمكن فصله عما حدث من قبل وما تتضمنه مخططات الكيان الصهيوني، وتعَرف الصهيونية هذه المنطقة باسم "يهودا والسامرة".
إن حلم الهيمنة على "يهودا والسامرة" لا يزال يطارد الصهاينة، ولقد صرح بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال، عام 2020 وقال: "نعتقد أن الفرصة قد سنحت لاستعادة السيادة على غور الأردن والمناطق الاستراتيجية في يهودا والسامرة"، لكن المطالبات بإقامة الدولتين تتزايد يوما بعد يوم، وهذا ما سبب أكبر قدر من الإرباك للصهاينة، وخاصة أنه زاد الحديث المتكرر عن حل الدولتين وطرحت الكثير من الأسئلة: أين ستقام الدولة الفلسطينية؟ هل ستغادر "إسرائيل" فلسطين؟.
ويعتقد كثيرون أن هجوم كيان الاحتلال على الضفة الغربية يأتي في إطار خطة أكبر وأقدم من مجرد عملية عسكرية، لأن هذا مشروع يعتمد على مخططات الصهيونية الدينية.
لقد بدأ كيان الاحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف قوات المقاومة في جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية المحتلة، وأعلنت مصادر فلسطينية أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة في أكتوبر من العام الماضي، تهاجم القوات الصهيونية كامل الضفة الغربية يوميا، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 600 فلسطيني واعتقال 10 آلاف آخرين.
كما تزايدت عمليات الإخلاء وتدمير المساكن وعنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات، ويؤكد الخبراء أن عدد الهجمات "تضاعف أكثر من ثلاثة أضعاف" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن معظم هذه الهجمات موجهة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، التي تعتبرها تل أبيب قواعد عسكرية.
"سموتريش"؛ إبني، لا تقلق بشأن التكاليف
وهذا ما يوضحه وزير المالية الإسرائيلي سموتريش، قائلا إن مهمته الأساسية هي منع أن تصبح الضفة الغربية جزءا من الدولة الفلسطينية، في إشارة إلى الضم الهادئ للأراضي الفلسطينية من خلال تشجيع بناء المستوطنات، وتوفير البنية التحتية الذي يشجع المستوطنين الصهاينة على البناء أكثر.
ونفذ سموتريتش سياسات وإجراءات لتسريع عملية مصادرة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية المفرطة، وتسريع البناء الاستيطاني، وإجراء تغييرات جوهرية في شبكة الطرق في الضفة الغربية، بالإضافة إلى استخدام أدوات لتسريع هذه الخطة وخنق الاقتصاد المنظم في الضفة الغربية، من خلال استغلال صلاحياته كوزير للمالية وبصفته الوزير المسؤول عن شؤون منطقة الضفة الغربية.
خنق اقتصاد الضفة الغربية
وقال مؤيد عفان، الخبير الفلسطيني: "مع إغلاق المعابر إلى الضفة الغربية، أصبح اقتصاد هذه المنطقة على وشك الانهيار، لأن الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة لم يعد بإمكانهم القدوم إلى جنين وطولكرم للتسوق، ومن ناحية أخرى، لا يستطيع فلسطينيو الضفة الغربية العمل في فلسطين المحتلة".
ويضيف عفان: "الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المعابر بعد عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر من العام الماضي أصابت الاقتصاد الهش في الضفة الغربية بالشلل، ولا يبدو أنه ستتم إعادة فتحها في المرحلة الحالية، وكخطوة أولى ونتيجة لذلك، سوف تتضاعف الخسائر، وبطريقة أو بأخرى سيكون هناك تراجع في أجزاء من الشركات الصغيرة الفلسطينية"، وفي النهاية أكد هذا الخبير الفلسطيني: "أن الإحصائيات والإجراءات الإسرائيلية تتم بهدف إضعاف السلطة الفلسطينية والحد من عدد سكان الضفة الغربية على نطاق واسع".
انتشار البطالة والفقر في الضفة الغربية
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز: "إن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، تدفع فقط حوالي 50 بالمئة من رواتب موظفيها الذين يقدر عددهم بـ 140 ألف موظف".
