الوقت- أكثر ما تحتاجه سوريا اليوم بعد تعافيها من الحرب الأهلية بنسبة كبيرة هو الاستثمار واعادة عجلة الاقتصاد للحركة من جديد في بلد دمرت الحرب غالبية بناه التحتية، ومن هذا المنطلق تعمل الحكومة السورية على تعديل قوانين الاستثمار لجذب رؤوس الأموال إلى البلاد، اذ تشير الدراسات إلى ان تكلفة إعادة الإعمار في سوريا تتجاوز 1000 مليار دولار٫ ومع انحسار الحرب الأهلية في سوريا، بدأ الحديث هناك عن جذب الاستثمارات الخارجية إلى البلاد، وسط توقعات حكومية بأن يؤدي قانون الاستثمار الجديد إلى تسريع دوران عجلة الاقتصاد.
لكن تحديات عديدة تواجه هذه التطلعات، منها قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على سوريا، ويرصد خبراء أيضا تحديات أخرى فالاستثمارات تنشد البيئة الآمنة، وهو ما يتعذر حاليا في سوريا. ومع ذلك، لم تقف الحكومة السورية مكتوفة الأيدي، إذ بدأت سلسلة إجراءات توجتها بقانون الاستثمار الجديد.
في هذا الاطار أكّد وزير الاقتصاد السوري، سامر الخليل، أن سوريا سوف تكون بيئة استثمارية تنافسية تجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية. وتوقع الخليل أن تكون المرحلة القادمة أفضل اقتصادياً بعد صدور قانون الاستثمار الجديد ودخوله حيّز التنفيذ الذي سيُسرّع بدوران عجلة الاقتصاد، وتحقيق تنمية شاملة عبر خلق فرص عمل واستثمار الطاقات المتاحة التي ستشكل أولوية البلاد خلال هذه المرحلة.
وتسهيلا لعودتهم إلى سوريا، سمح مجلس النقد والتسليف بدمشق لرجال الأعمال السوريين بإدخال مبالغ نقدية بالعملة الأجنبية ما يعادل الـ 500 ألف دولار، شرط تصريحهم عنها وفق الآلية المعتمدة من هيئة مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.
وسمح مصرف سوريا المركزي الشهر الماضي لشركات الصرافة التعامل بالعملة الأجنبية واستقبال حوالات مالية قادمة من الخارج بأسعار صرف تقارب السوق. حيثُ تأتي هذه الإجراءات في سياق توفير بيئة مناسبة للاستثمار في سوريا.
ماذا نعرف عن قانون الاستثمار الجديد؟
يحقق قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 مجموعة من الأهداف أهمها خلق بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة، على نحو تتوفر في هذه البيئة مقومات الاستثمار الجيد سواء من حيث:
1- المبادئ التي تحكم عملية الاستثمار والتي تتعلق بحرية الاستثمار ومكافحة الممارسات الاحتكارية والعدالة في الفرص الاستثمارية والسرعة في إنجاز المعاملات الاستثمارية وتبسيط الإجراءات الخاصة بعمليات الاستثمار.
2- الضمانات التي تشجع الاستثمار الآمن ومثال ذلك:
أ- عدم جواز إلقاء الحجز الاحتياطي على ملكية المشروع الاستثماري إلا بموجب حكم قضائي، فالحجز الاحتياطي يجب أن يكون بقرار قضائي، ولم يبقَ متاحاً إلقاؤه بالطريق الإداري من قبل وزير المالية وهذه نقطة مضيئة في القانون.
ب – عدم إخضاع المشروع الاستثماري لأعباء إجرائية أو مالية جديدة لم يتضمنها الدليل الإجرائي تحقيقاً لمبدأ الأمن الاستثماري.
ج – كما أنه لم يجز إلغاء إجازة المشروع ما لم يتم إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه.
3- المزايا والحوافز الاستثمارية: تضمن القانون مجموعة من الحوافز الجمركية والحوافز الضريبية وصلت في بعض المشاريع الاستثمارية إلى حد الإعفاء الضريبي التام، وكذلك إحداث المناطق الاقتصادية الخاصة ذات الأشكال التنموية والتخصصية والملكية الخاصة.
