الوقت - بعد فترة وجيزة من الجدل الإعلامي حول خطط إيران لاستهداف مواطنين إسرائيليين على الأراضي التركية، غادر حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة(الإثنين) ضمن جولة إقليمية، للتشاور مع المسؤولين الأتراك بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.
تركيا وإيران، باعتبارهما جارتين تربطهما علاقات تاريخية طويلة الأمد وروابط اقتصادية واجتماعية وثقافية واسعة النطاق، من بين أهم الفاعلين الإقليميين ولهما تأثير کبير على المعادلات الإقليمية، وقد شهدتا تقلبات مختلفة في العلاقات الثنائية في العقدين الماضيين.
إن التنافس السياسي والجيوسياسي لتوسيع مجالات النفوذ الإقليمية في أعقاب التطورات السريعة في المنطقة على مدى العقد الماضي، أو المصالح المتباينة والمتضاربة في بعض الأحيان في مختلف الأزمات الإقليمية خلال هذه الفترة، قد أثَّر لا محالة على عملية التعاون بين البلدين.
في هذه الأثناء، مع تغيير تركيا لبعض السياسات الإقليمية واتخاذ مسار تصعيد التوترات مع جيرانها القريبين والبعيدين خلال العامين الماضيين أو نحو ذلك، وذلك بسبب التغيرات في البيئة الإقليمية والدولية، وخاصةً وصول إدارة بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة، وتقارب علاقات بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، كان من المتوقع أن يخضع مناخ العلاقات بين طهران وأنقرة لبعض التغييرات، لكن مثل هذا التوقع لم يحدث بعد، بل اتخذ مساراً معاکساً في الأشهر الأخيرة.
وهکذا، نظراً لمزاعم الأجهزة الأمنية التركية عن اعتقال عدد من الإيرانيين للاشتباه في قيامهم بأعمال تخريبية، وهو ما قاد العلاقات السياسية بين البلدين إلى توترات جديدة، ندرس في هذا المقال آثار خفض التصعيد في العلاقات بين الکيان الصهيوني وتركيا على عملية خفض التصعيد بين أنقرة وطهران.
تنازلات أردوغان لإحياء العلاقات مع الکيان الإسرائيلي
لم يمر سوی عدة أشهر منذ وقف تصعيد العلاقات بين تركيا والکيان الإسرائيلي، لكن الصهاينة دخلوا في قلوب المسؤولين في أنقرة، حيث يبدو أن الصهاينة هم من يقودون تركيا. ويمكن رؤية المرونة الكبيرة والجهود المبذولة لإرضاء الصهاينة في سلوك الحكومة التركية تجاه إيران.
اتبعت تركيا في الأشهر الأخيرة دبلوماسية خفض التصعيد مع دول المنطقة، وقد حاولت السلطات التركية في زياراتها لمشيخات الخليج الفارسي والأراضي المحتلة، إعادة العلاقات مع هذه الدول من خلال إزالة ما يعکِّر هذه العلاقات.
وعلى الرغم من أن تصريحات المسؤولين الأتراك لوَّحت بأن علاقات تركيا مع إيران ستسلك المسار نفسه، إلا أن الصهاينة بذلوا في الوقت نفسه قصارى جهدهم لمنع زيادة التعاون بين أنقرة وطهران.
سعى المسؤولون الصهاينة في الأشهر الأخيرة إلى كسر العزلة عن نفسهم والوضع الأمني الحرج الذي يعيشونه، من خلال تضخيم إنجازات تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، ومواصلة هذا المسار في المستقبل نحو تشكيل تحالف إقليمي واسع، ومن ناحية أخرى عرقلة مسار التهدئة بين إيران ودول المنطقة، مثل تركيا والسعودية.
والنقطة المهمة هنا هي أن الوضع بين إيران وإسرائيل هو لعبة محصلتها صفر، لذا فإن زيادة قوة كل منهما يعني تقليل قوة الطرف الآخر. وبالتالي، أي شيء يساعد إسرائيل على الخروج من العزلة الإقليمية، يتعارض مع المصالح الأمنية للجمهورية الإسلامية.