ووفقا لتقرير البنك الدولي، في جميع أنحاء الضفة الغربية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة، فقد المعيلون في هذه المنطقة حوالي 150 ألف وظيفة منذ أكتوبر/تشرين الأول، كما فقد 148 ألف فلسطيني كانوا يعملون في فلسطين المحتلة وظائفهم.
وحسب هذه الصحيفة، فإن الضفة الغربية لم تفقد زبائنها "العرب الإسرائيليين" فحسب، بل حتى السكان المحليين توقفوا عن التسوق بسبب نقص الأموال والخوف من استمرار الهجمات "الإسرائيلية".
ويقول واصف فرحات، صاحب مطعم "علي بابا" الفاخر المكون من طابقين في جنين: "الناس الآن يخافون من مغادرة منازلهم"، وحسب هذه الصحيفة، قبل أقل من ثلاث سنوات، أنفق فرحات 3 ملايين دولار لافتتاح مطعمه على أمل تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، لكن اليوم تتبدد أحلامه في تحقيق المزيد من الدخل، ويؤكد فرحات (51 عاماً) أنه كان يستخدم 53 عاملاً في مطعمه ومطعماً آخر وسط المدينة، لكن لم يبق اليوم سوى 18 عاملاً، إذ انخفضت الإيرادات بنسبة 90 بالمئة.
وواصلت هذه الصحيفة الكتابة وقالت، "تعمدت القوات الإسرائيلية استخدام الدبابات والجرافات المدرعة في أجزاء واسعة من مدينتي جنين وطولكرم، وخاصة بالقرب من مخيمات النازحين ودمرت الطرق وأنابيب المياه والصرف الصحي وخطوط الكهرباء والعديد من واجهات المحلات التجارية والمكاتب الحكومية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية".
ويقول شلومو بروم، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي التابع للكيان الصهيوني: "إن عملية الجيش الصهيوني تظهر إجراءات وقائية لمنع موجة جديدة من التفجيرات الانتحارية من قبل الجماعات المسلحة".
الجغرافيا المتداخلة
وقال سعيد شاهين، الأستاذ في جامعة الخليل: "إن أكثر من 100 ألف قطعة سلاح وزعت على العصابات الصهيونية من قبل إيتامار بن جوير، وزير أمن الكيان الصهيوني"، وأضاف هذا الأستاذ الفلسطيني: "إن تداخل الجغرافيا مع الأراضي المحتلة جعل من تنامي دور الميليشيات الصهيونية خطرا كبيرا على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتسعى "إسرائيل" من خلال تنفيذ عمليات عسكرية متكررة إلى استئصال مراكز المقاومة في الضفة الغربية".
وأكد فلسطينيون في الضفة الغربية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يحول منازلهم إلى ثكنات عسكرية بحجة القيام بعمليات أمنية، وتشير التقارير إلى أن سيطرة الكيان على المنازل تزايدت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، حيث يقوم جيش الاحتلال بإخلاء سكانها وتحويل المنازل إلى مقرات عسكرية.
وروى أحمد طوافشة (62 عاما)، وهو فلسطيني من سكان منطقة سنجل شمال رام الله، تفاصيل الاعتداء على منزله قبل أسابيع وتحويله إلى ثكنة عسكرية، حيث هاجمت قوات جيش الاحتلال منزله وقتلوا عائلته وعدداً من العائلات الأخرى، وأجبروهم على مغادرة منازلهم.
وأضاف طوافشة: إن قناصة "إسرائيليين" تمركزوا في الشقة وقاموا بتغيير الستائر حسب لون زي القوات الإسرائيلية، وأطفؤوا الأضواء داخل المنزل، وتابع: أجبر ابني على مغادرة المنزل، وسيطر الجيش بالقوة على المنزل وأبلغهم بأنه يعتزم البقاء فيه لمدة يوم كامل، وأضاف: "مُنع سكان الشقق المجاورة من الدخول والخروج، وتركنا بمصير مجهول لمدة يوم"، وتابع قائلا: "تخيل أن عدوك يأتي ويأخذ منزلك ويحوله إلى نقطة عسكرية ويعرقل الحركة ولا تستطيع أن تفعل شيئا وتكتفي بالمشاهدة".
