الوقت - لا شك في أن تركيا تحاول دائماً ضمان مصلحتها العليا في أي اتفاق دولي ممكن أن يحصل بينها وبين أي من الدول.
ودائما هذه الحسابات التركية تأتي بعد رسم الرئيس التركي للكثير من التقاطعات ومحاولة شد الحبال المتباعدة ظناً منه أن هذه السياسية والعمق في الدبلوماسية سيوصل بلده إلى مرابح سياسية كبرى.
حيث إن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفلسطيني محمود عباس في أنقرة وما تم النقاش حوله بين الرئيسين يعطي مؤشرات ودلالات واضحة لأن اردوغان يود أن يمشي متقدما في مسارين متناقضين معاً، الأول: دعم القضية الفلسطينية، والثاني: التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
حيث أكد أردوغان خلال تصريحات صحفية أن الخطوات الأخيرة لتطبيع علاقات أنقرة مع إسرائيل لن تضعف دعم بلاده لفلسطين في الصراع بين الجانبين.
كما أكدت تركيا أن تعيين السفراء بشكل متبادل ما بين أنقرة و "تل أبيب" سيتم خلال وقت قصير جداً في الفترة القادمة وهي في إطار الاستكمالات الأخيرة، وذلك بعد قطيعة امتدت لأربع سنوات من طردهما بسبب استشهاد 60 فلسطينياً، على أيدي القوات الإسرائيلية خلال احتجاجات في غزة ضد افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس آنذاك.
هذه المواقف ليست بالغريبة بالنسبة لأردوغان الذي تعلم فن التأرجح على الحبال طوال الفترة الماضية، لاهثاً وراء تحقيق مصالحه والعمل على تنفيذ الأجندة الغربية، باعتبار أن تركيا ليست واحدة من دول الوطن العربي وتنظر للكيان على أنه دولة موازية لأي دولة أخرى، إلا أن تركيا وبالذات أردوغان كان قد أقحم نفسه سابقاً بمواقف سياسية عديدة في كل الحروب التي كانت تشنها "إسرائيل " سابقا على أبناء الشعب الفلسطيني ، والتي كان من خلالها يظهر على أنه البطل المدافع عن القضية الفلسطينية، وأن موقف بلاده من القضية ثابت لا يتغير، انما الفترة الأخيرة شهدت تقلبات عدة للمزاج التركي وخاصة بما يتعلق بالمواقف الدولية.
فتارة ترى تركيا متأرجحة ما بين الطرفين الأمريكي والروسي وتارة بين الطرفين الروسي والأوكراني و تارة اخرى بين تركيا والعالم العربي لرسم طريق العودة للعلاقات السياسية بينها وبين الدول الأخرى.
وفي الظروف الحالية حتى بعد اعلان التطبيع، لا يمكن لأنقرة التقدم في هذا الملف أبداً لأن ذلك ليس قراراً فردياً يحدده اردوغان هذا قرار يجب ان يجمع عليه الفلسطينيون ومن غير الممكن أن يجمع الفلسطينيون على قرار من شأنه إعطاء حقهم للاسرائيلين المغتصبين أوفتح باب للتفاوض معهم.
والمعادلة حاليا ومستقبلاً صعبة وتعتبر ولادة صعبة ولادة من الخاصرة ولن تنجح إنما على الرئيس التركي أردوغان تحديد مبادئه وأهدافه ووضع سياسات واضحة فعدم الوضوح والرمادية التي يتبعها في التعامل سوف تزيد الأمور تعقيداً وخصوصاً أنه يقف على أبواب سنة الانتخابات الرئاسية القادمة، وجميع هذه المحاولات تصب في سعيه لكسب الدعم الإقليمي والتأييد الدولي في وصوله مجدداً لسدة الحكم في تركيا.
فقبل أقلّ من سنة على الانتخابات الرئاسية المرتقبة في منتصف حزيران 2023، يكثّف أردوغان المبادرات لتعزيز العلاقات مع عدّة قوى إقليمية، من بينها السعودية والإمارات، في مسعى إلى استقطاب الاستثمارات واجتذاب السياح، إضافة إلى عودة الرحلات المباشرة بين تركيا وإسرائيل في إطار التقارب بين البلدين.
واليوم لربما يدفع أردغان بتركيا نحو اتجاهات سياسية جديدة أهمها وأبرزها محاولة جمع النقيضين (الفلسطيني – الإسرائيلي) على طاولة واحدة لحل الدولتين وإماتة القضية واحلال السلام العربي الإسرائيلي وهذا لا يمكن أن يتحقق طبعاً بوجود المحور المقاوم والذي لن يفتح المجال أو الطريق لأردوغان أو أمثاله لأن تذهب جهود المقاومة على مر تلك السنوات سداً ولن تذهب انتصارات الشعب الفلسطيني هكذا دون قيمة أمام أحلام العثماني المتعجرف في تحقيق حلم التمدد الضائع على حساب بيع القضية وقلب البوصلة وتضيع الهدف الرئيسي في تحرير القدس من رجس الكيان وأتباعه في المنطقة وتحقيق الحق وانصاف الشعب المظلوم وإزالة هذا الكيان الغاصب الذي هو أوهن من بيت العنكبوت.