الوقت- بعد التغييرات التي شهدتها منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط خلال السنوات الاخيرة رأى الامريكيون أنفسهم امام اوضاع جديدة تحتم حصول تغييرات في الاستراتيجيات الامنية الامريكية، فما هي التحديات التي تواجه امريكا وكيف يريد الامريكيون مواجهتها؟
دفع تغيير الحكم في مصر وسقوط حكومة حليفة للكيان الاسرائيلي اي حكومة حسني مبارك الامريكيين نحو اتخاذ خطوات جديدة لأن أمن الكيان الاسرائيلي بات في خطر فالامريكيون لايتحملون مجيء حكومات حليفة لايران او سوريا او جماعات مثل حزب الله وحماس الى الحكم في الدول العربية لأن ذلك يضع الكيان الاسرائيلي امام حائط امني مسدود، أما القضايا الاخرى التي يفكر بها الامريكيون هي مسألة امن الطاقة في الشرق الاوسط وكذلك ظهور الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش الإرهابي وبامكان كل واحدة من هذه القضايا ان تؤدي الى تغيير الاستراتيجيات الامريكية.
التغييرات في المنطقة
عادت مصر الى العروبة الاسلامية بعد ثورة يناير بعدما حاول حكامها لعقود جعل هذا البلد علمانيا، وقد التف الشباب المصريون حول حركة الاخوان المسلمين بعد الثورة وكان بالامكان رؤية الصحوة الاسلامية في مصر، وفيما يتعلق بالبحرين فإن الصحوة الاسلامية قد وصلتها ايضا حيث هب جماهيرها من اجل ارساء حكم ديمقراطي في البلاد وبعد ذلك تحرك الشيعة في السعودية ايضا لكن حكام الرياض قد ارسلوا قواتهم وقوات دول اخرى في مجلس التعاون الى البحرين لقمع الثورة وذلك بمباركة امريكية.
التغيير الفكري
ادت رياح الصحوة الاسلامية في شمال افريقيا والشرق الاوسط الى اشعال حالة العداء للكيان الاسرائيلي والصهيونية من جديد وايقظت روح المقاومة ثانية لدى الفلسطينيين وهذا ما جعل الامريكيين يتخذون سياسات اكثر توازنا من السابق وقد رأينا كيف اصر باراك اوباما في 19/5/2011 على ضرورة العودة الى حدود عام 1967 ما اثار سخطا وغضبا اسرائيليا.
التغيير في السياسات
هناك امر يريد الامريكيون ان يفهموه بوضوح وهو هل ان الحكومات الجديدة التي ستتشكل في المنطقة ستعادي الغرب والكيان الاسرائيلي ام ستتعاون معهما؟ ان هذه القضية تعتبر هامة لأمن الكيان الاسرائيلي والمنطقة ومصالح امريكا التي تريد الحفاظ على الوضع الموجود لأن امريكا عانت كثيرا من تجربة الثورة الاسلامية في ايران ولأن هذه الثورة ادت الى تشكيل جماعات اسلامية مثل حزب الله والجهاد الاسلامي بعيدا عن الحدود الايرانية.
ان مجيء حكومات جديدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا تعادي الكيان الاسرائيلي وتقترب من ايران وسوريا يزيد من عداء شعوب هذه المنطقة للكيان الاسرائيلي ولذلك اصرت واشنطن على اجبار الانظمة الجديدة التي اتت الى الحكم بعد الربيع العربي سواء كانت اسلامية او علمانية على ضرورة حفظ اتفاقية كمب ديفيد واتفاقيات التسوية بين السلطة الفلسطينية وتل ابيب مهددة بقطع المساعدات الامريكية في حال مخالفة ذلك.
التغيير في الهيكلية
تظهر تجربة الاستعمار والهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ان الغرب وامريكا لايفرقان بين الحكومات الاستبدادية والديمقراطية في الشرق الاوسط وان ما يهم الغرب وامريكا هو الحصول على مصالح وحفظها وان الحكومات الدكتاتورية قد لبت هذا الطموح الغربي والامريكي بشكل افضل من غيرها.
ورغم اعلان الدعم الامريكي للتغييرات الديمقراطية في المنطقة نجد ان امريكا تريد حفظ الهيكلية غير الديموقراطية في دول المنطقة وانظمتها وتتجلى هذه السياسة الامريكية في الدعم الامريكي المقدم للسلطات البحرينية واليمنية والاردنية والسعودية، فالسلطات البحرينية والسعودية على سبيل المثال هي حليفة لامريكا وعندما ارسلت الرياض قواتها الى البحرين لقمع الثورة قامت امريكا بدعم الرياض خلافا لشعاراتها.
ان وثائق استراتيجية الامن القومي الامريكي تظهر السياسة الامريكية في الشرق الاوسط بشكل واضح لكن حدوث ثورات شعبية في هذه المنطقة والذي فاجأ الامريكيين زاد من تخبط واشنطن واجبرها على اتباع سياسة ادارة الازمة وهكذا يمكن القول ان السياسة الخارجية الامريكية ازاء التغييرات الحاصلة في المنطقة تدور حول المحاور التالية:
الف – دعم تشكيل أنظمة ليبرالية وعلمانية
وسبب ذلك هو عداء الرأي العام الاسلامي والعربي لامريكا بسبب سياساتها الداعمة للانظمة الدكتاتورية وللكيان الاسرائيلي وهيمنته على الشرق الاوسط.
ب – منع تكرار نموذج الثورة الاسلامية في ايران
ان امريكا تريد ادارة الاوضاع في شمال افريقيا والشرق الاوسط لكي لا تؤثر الثورات الشعبية على هيكلية النظام السياسي في هذه البلدان وتقوم واشنطن من اجل ذلك بايجاد خلافات بين الاحزاب الاسلامية وتدعم الاحزاب العلمانية التي تدافع عن الغرب والكيان الاسرائيلي.
ج – الحفاظ على امن الكيان الاسرائيلي
تسعى امريكا الى ان تكون كل حكومة جديدة تتشكل في دول المنطقة ملتزمة بتعهداتها ازاء الكيان الاسرائيلي وامن هذا الكيان.
د – التغيير في رأس هرم السلطة وحفظ الهيكلية الموجودة
هناك محاولة امريكية لمنع وصول الجماعات التي لديها هوية اسلامية وقومية الى الحكم قدر الامكان كما تريد واشنطن ابطاء سرعة حدوث هذه التغييرات واذا حدث تغيير في رأس هرم السلطة فيجب الحفاظ على هيكلية السلطة وقد نجحت واشنطن في بعض الحالات كما حدث في اليمن وتونس.