الوقت - نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مؤخرًا، تقريرًا عن الزيارة السرية التي قام بها مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية "ألون أوشبيز" إلى أنقرة الشهر الماضي، من أجل التحضير لزيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الشهر المقبل.
ويأتي لقاؤه مع المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم كالين" في وقت أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الزيارة المرتقبة لرئيس تل أبيب "إسحاق هرتسوغ" إلى أنقرة، قائلاً إنه سيزور تركيا في أوائل فبراير.
في هذا السياق، يعتقد العديد من المراقبين السياسيين الآن، أن أردوغان ومن أجل تعزيز سياسة خفض التصعيد المتبعة في الآونة الأخيرة، قد تبنی إستراتيجية التقارب مع الكيان الصهيوني.
من قطع العلاقات إلى بذل الجهود المكثفة للدخول في وقف التصعيد
تُظهر تصريحات ونهج أردوغان ومسؤولين حكوميين أتراك آخرين بوضوح، أن الرئيس التركي يسعى بجدية إلى تطبيع العلاقات مع تل أبيب والحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
ويأتي التوجه الجديد للحكومة التركية بعد أن طردت أنقرة سفير الکيان الصهيوني لديها في مايو 2018، إثر تصاعد الهجمات الصهيونية على قطاع غزة وقرار الإدارة الأمريكية آنذاك، برئاسة دونالد ترامب، نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، ثم فعلت تل أبيب الشيء نفسه.
ومع ذلك، على مدى العامين الماضيين، تراجع أردوغان عن مقاربته الهجومية والمتوترة تجاه مختلف الجهات الفاعلة، متخذاً استراتيجية التهدئة وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، ومؤخراً مع الکيان الصهيوني.
وفي هذا الصدد، نرى أنه بالإضافة إلى الإشارات السياسية، فقد تحدث أردوغان عن استعداده للتعاون مع الکيان الصهيوني في جميع المجالات، بما في ذلك الغاز. حتی أن الرئيس التركي أعلن عزمه الاستفادة من الغاز الإسرائيلي، بل والتعاون في نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
يمكن اعتبار تصريحات أردوغان أساسًا جزءًا من محاولته لهزيمة التحالف الإقليمي المناهض لتركيا. إن أنشطة ترکيا للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط على مدى السنوات القليلة الماضية، أدت إلى دخول اليونان وقبرص ومصر والکيان الصهيوني في تحالف مناهض لتركيا.
في غضون ذلك، دعمت إدارة دونالد ترامب حتى مشروع خط أنابيب Eastmod في عام 2018، والذي سعى إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص.
لكن بعد أن تولت إدارة بايدن السلطة، ألغت دعم هذه الخطة بهدوء، معتبرةً أن هذا المشروع هو مصدر توتر وعدم استقرار في المنطقة.
والآن، يبدو أن أردوغان أعلن أن الطريق الوحيد لصادرات الغاز الصهيوني إلى أوروبا يجب أن يكون عبر تركيا، حتی يفشل بهذه الطريقة التحالف المناهض لتركيا في البحر الأبيض المتوسط.
تناقض أفعال أردوغان السياسية
في السنوات التي تلت عام 2009، وبعد حادثة "مرمرة" الشهيرة، حاول رجب طيب أردوغان مرارًا وتكرارًا تصوير نفسه على أنه داعم للشعب الفلسطيني وحليف لفصائل المقاومة السياسية في الأراضي المحتلة.
حتى أن محاولة أردوغان الأساسية كانت تقديم نفسه على أنه زعيم الدول الإسلامية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث هاجم الكيان الصهيوني لفظياً خلال تصريحات ولقاءات مختلفة.
وقد بلغ هذا الاتجاه ذروته في الظاهر عام 2018 وأدى إلى قطع العلاقات بين الجانبين، لكن الواقع كان ولا يزال أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية لم يكونا حليفين حقيقيين للشعب الفلسطيني.
في الظروف الراهنة، يزعم أردوغان أن جهوده لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني لا تعني إدارة ظهره للفصائل الفلسطينية، وأن أنقرة ستستمر في الدفاع عن حقوق المسلمين في الأراضي المحتلة. لكن حقيقة الأمر هي أنه في عالم السياسة الواقعية وبنظرة واقعية، يمكن تقييم أي صداقة مع الکيان الصهيوني في اتجاه معارضة مصالح وتطلعات فلسطين.
علی سبيل المثال، في أواخر العام الماضي (2021)، استضاف أردوغان الحاخامات اليهود في اسطنبول، وهو ما يمكن اعتباره مثالًا واضحًا لجهوده لإقناع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لكسب دعم إدارة بايدن لتركيا.
وفي الوضع الراهن أيضًا، فإن ادعاء الحفاظ على التوازن بمعنى التعاون مع الكيان الصهيوني والتعاون مع فصائل المقاومة الفلسطينية في آن واحد، سيكون بمثابة ابتزاز سياسي وتضليل للرأي العام الداخلي والخارجي.
أردوغان ودفع ثمن باهظ جراء تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني
فيما يتعلق بدوافع وأسباب قيام رجب طيب أردوغان بالتقارب وتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، يمكن طرح أسباب مختلفة، وأهمها السعي للتغلب على الأزمة الاقتصادية، ودعم اللوبي الصهيوني الأمريكي لحزب العدالة والتنمية للبقاء في السلطة خلال الانتخابات المقبلة.
لكن تجدر الإشارة إلى أن مشروع أردوغان الجديد للخروج من الأزمة الداخلية من بوابة تطبيع العلاقات مع تل أبيب قد لا يجدي نفعاً بالنسبة له، ومثل سيف ذي حدين، قد يفرض تكلفةً باهظةً عليه وعلى حزبه.
حقيقة الأمر أنه في الوضع الحالي، يعتبر جزء كبير من المواطنين الأتراك وكذلك المسلمين في الدول الإسلامية، أن أي تقارب وتطبيع للعلاقات بين دولة إسلامية والصهاينة يعتبر خيانةً لا تغتفر للقضية الفلسطينية. وسيؤدي ذلك إلى تشويه صورة أردوغان وشخصيته بين الدول الإسلامية، وكذلك داخل تركيا.
وقد يمهد هذا أيضًا الطريق لهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية المقبلة، ويفرض تكاليف لا يمكن تصورها على أردوغان ومستقبله السياسي.