الوقت- تسعى بريطانيا لفرض هيبتها الداخلية من خلال سن قوانين جديدة تُقيِّد الحريات العامة وهو الأمر الذي لقي استياءاً من قبل الكثير في الداخل البريطاني على الرغم من إعلان بريطانيا تراجعها عن بعض تفاصيل القانون. في حين تساءل البعض عن جدية السعي البريطاني لمحاربة الإرهاب، في ظل سياسةٍ خارجية لم تتوقف يوماً عن دعم المشروع الأمريكي في المنطقة ولو عبر الدعم اللوجستي لا سيما المخابراتي. فماذا في القانون الجديد والذي يسمح بتوسيع دائرة التنصت في بريطانيا؟
أعلنت صحيفة "ذا ديلي تليغراف" يوم السبت عن خطةٍ لوزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، تسعى من خلالها إلى استصدار قانون رقابة جديد، يوسّع من صلاحيات الأجهزة الأمنية ويسمح لها بالسيطرة أكثر على قواعد البيانات الإفتراضية. في حين تناقلت جميع وسائل الإعلام البريطانية الكثير من ردود الفعل الرافضة لذلك. وهو الأمر الذي على ما يبدو دفعها للتراجع أمس عن بعض تفاصيل القانون، لا سيما ما يتعلق بمسألة السماح لأجهزة الشرطة بالإطلاع على بيانات الإنترنت للمواطنين دون إذن قضائي.
لكن تحليل دلالات الموضوع ومحاولة فهمه، يجعل الكثير من المراقبين يتساءلون عن حجم السياسات التي يسنها الغرب تحت حجة محاربة الإرهاب، بينما يمضي قدماً في سياساته العملية التي تعتبر جوهر ترسيخ نفوذ الإرهابيين في أوروبا والعالم. وهنا نشير للتالي:
- أشارت صحيفة الواشنطن بوست في حديثها عن التقرير الأخير هذا العام لمؤسسة "فريدوم هاوس" حول حرية الإنترنت، إلى ارتفاع مستوى تقييد هذه الحرية في العديد من الدول لا سيما الغربية بسبب ازدياد الرقابة والتعدي على حرية التعبير عن الآراء في الفضاء الإلكتروني. فيما أشارت الى أن ذلك بدأ يدخل بازار المعارك السياسية التي بدأت بالظهور في أمريكا وأوروبا، والتي جعلت من موضوع رقابة الإنترنت مادةً خصبة للجدال.
- وهنا نقول أن السعي الغربي للحؤول دون مخاطر الإرهاب والعمل على تقييده من خلال الرقابة أمرٌ قد يكون مبرراً لدى هذه الدول. لكن الإشكالية التي تطرح نفسها للتساؤل، تصب في مسار الحديث عن أثر هذه السياسات في تقييد حرية المواطن الغربي. وهو الأمر الذي يُعتبر جديداً على الشعوب الغربية في دولها التي تتصف بالحرية والديمقراطية.
- بينما يقول الكثير من المحللين بأن الأثر الذي تتركه هذه السياسات على مكافحة الإرهاب ضئيل، نسبةً بالأثر في تقييد الحريات. وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بحقيقة أن مسألة القضاء على الإرهاب ومخاطره، لا بد أنها تتصل بسياسات الدول الغربية التي قامت وتحديداً منذ بدء ما سُمي بالربيع العربي بالإعتماد على سياسة تصدير الإرهابيين والعمل على تأمين الدعم اللوجستي لهم. وإدخال ذلك في مصالح الغرب والرهان عليه.
- فيما ونتيجةً لتمدد الإرهاب ووصول خطره للبيت الغربي، تسعى الدول للقيام بإجراءاتٍ قد تفضي عليها صفة الدول المسؤولة أمام شعبها، لكنها دائماً ما تصطدم بعقبة أن أغلب هذه السياسات تضر بالحريات والديمقراطية الغربية المُعتادة. فيما لم يستطع الغرب حتى الآن إيجاد حلٍ جذري للخطر الإرهابي المُحدق بدوله، نتيجة غياب المسؤولية الإجتماعية لهذه الدول، وتواجد خلايا إرهابة تجول العالم بأسره، وتعود بأصولها الى الدول الغربية.
لم تكن سياسة الغرب يوماً سياسةً تحارب الإرهاب، أو تدعم الحريات. لكن حالة الرفاهية التي كان يعيشها المجتمع الغربي، أصبحت مهددة بارتفاع ضروريات الرقابة لدى هذه الدول. فيما يعيش الغرب هاجس الإرهاب بكل تفاصيله، بعد أن كان يستخدم سياسة تصديره للخارج لا سيما الشرق الأوسط. لكن تمدد الإرهاب و رسوخه كواقعٍ يتحرك عملياً من منطلقاتٍ أيديولوجية، جعله خطراً محدقاً بالجميع. فيما تبقى بريطانيا الدولة التي يمكنها أن تكون آخر من يدعي الحرب على الإرهاب، للتاريخ المعروف الذي يتحدث عن دورها القديم في صناعة الخلايا الإرهابية عبر تجنيدها للعمل لدى الإستخبارات العالمية. فالتاريخ السياسي للإنكلترا القديمة، يحدثنا عن حجم الأذى الذي ألحقه الإستعمار البريطاني لمنطقتنا، وما خلفه من أرضيةٍ كانت كفيلةً بتأسيس بؤر إرهابية مثلت وما تزال، خطراً على واقعنا الذي نعيشه. فيما يبدو أن الدولة الأكثر تخصصاً في صنع الإرهاب في العالم، تقف اليوم عاجزةً عن محاربته لا سيما في بيتها الداخلي. فهل دخلت الدول الأوروبية مرحلة التقشف في الحريات بعد دخولها التقشف الإقتصادي؟