الوقت- تعيش السياسة السعودية لا سيما الخارجية حالةً من القلق المتزامن مع تزايد الأزمات المحلية والإقليمية و الدولية، والتي جعلت من الرياض دولةً غائبةً عن دورها المعهود. وهنا فإن النقاش حول الدور السعودي يأخذنا للعديد من الإستنتاجات المتنوعة، إلا أن تلك النتائج تجمعها حقيقةُ أن الدور السعودي يعتمد بمجمله على سياسة الإبتزاز المدفوعة بسعر النفط. بينما تنتهج الرياض سياسةً مدروسة في حربها على طهران، دون أن تُحقق أياً من المكاسب. فماذا في الدور السعودي البعيد عن الهوية الإسلامية؟ ولماذا تُصر الرياض على فكرة العدواة لطهران في تعاطيها لا سيما عبر السياسة الخارجية؟
لا شك أن محاولات الرياض العديدة لا سيما الأخيرة في التأسيس للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، جاءت كمحاولةٍ لإحياء الدور السعودي الغائب عن الساحة الإقليمية و الدولية. وعندما نقول الغائب لا نعني بُعد الرياض عن أزمات المنطقة، إذ أنها تشكل أهم أسباب الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي، بل نقصد بُعدها عن التأثير في الحلول المستقبلية، الى جانب أنها جعلت من نفسها في السنوات السابقة، مثالاً للطرف المُشاكس بل المُسبب للعديد من المشكلات الإقليمية. وهو الأمر الذي بيَّنته الأزمة السورية والعدوان على اليمن. وهنا فإن الحديث الذي يُحاول البعض إثارته حول الإختلاف بين السياسة السعودية في المنطقة والسياسة الإيرانية، هو من الأمور الخطأ، ليس لأنه لا يوجد اختلافٌ بين الطرفين، بل لأن حجم الطرف الإيراني وتأثيره الإقليمي والدولي، الى جانب دوره البناء، أمرٌ لا يمكن مقارنته مع الطرف السعودي المُسبب للأزمات. بينما تطرح السياسة السعودية لا سيما على الصعيد الخارجي والتي تواجه سياسة مدِّ اليد الإيرانية بسياسة العداء، الكثير من الأسئلة. وفي محاولةٍ للإجابة على هذه الأسئلة نقول التالي:
- على الرغم من أن الألم اعتصر قلوب الشعب الإيراني جراء جريمة الحج هذا العام والتي عُرفت بحادثة منى، فإن المسؤوليين الإيرانيين وفي مقدمتهم رئيس الدبلوماسية الإيرانية أي وزير الخارجية وأعضاء السياسة الخارجية في إيران، ما زالو حتى اليوم ينادون بإعتماد سياسة مدِّ اليد والتحاور حتى مع الرياض. لكن يبدو أن الطرف السعودي لا يزال بعيداً عن الأهلية لذلك.
- فالرياض تكرر دائماً أمام زوارها لا سيما الرؤساء الخليجيين أو بعض العرب، بأن إيران تُشكل تهديداً على المنطقة، ولا يجب التقارب منها. وهو الأمر الذي أكدته السعودية عبر الدعوة لتأسيس التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب. وهنا فإننا عندما نغوص بالمصالح التي تجمع البعض مع الرياض، لا سيما المصالح الإقتصادية والمالية، نجدها مُضطرةً للغرق في السياسة السعودية، وهو الأمر الذي بينته أيضاً زيارة الرئيس التونسي منذ أيام.
وبعيداً عن الرأي الإيراني، فإننا نقول أن الحقائق الموضوعية، هي التي تُحدد الأسباب التي تدفع بالرياض لإنتهاج سياسة العداء لإيران. على الرغم من أن الحقائق التاريخية أيضاً تؤكد فشل هذه السياسة، والتي كانت تصتدم دائماً بالحكمة الإيرانية. وهنا نُشير للتالي:
- إن السياسة السعودية تحديداً الخارجية كانت تقوم دائماً على العداء للطرف الآخر لا سيما القادر على الإستغناء عنها. وهنا فإن العداء السعودي لإيران ليس فقط لأن الطرف الإيراني يُمثِّل واقعاً سياسياً وإسلامياً في المنطقة، بل لأن الرياض تبني علاقاتها عبر الإبتزاز المالي لا سيما حاجة الآخرين لها. مما يجعل علاقاتها تقوم على المصلحة الظرفية وليس المبادئ المشتركة.
- من ناحيةٍ أخرى فإن المحاولين التقريب بين الطرفين من بوابة أنهما يتزعمان العالم الإسلامي، فهو مُخطىءٌ أيضاً. فالسعودية وإن صبغت نفسها بالإسلام كهوية، لا يمكن أن تُقارَب على الصعيد العملي مع دولةٍ كإيران. فالفكر الوهابي الذي يُعتبر أساس التنظيمات التكفيرية والتي أصبحت تُهدد العالم، هو صنيعة الرياض. بينما تُعتبر سياسة السلام والمحبة والتقارب بين المسلمين، لا سيما فكرة أسبوع الوحدة الإسلامية والذي نعيش اليوم ذكراه، نتيجةً للعمل الإيراني الدؤوب منذ انتصار الثورة الإسلامية.
- لذلك فإن السلوك التاريخي للطرف السعودي، لا يستبعد العداء للأطراف القادرة على فرض نفسها. وبالتالي فإن سياسة العداء لطهران، سياسةٌ تنطلق من جوهر العقل السعودي. بالإضافة الى أن الدور السعودي المُتراجع يُعتبر سبباً خاصاً بالرياض، يدفعها لكيل التُهم ونصب العداوات.
إذن، لا صحة لمحاولة المقارنة بين السعودية وإيران. إذ أن الإختلافات واضحة، ليس على الصُعد السياسية فقط، بل على الصعيد الأيديولوجي أيضاً. فيما يمكن القول أن سياسة الحكمة الإيرانية، وسعي طهران لِلَمِّ شمل المسلمين، دفعها مراراً للصبر على أذى الآخرين. لكن الحكمة الإيرانية، لا تتسامح مع الخطوط الحمراء التي رسمتها طهران في سياستها الخارجية. بل إن الفضائح التي تطال السعودية داخلياً وإقليمياً لا سيما في حربها على اليمن، جعلت الرياض طرفاً يُوضح حقيقة وجهه المُتماشي مع الصهيونية برداء الإسلام. لتصبح السعودية طرفاً مُستَنكراً من الجميع. وما تصريحات المسؤولين الأوروبيين بالتشديد على دراسة العلاقة بالرياض إلا دليلٌ واضحٌ على أن السعودية أصبحت مفضوحة الأمر. فيما يتهافت الغرب لحجز مقاعدهم للوفود الى طهران، والتعامل معها.
لقد أسقطت الرياض نفسها من خلال أفعالها، وفضحت السعودية حقيقتة وجهها. بينما ما تزال إيران ثابتةً على سياستها، فيما أصبح العالم يحتاجها كطرفٍ أثبت جدارته وحكمته وعقلانيته. لنقول أن السعودية عليها أن تنتظر لتجد نفسها مُضطرةً للتنسيق مع طهران. وإن لم تشأ، فالأمور ستسير معها أو بدونها.