الوقت- إن فوز نتنياهو الحاسم في الانتخابات النيابية الأخيرة للنظام الصهيوني، بعد فترة أزمة سياسية داخلية أدت إلى انهيار الحكومة أربع مرات وحل مجلس النواب، إضافة إلى قدرته على إعادته إلى السلطة مرة أخرى عندما اعتقد القليلون أنه لن يكون قادرًا على النهوض من وابل الاتهامات والقضايا المرفوعة ضده، أعطت اليمين المتطرف أيضًا نجاحًا مدويًا غير مسبوق في العقدين الماضيين. ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، من المرجح أن تتكون الحكومة بشكل أساسي من أحزاب دينية، مع 33 مقعدًا في الائتلاف المتوقع المكون من 64 عضوًا لمصلحة "الصهيونية الدينية وشاس ويهدوت هتوراة"، أي أكثر من حزب الليكود بمقعدين.
ومع ذلك، فإن هذا النجاح للأحزاب اليمينية المتطرفة التي يمكنها تشكيل الحكومة بمفردها لا ينبغي اعتباره نتاج أشهر قليلة من الحملة الانتخابية، ولكن بالنظر إلى نتائج انتخابات الكيان الصهيوني، يمكن الاستنتاج أنه قد ألقى انتشار اليمين على التطورات السياسية والاجتماعية للأراضي بظلاله، وتمت عملية قبول أيديولوجية هذه الأحزاب من قبل مواطني هذا النظام. وتقوم هذه الأيديولوجية على تفسيرات أرثوذكسية للصهيونية الدينية، واندماج الدولة القومية لإسرائيل على أساس العرق اليهودي الواحد، وتهميش المجتمع العربي الداخلي كحليف للعدو، وعسكرة مسألة الأمن، والمستوطنات الدائمة.
وفي غضون ذلك، ومع تنامي هذه الاتجاهات (على الرغم من أنه في بعض هذه القضايا الحيوية للصهاينة، مثل المستوطنات والحرب مع غزة، كان لأحزاب الوسط واليسار مواقف متشابهة مع اليمين)، فإن أحزاب الوسط واليسار ثابتة باستمرار ومهمشه في الانتخابات. وعلى سبيل المثال، لم يدخل حزب ميرتس من اليسار إلى الكنيست خلال هذه الفترة بسبب عدم بلوغ النصاب القانوني اللازم ولهذا فقد أنهى ثلاثة عقود من التمثيل السياسي منذ تشكيله في عام 1992.
وكان حزب العمل، الذي كان الحزب الحاكم في إسرائيل في يوم من الأيام، في حالة تدهور منذ انتخابات عام 2009، حيث فاز بأربعة مقاعد هذه المرة، وتمكن من الوصول فوق عتبة 3.25 في المئة بقليل. وحزب كديما المخضرم من الوسط هو مثال آخر يمكن اعطاؤه، وهذا الحزب الذي كان في السلطة عام 2006 بقيادة إيهود أولمرت وفاز بأكبر عدد من المقاعد (28) في انتخابات عام 2009، انقسم في انتخابات 2013 وبالكاد حافظ على وجوده، لكن في انتخابات عام 2015 لم يشارك حتى.
ولعل حقيقة أن المجتمع الصهيوني يتجه نحو نمو التيارات اليمينية هي نفس القضية التي جعلت نتنياهو، رغم الوقوع في المستنقع السياسي، يأمل بعودة غير مؤمنة. ولكن أين يجب أن نبحث عن جذور وأسس الترويج لهذه الاتجاهات اليمينية في المجتمع الصهيوني؟ ويمكن رؤية المؤشرات الرئيسية لنمو اليمين في المجتمع في ملخص الكلمات المفتاحية للشعارات الانتخابية لهذه الجماعات في الأسابيع الأخيرة. "سنعيد الأمن، ونخفض تكلفة المعيشة، ونوسع دائرة السلام، ونعيد إسرائيل كقوة صاعدة بين الأمم."
ويعتبر أمن الأراضي المحتلة والجالية الصهيونية واليهودية بشكل عام مطلبًا ونقصًا تاريخيًا، إما بسبب سرديات الفكر الصهيوني حول المصير التاريخي للشعب اليهودي، والذي يروّج مليئًا بالخوف والتهجير والقتل، أو بسبب العزلة التاريخية، وهي منطقة من مناطق النظام بعد إنشائه، ارتبطت بحروب مختلفة، سواء بسبب الصراع التاريخي مع الفلسطينيين أو بسبب القوة العسكرية والسياسية المتزايدة للمقاومة الفلسطينية، والتي خفضت بشكل كبير عامل الأمن للنظام الصهيوني.
وفي غضون ذلك، تضع الأحزاب اليمينية دائمًا موضوع الأمن في قلب شعاراتها وأهدافها السياسية، وثانيًا تربط إخفاقات النظام في مواجهة التحديات الأمنية بقضايا أخرى مهمة داخلية وخارجية، مثل البناء الاستيطاني، ومفاوضات السلام مع الفلسطينيين، واتفاقية الغاز مع لبنان، والقضايا الاقتصادية و ...