لذلك، من أجل تحقيق هذا الهدف، انتهج الصهاينة، الذين دعموا باكو في حرب ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، إلى جانب تركيا، سياسة التقارب من أنقرة.
کما تشير الزيارات المتكررة للمسؤولين الإسرائيليين إلى تركيا ولقاءاتهم مع كبار المسؤولين في هذا البلد، إلى تطور العلاقات الثنائية.
وبما أن السياسات الإسرائيلية الإقليمية كلها تستهدف إيران، يتم تنفيذ هذا البرنامج في تركيا أيضًا، حيث حاول الإسرائيليون منع توسع العلاقات بين أنقرة وطهران. كما يظهر موقف الحكومة التركية الأخير من إيران، أن المسؤولين في أنقرة يميلون إلى حد ما نحو السياسات الإسرائيلية في المنطقة.
ونظرًا لأن أنقرة ترى في الکيان الصهيوني مكونًا مهمًا في العلاقات مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، وعضوية الاتحاد الأوروبي، وتنمية التجارة الخارجية، والقضية الكردية في العراق وسوريا، فإن رغبة تركيا لزيادة علاقاتها مع إسرائيل واضحة تماماً في الأشهر الأخيرة، حيث تقرع أنقرة كل باب لجذب انتباه الصهاينة.
وعلى الرغم من أن تركيا تسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، إلا أن هذه الإجراءات كان لها تأثير سلبي على علاقات الجوار، بسبب عداء الصهاينة لإيران.
کما يشكِّل التعاون التركي مع الصهاينة في ناغورنو كاراباخ وإقليم كردستان العراق، جزءًا من التهديدات الأمنية لهذا التعاون الإقليمي لطهران، لأن وجود الصهاينة بالقرب من حدود إيران يتجاوز خطوط إيران الحمراء، وتعاون تركيا مع الکيان الإسرائيلي في هذه المشاريع بعيد كل البعد عن سياسة "عدم التوتر مع الجيران".
من ناحية أخرى، تسعى تركيا وإسرائيل في سوريا أيضًا إلى تحقيق أهداف مشتركة للإطاحة بحكومة بشار الأسد، وتشكيل حكومة موالية لهما.
وإغلاق مكتب حماس في اسطنبول والصمت الترکي في مواجهة تصعيد الجرائم الصهيونية في المسجد الأقصى المبارك في الأشهر الأخيرة، كلها تشير إلى أن تركيا باتت تخضع للصهاينة، والعلاقات بين الجانبين انتقلت من التطبيع إلى مرحلة التعاون.
تركيا تحت تأثير التهديد الإيراني المزعوم إسرائيلياً
بصرف النظر عن اللقاءات المتتالية بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين في الأشهر الأخيرة، عمل الصهاينة لعرقلة العلاقات بين طهران وأنقرة في مجال آخر أيضًا.
بعد أن حذرت السلطات الإيرانية من أنها ستنتقم من الإسرائيليين لاستشهاد حسن صياد خدائي، بدأت موجة من الهجمات الإعلامية ضد إيران، وزعم الإسرائيليون أن إيران لديها خطط لاستهداف مواطنين إسرائيليين في تركيا.
مسؤولو تل أبيب ومن خلال هذه الدعاية والأجواء الإعلامية، ضربوا عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية، حاولوا إظهار إيران بأنها تشكل تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة، ليمنعوا الانتقام الإيراني کما يظنون. ومن ناحية أخرى، بهذه الحرب الإعلامية والنفسية، حاولوا أن يلمحوا لتركيا أن إيران تنوي خلق حالة من انعدام الأمن والاضطراب في هذا البلد.
وقد أظهر اعتقال بعض الإيرانيين في تركيا بتهمة محاولة خلق حالة من انعدام الأمن وارتکاب أعمال إرهابية، أن اللوبي الصهيوني قد تسلل إلى مسؤولي أنقرة في وقت أبكر مما كان متوقعاً، الأمر الذي نجح في إبعاد تركيا عن إيران في غضون شهرين.
ولعل السبب الرئيسي لإلغاء زيارة حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا، والتي كان من المفترض أن تتم قبل أسبوعين، هو الرد على الإجراءات الأخيرة للحكومة التركية.