الوقت- يتجه قطار شحن بضائع روسي إلى المملكة العربية السعودية عبر أراضي إيران، مستخدمًا ما يسمى ممر شمال - جنوب، ونقلت بعض وسائل الاعلام الايرانية يوم الأحد الماضي، عن المدير التنفيذي لشركة السكك الحديد الايرانية ميعاد صالحي، إعلانه نقل شحنة روسية عابرة (ترانزیت) إلى السعودية مرورًا بالاراضي الإيرانية، وقال صالحي: "دخل قطار حاويات روسي يجر 36 عربة إلى منفذ "اينجة برون" بمحافظة كلستان (شمال إيران) متجهًا صوب مدينة بندر عباس في محافظة هرمزكان (جنوبي البلاد) ومنها إلى السعودية"، وأشار صالحي إلى أن القطار سيتجه نحو مدينة جدة في السعودیة عبر الممر الإیراني، بعد الإجراءات الجمركية.
وقالت وسائل إعلام روسية وإيرانية، إن أول قطار حاويات بضائع روسي انطلق نحو السعودية، مرورا بالأراضي الإيرانية، وأشارت وكالتا سبوتنيك وفارس الروسية والإيرانية، إلى أن القطار الذي انطلق من روسيا، سيحمل 36 حاوية شحن، وسيمر عبر منفذ إينجه برون بين تركمانستان وإيران، وقال مدير جمارك محافظة كلستان الإيرانية، شهريار شهرياري، إن القطار الروسي سيمر من طريق "فارما تشوا"، ومن ثم حدود آكيلا الواقعة ضمن حدود دولة تركمنستان، ومنها إلى بلدة إينجة برون الإيرانية، والذي سينتهي مسيره في ميناء بندر عباس على الخليج الفارسي.
وأشار شهرياري إلى أن "هذا الطريق يوفر إمكانية خفض فترة نقل وإيصال البضائع عدة أيام، ويزيد فرص إرسال قطارات الحاويات من محطات القطارات في منطقة جنوب الأورال، نحو ميناء بندر عباس، عبر الطريق السككي في منفذي حدود إينجة برون وسرخس الإيرانيين"، ولفت إلى أن "خفض التعرفة الجمركية أسهم في خفض تكلفة إرسال البضائع عبر ممر شمال جنوب إلى النصف تقريبا"، وكانت وسائل إعلام قد أشارت، في الواحد والعشرين من شهر يونيو/ حزيران الماضي، إلى انطلاق أول قطار حاويات متجه إلى السعودية من محطة الشحن تشيليابينسك الروسية، ويتبع القطار ممر النقل الدولي "شمال جنوب" عبر كازاخستان وتركمانستان وإيران، ثم بحرا إلى السعودية.
وأفادت الخدمة الصحفية لسكة حديد جنوب الأورال، آنذاك، بأن القطار يحتوي حاويات مزودة بمعدات طاقة ومعادن غير حديدية، ويتحرك وفقًا لجدول زمني متخصص مصمم لحركة الشحن على طول هذا الطريق، لافتة إلى أنه قبل شهرين، تم إرسال قطار حاويات إلى الهند على طول خط السكك الحديدية.
استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتنويع شبكة ممرات العبور
تتمتع مشاريع البنية التحتية للسكك الحديدية بقوة جذب كبيرة للبلدان، ولا سيما بسبب قدرتها على ربط المدن ببعضها البعض، وفتح الفرص الاقتصادية لموانئ التصدير، وتقليل تكلفة نقل البضائع، والسماح للناس بالوصول إلى فرص العمل والتجارة، وقد ركزت القوى الكبرى التي تسعى إلى تعزيز موقعها الاقتصادي في العالم، على هذه الطرق الجذابة في السنوات الأخيرة أكثر فأكثر.
وفي هذا الصدد، وتماشيًا مع تحقيق السياسات الاستراتيجية للحكومة الإيرانية لتطوير العلاقات التجارية مع العالم، بالتعاون مع بعض دول المنطقة، تحاول إيران تحسين قدراتها في مجال السكك الحديدية حتى تتمكن من تعزيز طرق التجارة الدولية، ويعدّ ممر الشمال-الجنوب حاليًا أهم ممر قيد التنفيذ لإيران، والذي اكتسب زخمًا مقبولًا في أعقاب التطورات التي تلت الحرب في أوكرانيا، ويمكن أن يلعب تفعيله الكامل دورًا مهمًا في تعزيز مكانة إيران في شبكة التجارة العالمية، ومع ذلك، فإن التركيز على مشروع ممر الشمال-الجنوب الكبير، لم يجعل الحكومة الإيرانية لا تفكر في تفعيل قدرات الترانزيت الأخرى في البلاد، وفي هذا الصدد، كتبت مجلة "أويل برايس" في مقال تحليلي، إن مثلث إيران - الهند - أرمينيا قيد التشکيل، وإن مثلث القوة هذا يمكن أن تكون له رسالة استراتيجية مهمة ويغير التوازن الجيوسياسي في جنوب القوقاز.
يذكر في هذا التقرير أن المشاورات السياسية الثلاثية الأولى بين نواب وزراء خارجية إيران والهند وأرمينيا، عُقدت في أبريل 2023 في يريفان، وفي هذه المحادثات، ركزت الدول الثلاث بشكل أساسي على "القضايا الاقتصادية وقنوات الاتصال الإقليمية"، و"اتفقت الأطراف على مواصلة المشاورات بشكل ثلاثي"، ووفقًا لـ "أويل برايس"، يمكن النظر إلى التعاون المتزايد بين إيران وأرمينيا والهند، كجزء من جهود طهران لاستعادة التوازن في جنوب القوقاز بعد حرب كاراباخ الثانية، وهذه المجموعة الثلاثية تختلف عن التعاون الثلاثي بين باكستان وتركيا وأذربيجان. الهدف من الممر المقترح، الذي يمتد بموازاة ممر الشمال-الجنوب الدولي للنقل، هو ربط مومباي ببندر عباس ثم بأرمينيا ومن هناك إلى أوروبا أو روسيا، ويقال إن حوالي 250 مليار دولار من المنتجات الهندية والصينية وشرق آسيا، سيتم نقلها إلى أوروبا من هذا الممر كل عام، ومن المتوقع أن تبلغ حصة إيران في عبور البضائع حوالي 4٪.
