الوقت - ليس بالأمر المستغرب أن يقوم أردوغان بإعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، فالسياسة التي ينتهجها أردوغان في حقيقة الأمر قائم على توطيد العلاقات وتوثيق المصالح مع جماعات تنتهج من الإرهاب مبدأً لها، فهي بالقدر الذي توطد علاقتها مع جماعات الغرب الإستعماري اليوم منتفعة من النفط المسروق ومكاسب أخرى، فهي ومنذ زمن وطدت علاقتها مع الكيان الاسرائيلي الذي بدأ بعبارة عن عصابات وجماعات يهودية قدمت من دول مختلفة وبدعم غربي بريطاني حينها واحتلوا الأراضي الفلسطينية، وانما الجديد اعادة طرح هذه العلاقات علناً وتوسيع دائرتها، إذ أن تقارير كانت ترد على مر السنوات الخمس الماضية تفيد بعلاقات مع الكيان في مجالات مختلفة على الرغم من التوجيه الإعلامي المنافي لها على خلفية حادثة مرمرة.
السياسة الأردوغانية انتفاعية، صدام مع الحكومات وتوافق مع العصابات
في واقع الأمر فإن السياسة المنتهجة لأردوغان وحزبه على مر السنوات، تخلص إلى استنتاج أنها سياسة عدائية اتجاه حكومات وشعوب المنطقة بإستثناء من يقع ضمن دائرة الرضا الأمريكي، هذه السياسة لم تبقي لها صديقاً في المنطقة، فبغض النظر عن الوقائع في مصر بعد خلع مبارك والتي أدت فيما بعدها إلى عزل مرسي كرئيس ومجيء السيسي وخلفيات ما جرى، إلا أن حزب اردوغان أطلق هجمة سياسية وإعلامية على الواقع المصري الجديد والمتمثل بالسيسي، وهي بسياستها التي انتهجتها حيال كل من سوريا والعراق ازاء الأحداث فيها والتي تمثلت بفتح حدودها أمام جماعات الغرب الإستعماري لدخول البلدين والإشراف على انشاء مراكز تدريب لهم ودعمهم بالسلاح كله صب في خانة العداء بينها وبين شعوب وحكومات هذين البلدين فضلاً عن غيرها من بلدان المنطقة.
كما أن سياسة تعاطيها مع الدولة الجارة لها ايران بعدائية، وآلية تعاطيها مع الملف الكردي سواء على أراضيها أو في العراق وسوريا كانت عوامل مجتمعة مساهمة في عزل أردوغان وحزبه عن مجريات ووقائع المنطقة وتطلعات الشعوب فيها، كما كان لها الدور في اضعاف البنية الإقتصادية التي أنشئت على مدى الأعوام المنصرمة، وجعلها في بؤرة من الصراع وأدخلها في حسابات المعادلات التي لن تكون بحال من الأحوال الرابحة فيها مع فقدان الداعم والصديق خاصة وأن تحركها الأخير اتجاه روسيا والذي نتج عنه اسقاط طائرة تابعة لسلاح الجو الروسي جاء كعامل أساسي ومساعد على توسع دائرة القلق الأردوغاني حيال مصيره وحزبه، وعليه كان التوجه نحو البحث عن بديل للغاز الروسي. فيما تمكن أردوغان من تحقيق الأغلبية البرلمانية المطلوبة لسيطرته على مقاليد الحكم في تركيا وهو ما شجعه على الإستمرار في سياسته والذهاب مجدداً إلى التطبيع مع الكيان علناً متجاهلاً مأساة مرمرة.
العلاقات لم تتوقف وإنما إلى الواجهة مجدداً مع توسيع دائرتها
لا تأتي محادثات سويسرا لإعادة التطبيع في العلاقات بعد انقطاع، فالتقارير والمعطيات تشير إلى أن العلاقات العسكرية والتجارية بين أردوغان والكيان الإسرائيلي ظلت مستمرة حتى بعد حادثة مرمرة، والإتفاقيات الصناعية والتجارية بينهما ظلت سارية المفعول بل وحتى تدريبات عسكرية بينهما وتعاون إلى حد الإشتراك في مناورات عسكرية وتبادل المعلومات الإستخباراتية فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية وفيما يخص الدولة السورية. وانكشاف صفقة الغاز التي جرى التحضير لها منذ سنوات وكان يوسي كوهين رئيس الموساد الحالي هو من عقد الصفقة حينها مع مدير وزارة الخارجية التركية حينها والتي لعبت قطر دوراً في تنسيقها. وهذا ما يكشف أن السياسة الأردوغانية تتعامل ببرغماتية، ففي العلن تبدي انحيازها للقضية الفلسطينية لكسب التأييد الشعبي، وتواصل تمكين العلاقات مع الكيان الاسرائيلي والموساد. لكن حدث الغاز المكتشف على الأراضي الفلسطينية المحتلة والتوصل إلى اتفاق بالذهاب إلى بحث آلية نقله لتركيا وأوروبا هو ما ألزم أردوغان لإخراج علاقاته وتطبيعه مع الكيان إلى الواجهة مجدداً. وما الحديث عن مرمرة والتعويضات وغزة ومكتب حماس في أنقرة إلا حديث اعلامي محض لا أثر له لدى الطرفين.