الوقت- في الفترة الماضية، توصل المشاركون في اجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا إلى اتفاق بشأن طبيعة الحل اللازم للأزمة المستمرة في البلاد منذ عام 2011، حيث أكدوا أن الحل السياسي يعد الخيار الوحيد، وأعرب المشاركون عن تطلعهم لاستئناف المسار الدستوري السوري في سلطنة عمان قبل نهاية العام الحالي، وقد صدر بيان ختامي للاجتماع الذي عقد يوم الثلاثاء الفائت في القاهرة، بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والعراق ولبنان، إضافة إلى ممثلي سوريا وأمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وأشار البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية إلى أن الهدف من الاجتماع هو متابعة حل الأزمة في سوريا، بما يتوافق مع بيان اجتماع عمان الذي عقد في مايو/أيار الماضي، ومواصلة الحوار بمنهجية "خطوة مقابل خطوة".
تعزيز التسوية الشاملة
في اجتماع يوم الثلاثاء الماضي، تمت مناقشة تطورات الوضع في سوريا، وتم التطرق إلى جهود أعضاء لجنة الاتصال والحكومة السورية في التواصل مع الأمم المتحدة والدول الصديقة، بهدف تعزيز جهود التسوية الشاملة للأزمة وضرورة اتخاذ خطوات عملية وفعالة للتوصل إلى حل للأزمة، وفقاً للبيان الصادر، وأكد المشاركون أن الحل السياسي يمثل الحل الوحيد للأزمة في سوريا، وعبّروا عن تطلعهم لاستئناف المسار الدستوري السوري، وعقد الاجتماع القادم للجنة الدستورية السورية في سلطنة عمان بالتنسيق مع الأمم المتحدة قبل نهاية العام الحالي، ويجدر الإشارة إلى أنه تأسست اللجنة الدستورية السورية في عام 2019، وتتألف من 150 عضواً بالتساوي من حكومة سوريا والمعارضة والمجتمع المدني، وقد تم عقد 8 جولات في جنيف بهدف تحقيق إصلاح دستوري.
إضافة إلى ذلك، اتفق المشاركون في اجتماع القاهرة على أهمية استمرار المسار الدستوري بجدية، إذ يُعتبر هذا المسار أحد العوامل الرئيسية لتحقيق نهاية للأزمة وتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية المطلوبة، وأكد المشاركون ضرورة التعامل مع أزمة اللاجئين في سوريا وتأثيراتها الواسعة على الشعب السوري والدول المستضيفة لللاجئين، وشدد الوزراء على أهمية تعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة لللاجئين، بهدف تنظيم وتسهيل عملية العودة الطوعية والآمنة لللاجئين، وأشار البيان الختامي إلى أن لجنة الاتصال العربية تشجع سوريا على مواصلة اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للتعامل مع جميع تداعيات الأزمة في سوريا، وتوصل المشاركون إلى اتفاق على عقد الاجتماع القادم للجنة الاتصال مع وزير الخارجية السوري في بغداد.
وفي نهاية أبريل/نيسان الماضي، تم عقد اجتماع في العاصمة الأردنية عمان بين وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق مع نظيرهم من سوريا، وتمت مناقشة حل الأزمة في سوريا بما في ذلك عودة اللاجئين إلى وطنهم، وصدر بيان عرف بـ "بيان عمان" عقب الاجتماع، وفي شهر مايو/أيار الماضي، قرر وزراء الخارجية العرب عقب اجتماع تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ بيان عمان والاستمرار في الحوار المباشر مع سوريا، بهدف التوصل إلى حل شامل للأزمة.
ويعتبر التعاون العربي مع سوريا لحل الأزمة قد تم تناوله عبر عدة مبادرات وجهود دبلوماسية على مدار السنوات الأخيرة، وبعض من هذه المبادرات تشمل:
مبادرة عمّان: في أبريل/نيسان 2017، أطلقت الأردن مبادرة عمّان، والتي تهدف إلى تحقيق حل سياسي للأزمة في سوريا بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وتتضمن المبادرة عناصر مثل وقف إطلاق النار، وتشكيل هيئة انتقالية مؤقتة، والتركيز على مكافحة الإرهاب، مع جهود اللجنة العربية السورية.
وتشكلت لجنة الاتصال العربية السورية في العام 2011، وتضم الأردن والسعودية ومصر والعراق، وتسعى اللجنة إلى تسهيل حل سياسي للأزمة في سوريا من خلال التنسيق مع الأطراف المعنية وتوفير منصة للحوار
الجهود الدبلوماسية العربية: تم تنظيم العديد من الاجتماعات والقمم العربية لمناقشة الأزمة في سوريا، وتبادل وجهات النظر والتوصيات بين الدول العربية، وتهدف هذه الجهود إلى توفير إطار عربي موحد للتعاون والتحرك نحو حل سياسي للأزمة، ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هناك اختلافات وتحديات بين الدول العربية فيما يتعلق بالتعاون مع سوريا، وتختلف الأولويات والمواقف بين الدول العربية المختلفة بشأن الأزمة في سوريا.