حماس؛ يجب أن تكون المقاومة في حالة تأهب
وقال زاهر جبارين العضو البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس": "ليس أمام الفلسطينيين خيار سوى مواجهة المحتلين للحصول على حقوقهم"، وأضاف في مقابلة مع الجزيرة: "لا توجد ضفة غربية في الوقت الحالي، لأن المستوطنات بنيت في كل مكان، لكننا لن نسمح بأن يكون مصير الشعب في يد وزير الأمن القومي الصهيوني"، كما طالب قوى المقاومة باليقظة والشعب بالتوحد ضد الاحتلال، وقال جبارين: "لقد حاربنا المحتلين لسنوات وما زلنا نقاتل، وبينما يهدد إيتامار بن جير بهدم المسجد الأقصى، العالم يتفرج والدول لا تتخذ خطوة واحدة، ومن حقنا أن نواجه الاحتلال".
رأي الخبراء الفلسطينيين في عودة ترامب
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة، بعد غياب 4 سنوات، اتجهت الأنظار نحو منطقة غرب آسيا، وخاصة القضية الفلسطينية والسياسة التي سيتبعها، وكانت علاقة الفلسطينيين صعبة مع ترامب وإدارته، حيث أوقف تمويل الأونروا وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 2018، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة وأعلنها مركزاً للكيان الصهيوني، وإن احتمال تحقيق "السلام" فيما يعرف بـ"صفقة القرن" كان ضارا وتسبب في انتهاك الحقوق الفلسطينية.
وقال واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: "الفلسطينيون يعتقدون أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكي متفقان على دعم الاحتلال الإسرائيلي وأنهما منخرطان بشكل كامل في العدوان والحرب ضد الشعب الفلسطيني." وأضاف أبو يوسف: "إن التعامل مع المخاطر والتحديات الناجمة عن فوز ترامب يتطلب إجماع الشعب الفلسطيني على مواصلة النضال وعدم الاستسلام، فجهود الجميع في هذه المرحلة ترتكز على وقف الإبادة الجماعية، والوقوف ضد التهجير من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال".
من ناحية أخرى، قال الدكتور أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية والخبير في القضايا الأمريكية: "من المتوقع أن يأتي فوز ترامب بتغييرات كبيرة في القضية الفلسطينية برمتها وأهمها تداعياته على إدارة الحرب في قطاع غزة، الشهران المقبلان حاسمان لأنه من المرجح أن يطلب ترامب من نتنياهو إنهاء الحرب في غزة مقابل الحفاظ على مستقبله السياسي".
وأكد هذا الخبير في القضايا الأمريكية: "أن ترامب سيحاول تحقيق مقاربات جديدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من خلال تفعيل مشروع التطبيع الاقتصادي والسياسي مع الدول العربية ومحاولة إدارة الأمور بعيدا عن المواجهات العسكرية، والتطبيع الشامل مع العرب مع الضغط الذي ستنضم إليه معظم الدول العربية".
من جهته يرى المحلل السياسي العربي أحمد أبو الهيجا أن ترامب سيتحرك لوقف الحرب في غزة، لكن فلسطينيي الضفة الغربية سيدفعون ثمناً باهظاً لأنه قد يدعم قرارات المتطرفين الصهاينة. ويرى أبو الهيجاء أنه يجب فرض نوع من التدخل الإقليمي للتعامل مع القضية الفلسطينية وفي نفس الوقت إضعاف دور السلطة الفلسطينية. لكن "إسرائيل" قلقة من إنهاء وجود السلطة الفلسطينية، لكن في المرحلة الحالية، بحسب وصف وزير المالية الصهيوني سموتريش، يجب أن تكون السلطة الفلسطينية مثل الشخص الذي رأسه فوق الماء وجسده تحت الماء. ويجب عدم السماح له بالغرق أو الصعود.