الوقت - إن التحولات الدولية المتسارعة والتحديات والمخاطر التي تهدد دول العالم أصبحت من القوة بمكان إلى درجة لم يعد بإمكان الدول منفردة مواجهتها والتغلب عليها. وهذا أوجب تشكيل تحالفات ومنظمات دولية في أطر مختلفة سياسية، اقتصادية، علمية، ثقافية وغيرها وذلك من أجل توحيد الجهود لتخطي تلك المخاطر والتحديات. والدول الآسيوية ليست بمنأى عن هذه التهديدات والمخاطر وانما تقع وسط مجموعة من الصراعات والحروب التي وصلت الى مرحلة يمكن وصفها بأنها قادرة على التهام القارة بما فيها اذا لم يتم العمل على اخمادها والسيطرة عليها قبل فوات الأوان. وفي هذا السياق تأتي المبادرة الصينية الأفغانية منذ بضع سنوات بتأسيس المؤتمر المسمى بقلب آسيا.
وأما قلب آسيا فهو الوصف الذي يصدق على أفغانستان تلك الدولة التي تتمتع بموقع جغرافي مميز وتعتبر منذ القدم جسر العبور بين شرق القارة الآسيوية وغربها. هذا بالاضافة الى موقعها الثقافي المميز والروابط التاريخية الاقتصادية والسياسية التي تحتلها عند معظم الدول المحيطة بها. وهذا الأمر لطالما أدى بأفغانستان ومنذ عقود لأن تكون ساحة لصراعات وتنافس الدول كافة على أراضيها، واستمر هذا الامر الى يومنا هذا حيث تنظر الدول الكبرى أيضا الى افغانستان من منظار المصالح الضيقة وبعين الطمع بالثروات والمقدرات دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة نفس الشعب الأفغاني. هنا لا بد أيضا من مقاربة الموضوع من زاوية أخرى وهي أن هذا الموقع المميز يمكن أن يكون فرصة مميزة لأفغانستان ودول آسيا لتعزيز تعاونهم انطلاقا من أفغانستان. وفي هذا التعاون مصلحة جميع الأطراف وتفويت الفرصة على اللاعبين الدوليين الذين يطمحون لتحقيق مآربهم في آسيا بمعزل عن مصالح دول المنطقة.
مؤتمر "قلب آسيا"
وبالعودة الى المؤتمر فقد تأسس عام 2011 م بجهد صيني أفغاني ودول آسيوية أخرى. ومن أهداف المؤتمر رفع مستوى التنسيق بين الدول الآسيوية لمواجهة التحديات المشتركة بالاضافة الى توسيع الروابط التجارية والاقتصادية بين تلك الدول. وقد أقيم المؤتمر لهذا العام منذ أيام في اسلام اباد في باكستان بمشاركة 14 وزير خارجية دولة آسيوية بالاضافة الى الرئيسين الأفغاني "اشرف غني" ورئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف".
استقرار افغانستان، استقرار المنطقة
بعد التهديدات الكثيرة التي تهدد دولنا وخاصة ظاهرة الارهاب والتطرف والذي لأفغانستان نصيب الأسد منه منذ عشرات السنين، أصبح لا بد لكل الأطراف ان تجلس الى طاولة واحدة لتناقش كيفية مواجهة هذه التحديات التي لا يمكن لدولة واحدة مواجهتها بل تتطلب تعاون كل الأطراف وبالخصوص الدول المستهدفة بشكل مباشر. وهذا يتطلب بناء ثقة متبادلة وروابط قوية وصدق في العلاقات وخاصة بين الجيران في المنطقة. وبناء عليه وكون افغانستان هي قلب تلك المنطقة المتفجرة يمكن لها لعب دور مهم جدا في جمع جميع الأطراف لأن مصير هذه الدول مرتبط ببعضها البعض.
باختصار يمكن القول ان أمن واستقرار أفغانستان يعني أمن واستقرار كل القارة الاسيوية في المستقبل وهذه حقيقة جيوسياسية مبرمة. وعدم استقرار أفغانستان يعني تفشي الارهاب في كل المنطقة وهذا ما بدأ يظهر بوضوح في بعض دول المنطقة التي بدأت تعاني من الارهاب والفكر المتطرف الذي تعاني منه أفغانستان منذ عقود.
من الجيد هنا الاشارة والتأكيد على مسألة في غاية الأهمية وهي ضرورة استقامة العلاقة فيما بين أفغانستان وباكستان. حيث من المؤكد أن عدم استقرار أفغانستان لن يكون بمصلحة باكستان في المدى البعيد ولو أمَن لباكستان بعض الاستقرار من خلال كبح جماح التطرف الطالباني مؤقتا اتجاه باكستان. وهنا تلعب باكستان دورا اساسيا في المساعدة على تأمين استقرار أفغانستان ومحاربة الارهاب هناك. وهذه المسألة لا تتحقق الا من خلال التعاون والتنسيق الجدي بين الطرفين. وتحقيق هذا الأمر ليس مستحيلا انما يتطلب قراراً سياسياً حكيماً وصريحاً من قبل مسؤولي البلدين. وتاريخ العلاقات الثقافية بين شعبي البلدين كفيل بتحقيق هذا الأمر بسرعة خاصة أن الشعبين هم من اثنيات وعروق واحدة.
خلاصة الحديث ان العلاقات السياسية المبتنية على العمل المشترك والأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة لدول المنطقة يعتبر مسألة مصيرية بالنسبة لهذه الدول. وهذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات التي يمكن عقدها لتحسين الروابط بين دول المنطقة مهمة جدا في مسيرة مكافحة الارهاب والتطرف بالاضافة الى مواجهة المخططات الخارجية التي تستهدف ثروات هذه المنطقة. هذا بالاضافة الى المصلحة الأكيدة لأفغانستان للتعاون مع كافة الأطراف من أجل وضع البلاد على سكة الاعمار والتطوير الاقتصادي والسياسي. وهذا التطوير بمثابة خطوة أساسية باتجاه نقل افغانستان من مرحلة الركود والدمار الى مستقبل واعد ومزدهر.