الوقت - بعد ثلاثة اسابيع من اعلان نتائج الانتخابات النيابية العراقية، مازال موضوع الائتلافات اللازمة بين القوى السياسية لتشكيل الحكومة في حالة غموض، والملاحظات على عملية المفاوضات الجماعية تظهر تقدماُ في المحادثات. ومع ذلك، تستمر الاحتجاجات على نتائج الانتخابات، مما يجعل من المستحيل التأكد من استقرار المرحلة الحالية، بحيث أن أي تغيير محتمل في النتائج بعد إعادة الفرز اليدوي للأصوات سيؤثر بالتأكيد على عملية الحوار السياسي.
لكن بعد موقف "الإطار التنسيقي الشيعي" الأسبوع الماضي من رفض المشاركة في محادثات مجلس الوزراء، يبدو الآن أن مقتدى الصدر، الذي تتجه الانظار إلى أفعاله وتحركاته كفائز في الانتخابات، سيشكل ائتلاف أغلبية. حيث أعلن عن استعداده لتشكيل حكومة شاملة، وأرسل رسالة مطمئنة كعلامة على حسن النية في تقاسم السلطة مع المجموعات الأخرى. وفي تغريدة الأحد التي حدد فيها شكل الحكومة المقبلة، أعلن الصدر عن نيته تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مشيرا إلى أنه ليس لديه خلافات مع الفصائل السياسية الأخرى باستثناء "موضوع الإصلاح الداخلي والخارجي". "لا ينبغي أن يقال إنني أختلف مع الفصائل السياسية إلا في الإصلاحات الداخلية والخارجية والوطنية ..." وأضاف: "ليس لدينا خلافات مع أحد سوى حب الوطن، وأعتقد أن أول ما يجب عمله للبلد في المستقبل هو أن تكون الحكومة أغلبية وطنية". "يجب أن يكون هناك فصيلان في البرلمان، الجانب الإصلاحي - الذي يشكل الحكومة وينفذ إصلاحات على جميع المستويات، السياسية، الحكومية، الخدمية، الدبلوماسية، إلخ – وستكون موحدة تماماً".
أفضل سيناريو
ليس الصدر وحده مندفع لذلك، بل حتى المجموعات السياسية الأخرى مندفعه نحو تشكيل حكومة شاملة، وهي بالإضافة إلى نتيجة الانتخابات، بلا شك من التحديات التي ستواجهها الحكومة المستقبلية والنظام السياسي بشكل عام. أولاً، تظهر نتائج الانتخابات أنه لا يمكن لأي مجموعة أن تفوز بشكل مستقل بالأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة. ويحتل التيار الصدري حاليا صدارة نتائج الانتخابات بحصوله على 73 مقعدا من 329 مقعدا، يليه تحالف "تقدم" بزعامة الحلبوسي بـ 37 مقعدا. وحل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي في المركز الثالث بـ 34 مقعدا وحل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في المركز الثالث والرابع بـ 33 مقعدا.
وقال محمد الصيهود، ممثل دولة القانون، إن "القوى الشيعية منقسمة فيما بينها (الإطار التنسيقي وكتلة الصدر) ولا يمكن لأي منها تشكيل أغلبية بالاتفاق مع الفصائل السياسية الأخرى في الحكومة". بمعنى آخر، لا يمكن للإطار التنسيقي، الذي يضم نحو 90 مقعدًا، العمل مع الأكراد والسنة لتشكيل حكومة من دون (كتلة الصدر)". وبحسب ممثل عن دولة القانون بزعامة نوري المالكي؛ فإن مقترح الصدر هو "أفضل سيناريو" لبناء حكومة من خلال تشكيل حكومة أغلبية. وقال الصيهود لوسائل إعلام عراقية "تشكيل حكومة أغلبية وطنية كان نهجنا". "لذلك نحن نتفق مع جميع البرامج السياسية التي تتماشى مع برنامج أو نهج سيادة القانون". وأوضح "لكن السيناريو الثالث لا يزال هو السيناريو الأفضل والأكثر قبولا للعراق". واضاف "بالنظر الى مقترحات الصدر فان من واجب الفصائل الشيعية (الإطار التنسيقي وكتلة الصدر) تشكيل اغلبية لتسريع عملية تشكيل حكومة تستطيع تنفيذ برنامج الاصلاح السياسي". وقال رياض العوضي عضو تيار الحكمة الوطني "ما قاله الصدر هو رؤية الحكمة قبل 2018 وهي الطريقة المثلى لإدارة الحكومة بالشكل الصحيح"، وقال "ربما تحتوي تغريدة الصدر على رسائل مطمئنة، لأنها تصريح واضح بأنه لا يمكن لفصيل سياسي مهما كان حجمه (تشكيل حكومة)".
في المقابل، سيكون للحكومة الائتلافية مزيد من القوة لمواجهة التحديات التي تواجه العراقيين بعد الانتخابات، وأهمها بالطبع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العراقيون بأشكال مختلفة. لكن هناك تحديات أخرى مهمة، خاصة فيما يتعلق بإحياء الروح الوطنية للعراقيين، وهي إعادة مفهوم المواطنة بين العراقيين. يبعث انخفاض نسبة الإقبال على التصويت برسالة تدل على تراجع ثقة الجمهور بالسياسيين لحل المشاكل، ويشير إحجامهم عن خوض الانتخابات إلى أن العملية السياسية قد تفقد شرعيتها الاجتماعية في المستقبل.
تعيين رئيس الوزراء
لكن مصدرا مطلعا في "إطار التنسيق" قال لوكالة الانباء العراقية: "تم الاتفاق على رئيس وزراء يحظى بدعم الجميع". في العامين الماضيين، بعد تشكيل احتجاجات شعبية على الأوضاع المعيشية أدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، أصبح تشكيل الحكومة في العراق معقدًا للغاية. والحل لكسر الجمود هو تسليم منصب رئيس الوزراء إلى مستقلين أو ليبراليين. في الأساس، يمكن أن تتعارض آراء رئيس الوزراء مع جزء مهم من التيارات في مجلس الوزراء. تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي المؤقتة على أساس هذه المتطلبات بعد استقالة حكومة عبد المهدي ونظراً لأدائه في الفشل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، فضلاً عن تنفيذه البطيء لطرد قوات الاحتلال الأجنبية، كان من المتوقع أن تواجه رئاسته المستمرة معارضة. في ظل هذه الظروف، فإن الطريق إلى مستقبل تشكيل حكومة ائتلافية لا يزال غير سلس تمامًا، والصدر، رغم إعلانه عن استعداده للتحدث إلى مجموعات أخرى حول تشكيل حكومة شاملة، يواصل تنفيذ سياسات صعبة، مثل تجاهل نظام المحاصصة في تعيين الوزراء.