وعلى سبيل المثال، قدمت هذه الأحزاب بالفعل خططًا لعكس الإصلاحات التي نفذتها حكومة بنت لابيد وإجرت تغييرات جديدة لتعزيز سيطرة الأرثوذكسية الدينية على القضاء. ومن مطالب الأحزاب اليمينية منع المواطنين الفلسطينيين من التمتع بأي حق في رفع دعوى لاستعادة حقوقهم فيما يتعلق بهدم منازلهم من قبل البلديات والتهجير، أو منع ملاحقة الجنود الصهاينة الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين.
إن زيادة المستوطنات حتى الاحتلال الكامل للضفة الغربية وتهويد القدس وطرد المجتمع الفلسطيني من الأراضي المحتلة هي الإجابات التي توفرها هذه التيارات للحل النهائي للقضايا الأمنية. وبن جير، الذي سيصبح من الآن فصاعدا الحليف الرئيسي لنتنياهو، هو رجل له تاريخ من العنصرية، قام، قبل بضعة أسابيع، خلال مظاهرة في منطقة الشيخ جراح بالقدس الشرقية، بسحب مسدس، ولوح به للفلسطينيين و صاح: "نحن الملاك هنا، تذكروا، أنا مالك العقار". وفي الأيام الأخيرة، قال السياسي اليميني المتطرف إنه يريد أن يشغل منصب وزير الأمن الداخلي لإحداث تأثير كبير على الوضع في حياة العرب.
وفي حين أن الوضع الأمني للنظام غير موات للغاية مع انتفاضة الشعب في الضفة الغربية وتنامي الجماعات المقاومة في هذه المنطقة واحتمال انتشار الانتفاضة في عمق أراضي عام 1948، فإن هذه التفسيرات تستند إلى تبني سياسة القبضة الحديدية وعدم إعطاء أي تنازلات للفلسطينيين.
وقضية أخرى من طلبات اليمين تتعلق بالتهويد الكامل للقدس الشريف. ويطالبون بالحرية الكاملة للصلاة لليهود في جبل الهيكل في القدس، أحد أقدس الأماكن لليهود. وحتى الآن، تم التحكم في عبادة اليهود في هذه المنطقة من أجل منع النزاعات مع المسلمين، لكن الصهاينة، وخاصة مع قدوم اليمين المتطرف إلى السلطة، يريدون دخول اليهود غير المقيد، والذي يهدف إلى إشعال التوترات وقمع الفلسطينيين بشدة أكثر فأكثر في الضفة الغربية.
وكانت القضية الاقتصادية أحد العوامل المهمة الأخرى وراء التغيرات السياسية الأخيرة في الانتخابات الصهيونية. وبلغ معدل التضخم أعلى مستوى له في 14 عاما عند 5.2 بالمئة في يوليو تموز الماضي. ويشعر الإسرائيليون، مثل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، بالضغط المالي من الحرب في أوكرانيا وعوامل اقتصادية عالمية أخرى. و"تحرير إسرائيل من الأزمة" كان عنوان الخطة الاقتصادية التي قدمها في ال 3 من آب زعيم اليمين ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. ونتنياهو، الذي استخدم الارتفاع الحاد في تكلفة المعيشة في الأشهر الأخيرة لمهاجمة حكومة يائير لبيد، أعلن عن بديل وأكد سجله الوزاري كوزير للاقتصاد عام 2003، والذي استطاع أن ينقذ إسرائيل من أزمة اقتصادية كبيرة. وبحسب تقارير إعلامية، فقد وصل سعر البنزين إلى رقمه القياسي التاريخي البالغ 8.25 شيكل للتر الواحد في الأشهر الماضية. وفي الشهر الماضي، أعلن المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي أن أسعار المساكن تواصل الارتفاع إلى مستوى غير مسبوق وقفزت بنسبة 15.9٪ مقارنة بالعام الماضي.
وتأتي التوترات الاقتصادية في وقت يلقي فيه الصهاينة اليمينيون باللوم على حكومة لابيد لفشلها في حماية مصالح النظام في نزاعات الغاز مع لبنان. وأنهى اتفاق بحري برعاية الولايات المتحدة تم توقيعه مؤخرًا بين إسرائيل ولبنان في 27 أكتوبر / تشرين الأول نزاعًا إقليميًا على الحافة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وأرسى اتفاقًا حول الخطوط الفاصلة لتطوير النفط والغاز في المنطقة. وتم التوقيع على الاتفاقية على الرغم من انتقادات نتنياهو للمصادقة عليها في الكنيست، وخلال الحملة الانتخابية دعا اليمين المتطرف إلى إلغائها. باختصار، من الحالات المذكورة أعلاه، يمكن أن نستنتج أن نمو اليمين في إسرائيل قد حدث في سياق الأزمات الأمنية (المحلية والأجنبية)، والأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي هي نفسها بمثابة حلقة من إعادة إنتاج الأزمات.