الوقت - بينما حاولت بعض مشيخات الخليج الفارسي إبراز مظهر ديمقراطي من خلال إنشاء مؤسسات سياسية، لكن بسبب الحكم والهياكل القبلية التي تحكم هذه البلدان، لم تنجح في هذا المجال.
الكويت التي تتمتع بسمعة طيبة نسبيًا من حيث الديمقراطية مقارنة بعرب المنطقة، أصبحت التوترات السياسية بين الحكومة والبرلمان في السنوات الأخيرة قاتلة لهذا البلد، وقبل أن تحصل الحكومة على فرصة لتطبيق خططها، تستقيل لأسباب سياسية وتعطل إدارة شؤون البلاد.
رغم مرور شهرين فقط على تنصيب رئيس وزراء الكويت، أحمد نواف الأحمد الصباح، إلا أن توتراته مع نواب البرلمان قد تصاعدت لدرجة أنه قدم يوم الاثنين استقالة حكومته إلى الملك وولي عهد هذا البلد. وبهذا العمل، سيستمر عدم الاستقرار السياسي الذي ابتلي به هذا البلد دائمًا.
أصل الخلافات السياسية
وبرز الخلاف بين الهيئتين السياسيتين بعد أن طلب النواب الموافقة على عدد من القوانين، وخاصة القوانين المالية التي يعارضها مجلس الوزراء ويريد تأجيلها.
وشهدت جلسة مجلس النواب الأخيرة التي عقدت قبل أسبوعين مناقشة ومراجعة العديد من القوانين القائمة في شؤون الحكومة. والأهم من ذلك أن سداد القروض من الخزينة العامة للحكومة وسدادها باقتراض الحكومة بفائدة 5٪ من إجمالي القروض هو ما دفع الوزراء إلى مغادرة الجلسة وإيقاف جلسة مجلس النواب.
كما أصرت الحكومة على موقفها بسحب محاكمة عبد الوهاب رشيد وزير المالية وبراك الشيتان وزير مستشار شؤون مجلس الوزراء، وكذلك إعادة تقارير الهيئة المالية إلى الهيئات، لكن النواب يصرون على مطالبهم بإقالة هذين الوزيرين وهم على استعداد للمواصلة مهما حصل، وقد أدت هذه القضية إلى تصعيد التوترات بين الحكومة والبرلمان.
من ناحية أخرى، يعد تعديل قانون الانتخابات أحد الخلافات بين الحكومة والبرلمان، ما أجج التوترات السياسية. وبينما اقترح رئيس مجلس النواب الكويتي، السبت، إصلاح النظام الانتخابي، ووصلت حزمة الطلبات البرلمانية إلى حكومة هذا البلد. ويشترط في هذا الاقتراح أن يكون للناخب حق التصويت لأربعة مرشحين بشرط أن يكون أحدهم على الأقل من المرشحين عن الدائرة التي تم تسجيله فيها.
كما ورد في هذا الاقتراح أن أول 50 مرشحاً سيتم إعلانهم فائزين، بشرط أن تصوت اللجنة العليا للانتخابات بين المرشحين بأصوات متساوية، لكن الحكومة عارضت تعديل القانون هذا. رغم أن ملك الكويت حاول تقليص الخلافات بين مجلس النواب والحكومة ليتمكنوا من مواصلة عملهم، وأصدر الأسبوع الماضي أمرا بالعفو العام عن 37 مواطنا كويتيا بينهم عدد من النواب السابقين في مجلس النواب وبعض الأعضاء من الأسرة الحاكمة، لكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تكون فعالة في تقليص الخلافات السياسية.
وكان نواب كويتيون حذروا حكومة البلاد من انتهاك الإطار القانوني في التفاعل مع اجتماعات مجلس النواب وأذرعه الرقابية، وأكدوا في الوقت ذاته أنهم لن يتخذوا أي إجراء لتعطيل شؤون مجلس النواب. مع استقالة الحكومة، يبدو أن رئيس الوزراء يعتزم الضغط على الملك لحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة يحضر فيها ممثلون موالون للحكومة، وحتى إجراء الانتخابات النيابية، سيتم تعيين أحمد آل نواف مؤقتا وسيتولى الملك شؤون الحكومة حتى يتم تحديد مهمة البرلمان القادم.
مسلسل عدم الاستقرار السياسي
على الرغم من أن الكويت كانت الدولة الأولى من بين الدول العربية في الخليج الفارسي بتأسيس هياكل ديمقراطية ولديها جمعية وطنية منذ عام 1963، ويتم انتخاب ممثليها الخمسين عن طريق التصويت المباشر للشعب، وحتى النساء حصلن على حق التصويت منذ عام 2009، ولكن مع ذلك ، يظل استقرار الحكومات موضع شك دائمًا، وحتى الآن استقالت الحكومات عشرات المرات، وفي المتوسط تتغير الحكومات ثلاث إلى أربع مرات كل عام، وتستمر الحلقة المفرغة حتى أنه تم حل العديد من فترات البرلمان من قبل الملك لإجراء انتخابات مبكرة لتحديد مهمة الهيكل السياسي.
تأتي استقالة الحكومة الحالية في وقت تغيرت فيه الحكومة ثلاث مرات فقط في العام الماضي، وحتى في أغسطس أمر الملك بحل مجلس النواب، وهذا يدل على أن حالة عدم استقرار الحكومة في الكويت باتت ممارسة شائعة، وعمرها لا يصل حتى سنة واحدة، على عكس الدول العربية الأخرى في المنطقة، حيث يكون البرلمان شرفيًا وكل شيء تحت سلطة الملك، لكن البرلمان الكويتي مؤثر في الهياكل السياسية والقرارات المهمة للبلاد ولا يستمع لأوامر الملك الشخصية وهو مؤسسة مستقلة في مجالها التشريعي.
كما يظهر عدم استقرار الوزارات واستقالاتها المتكررة أن هناك معارضة قوية في البرلمان تقف ضد تصرفات الحكومة ولا تسمح للحكومة بالتصرف وفق رغباتها. حيث تتم محاكمة وزراء الحكومة عندما يكونون في مناصبهم لمدة شهرين، وفي العديد من الأنظمة البرلمانية، يُمنح الوزراء الفرصة لتنفيذ خططهم في غضون فترة زمنية معينة، وإذا كانت هناك مشكلة، فإنهم يراجعون خطة الإقالة، ولكن بمجرد أن يتولى الوزراء منصب الوزارة، فإنهم يخضعون لسكين الممثلين منذ بداية عملهم.
إضافة إلى الوزارات قصيرة الأجل، زادت استقالات المسؤولين الحكوميين أيضًا في السنوات الأخيرة، ووفقًا للتقارير، من منتصف نوفمبر إلى نهاية ديسمبر 2022، استقال 16 مسؤولًا كويتيًا، ما زاد من مشاكل البلاد وازداد عدم الاستقرار.