وهذا يعني أن حصة إيران من عبور البضائع في هذا الممر ستكون 10 مليارات دولار سنويًا، وسيكون لإنشاء هذا الممر تأثير بنسبة 15٪ على الناتج المحلي الإجمالي لإيران على المدى الطويل، ولذلك، فإن إنشاء طريق العبور هذا، إلی جانب ممر الشمال-الجنوب، يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة لاقتصاد إيران المتنامي. وعلى الرغم من أن التجربة أظهرت أن إنشاء خطوط السكك الحديدية الدولية سيستغرق وقتًا، إلا أن ظروف الإطلاق السريع لممر الخليج الفارسي-البحر الأسود أكثر سلاسةً، لأنه داخل إيران، التي تعتبر مركز الثقل لهذا الطريق، تم من قبل توفير العديد من البنى التحتية.
جهود إيران لخلق التوازن في القوقاز
في السنوات الأخيرة، لعبت إيران دورًا مهمًا في ممرات السكك الحديدية في آسيا، وبعبارة أخرى تعتبر جسرًا بين الشرق والغرب، ولذلك، فهي تحاول خلق التوازن في ممرات العبور ضد بعض الأعمال التخريبية التي تتحدى هذه الطرق، لإيران دور في تسهيل التجارة من روسيا إلى المحيط الهندي، عن طريق ممر الشمال-الجنوب الذي تم إطلاقه العام الماضي، ومع ذلك فهي تحاول تنويع طرق السكك الحديدية، بحيث لا يحدث اضطراب في التجارة الإقليمية في حال حدوث أزمة، وبما أن جمهورية أذربيجان قد تبنت سياسة التوتر في المنطقة في السنوات الأخيرة، وتحاول استكمال ممر "زانجيزور" المثير للجدل، والذي يقطع عملياً الحدود بين إيران وأرمينيا، لذلك، بمساعدة أرمينيا والهند، تحاول إيران جر الدول الأخرى لمشهد التطورات في القوقاز ومنع التغيير الجيوسياسي في هذه المنطقة، من خلال بناء ممر الخليج الفارسي-البحر الأسود.
تعتبر طرق العبور في إيران أكثر اقتصاداً من الخيارات المماثلة في المنطقة، وهي أكثر أمانًا بسبب الطريق البري، أيضاً، بناء المشاريع الطموحة لتركيا وأذربيجان، أي ترانس-قزوين، يستغرق وقتًا طويلًا قد يصل إلی عقود، ولكن بمساعدة أرمينيا والهند، يمكن لطهران تشغيل طرق جديدة في أقصر وقت ممكن وبتكلفة أقل، بشكل عام، يمكن القول إن استراتيجية إيران لتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية وزيادة التعاون التجاري مع الدول الأخرى، ستحسن مكانة إيران في التجارة العالمية، وتظهر أن السياسات الأمريكية لعزل طهران قد فشلت، وأن القوى العالمية تعوِّل على طرق عبور إيران للمضي قدمًا في خططها الكبيرة
روسيا وإيران توقعان اتفاقية إنشاء خط للسكك الحديدية رشت – آستارا
وقعت روسيا وإيران قبل عدة أسابيع، اتفاقية للتعاون المشترك تتضمن بناء سكة حديدية تربط ميناء آستارا بمدينة رشت في شمال إيران، وشارك في مراسم توقيع الاتفاقية عبر تقنية الفيديو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، ووقع الاتفاقية من الجانب الروسي وزير النقل فيتالي سافيلييف، ومن الجانب الإيراني وزير الطرق والتنمية العمرانية مهرداد بذرباش، وأشار الرئيس الروسي إلى أهمية ممر النقل “شمال – جنوب”، الذي يهدف لربط الموانئ الروسية على بحر البلطيق والموانئ الإيرانية المطلة على الخليج والمحيط الهندي.
وأضاف بوتين إنه سيتم مد سكة حديدية بطول 162 كيلومترا بين آستارا ورشت، وقال: "للوهلة الأولى يظهر أنه مقطع صغير، لكن تشييد هذا المقطع سيساهم في تأمين نقل مباشر بواسطة السكك الحديدية على طول مسار النقل (شمال – جنوب)". وشدد الرئيس الإيراني في مراسم التوقيع على أن اتفاق الاستثمار الروسي في الربط السككي بين رشت وآستارا أمر مفيد لجميع دول المنطقة، وقال: “إيران والبلد الصديق روسيا وجميع دول هذا المسار يعرفون أن إيران أسهل وأرخص وأفضل طريق للنقل التجاري في المنطقة وللربط بين شرق آسيا وأوروبا"، وأضاف إن “الاتفاق يركز على استكمال ممر النقل “شمال – جنوب”.. في الجزء الشرقي نشترك مع روسيا وكازاخستان وهذا الجزء تم تدشينه.. في الجزء الأوسط وبحر قزوين يجب دعم الملاحة البحرية.. وهناك نقص في الجزء الغربي بين آستارا ورشت وهذا الاتفاق يسد هذه الثغرة.. نأمل أن تنتفع جميع الدول المرتبطة بهذا الطريق من الاتفاق”.