أولويات التعاون مع سوريا
لا شك أنه توجد أولويات مختلفة بين الدول العربية فيما يتعلق بالتعاون مع سوريا بسبب اختلاف المصالح والمواقف السياسية والاقتصادية، وفيما يلي بعض الأولويات المختلفة التي قد تكون للدول العربية في التعاون مع سوريا.
حل سياسي شامل: بعض الدول العربية تعتبر الأولوية الأساسية هي التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في سوريا من خلال المفاوضات وتحقيق تسوية سياسية تلبي مطالب جميع الأطراف المعنية.
الاستقرار والأمن الإقليمي: بعض الدول العربية تركز على ضرورة استعادة الاستقرار والأمن في سوريا والمنطقة العربية بشكل عام، وقد تولي هذه الدول أهمية كبيرة لمحاربة الإرهاب والتطرف وضمان عدم انتشار الصراع والتهديدات الأمنية.
الحل الإنساني والإغاثة أمر مهم للغاية: حيث توجد دول عربية تولي أولوية لتقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة للشعب السوري المتأثر بالأزمة، وتشمل هذه الجهود توفير المساعدات الغذائية والطبية والإسكان والتعليم للنازحين واللاجئين السوريين.
العودة الطوعية للنازحين واللاجئين: هناك دول تضع أولوية حول تسهيل وتنظيم عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن، وتوفير الظروف الضرورية والبنية التحتية اللازمة لاستقبالهم وإعادة إعمار المناطق المتضررة.
التعاون الاقتصادي والتجاري: بعض الدول العربية تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع سوريا، وذلك من خلال تعزيز العلاقات التجارية وتشجيع الاستثمار وإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة، وهذه الأولويات توجهات ومصالح الدول العربية المختلفة، وتختلف وفقًا للتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل دولة عربية.
وهناك عدة دول عربية تركز على تحقيق الحل السياسي الشامل في سوريا، ومن بين هذه الدول، الأردن الذي يلعب دورًا فاعلاً في السعي إلى التوصل إلى حل سياسي شامل في سوريا، وقد أطلقت الأردن مبادرة عمّان في عام 2017، والتي تهدف إلى تحقيق حل سياسي يلبي متطلبات جميع الأطراف المعنية وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، كما تدعم المملكة العربية السعودية حلاً سياسيًا شاملاً للأزمة في سوريا، وتسعى لتحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل عام حاليا، وتشجع السعودية على التوصل إلى اتفاق سياسي يعكس مصالح الشعب السوري ويضمن وحدة وسيادة سوريا، وتسعى مصر أيضًا إلى تحقيق حل سياسي شامل في سوريا من خلال الدعوة إلى الحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية.
وتؤكد مصر على ضرورة احترام وحدة وسيادة سوريا وتلبية مطالب الشعب السوري، فيما يعمل العراق على تعزيز جهود الحل السياسي في سوريا، ويسعى إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، ويلعب العراق دورًا في الترويج للحوار والتفاوض وتعزيز التفاهم بين الأطراف المختلفة في الأزمة في سوريا، ويجب الإشارة إلى أن هذه الدول ليست الوحيدة التي تركز على تحقيق الحل السياسي الشامل في سوريا، بل هناك دول أخرى تسعى أيضًا للهدف نفسه، ويتغير التحالف والتركيز السياسي بمرور الوقت وتطور الأحداث، لذا قد يكون هناك تغير في الدول التي تركز على هذه الأولوية.
إضافة إلى المبادرات التي ذكرتها سابقًا، هناك بعض المبادرات الأخرى التي أطلقتها الدول العربية لتحقيق الحل السياسي في سوريا، ومن بين هذه المبادرات مبادرة القاهرة: أعلنت مصر في عام 2016 عن مبادرة القاهرة، والتي تقوم على توفير إطار للحوار السوري بمشاركة جميع الأطراف السورية المعنية، وتهدف المبادرة إلى التوصل إلى تفاهمات حول قضايا الحوكمة والدستور والانتقال السياسي في سوريا.
مبادرة الكويت: أطلقت الكويت مبادرة في عام 2013 تحمل اسم "مؤتمر الكويت الدولي لدعم سوريا والشعب السوري"، والتي تهدف إلى جمع المساعدات الإنسانية والمالية لدعم الشعب السوري والنازحين واللاجئين، وقد استمرت جهود الكويت في هذا الصدد على مدار السنوات التالية.
مبادرة تونس: أعلنت تونس في عام 2012 عن مبادرة لحل الأزمة في سوريا تحت اسم "مبادرة الرباط"، والتي تدعو إلى وقف إطلاق النار وبدء حوار سوري لإيجاد حل سياسي للأزمة، وتهدف هذه المبادرات إلى تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة في الأزمة في سوريا وتحقيق تسوية سياسية شاملة، وعلى الرغم من وجود هذه المبادرات، إلا أن تحقيق حل سياسي شامل في سوريا لا يزال يواجه تحديات كبيرة نظرًا لتعقيدات الوضع السوري والتدخلات الخارجية المختلفة، لكن من الضروري أخذ هذه المبادرات على محمل الجد والرغبة العربية أولاً والخارجية ثانيّاً، لإيقاف شلال الدم والألم في هذه البلاد.