ألغى القانون الرسوم الجمركية والمالية عن مستوردات الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج ووسائط النقل الخدمية للمشاريع الحاصلة على ترخيص استثماري.
أما مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني إضافة إلى إعفائها من الرسوم الجمركية المترتبة على المستوردات من أدوات وتجهيزات إنتاج، فقد أُعفيت أيضاً بالمطلق من الضريبة على الأرباح.
كما أعفى القانون الجديد مشاريع المجمعات السياحية والفنادق والمطاعم ومنشآت الترفيه ومشاريع الخدمات السياحية من جميع الرسوم الجمركية والمالية.
وأشار القانون إلى أن المشاريع التنموية ستحظى بإعفاءات بنسبة 75 بالمئة على ضريبة الأرباح لمدة عشر سنوات.
كما منح القانون إعفاءات غير مسبوقة تتراوح نسبتها ما بين 50 و 75 بالمئة على ضريبة الأرباح لمروحة واسعة من المشاريع الصناعية أهمها مشاريع صناعة التقنيات والصناعة الطبية والدوائية والطاقات المتجددة وتدوير النفايات والمشاريع الحرفية.. وركز القانون على معيار تصدير الإنتاج والاعتماد على اليد العاملة المحلية.
4- حقوق المستثمر: أوضح القانون بشكل تفصيلي حقوق المستثمر سواء أكان سورياً أم أجنبياً من حيث السماح له بفتح الحسابات المصرفية والحصول على التسهيلات الائتمانية لصالح مشروعه بالليرة السورية والقطع الأجنبي من المصارف العاملة في سورية، وتحويل الأرباح والفوائد السنوية وحصيلة التصرف بحصته من المشروع إلى الخارج، وإعادة تحويل المال الخارجي الذي تم إدخاله لتمويل المشروع في حال عدم صدور إجازة الاستثمار ضمن المهل المحددة، ومن حيث حصول المستثمر على تراخيص إقامة له ولعائلته وتراخيص عمل وإقامة للعمال والخبراء والفنيين غير السوريين.
5- تسوية النزاعات: هي من أهم المواضيع التي تضيف رونقاً جديداً على القانون الجديد وتتجلى في إحداث مركز للتحكيم مقره اتحاد غرف التجارة السورية يكون مختصاً بالمنازعات المدنية والتجارية الناشئة عن الاستثمار، فأضحى للمستثمرين حرية اختيار محكميهم سواء أكانوا محليين أم أجانب على أن يجري التحكيم ضمن المركز المحدث بموجب القانون، وسيكون له نظام داخلي ونظام تحكيم يراعي الاتجاهات الدولية الحديثة في التحكيم، أما عن الحكم الصادر عن المحكمين فسيكون خاضعاً لدعوى البطلان أمام القضاء المختص إذا تحققت شروطها، وهذا ما هو مكرس في جميع دول العالم.
وأخيراً إن الحلة الجديدة لقانون الاستثمار تجعله برونق متميز عن قانون الاستثمار النافذ بل إنها تجعله يواكب النظم الاستثمارية المكرسة في دول العالم، حيث إنه امتاز بتحقيق أهم ثلاثة مقومات للبيئة الاستثمارية الصحيحة:
الأولى: تتعلق بتبسيط الإجراءات الخاصة بالمستثمرين وهذا ما تضمنه المشروع لجهة إحداث مركز خدمات المستثمرين وتحديد اختصاصاته التي تتسم بالوضوح والسرعة في الإنجاز.
الثانية: تتعلق بالإعفاءات والتخفيضات الضريبية الواضحة.
الثالثة: تتعلق بتسوية النزاعات وهي الأهم بالنسبة للمستثمرين حيث إنها في المشروع الجديد تتقارب إلى حد ما مع النظم المقارنة مقارعة في ذلك الدول المتقدمة.
يضاف إلى ذلك وجود العديد من الضمانات والمزايا للمستثمرين والتي أتت بشكل يلبي إلى حد ما طموح المستثمرين محلياً وخارجياً في وجود بيئة استثمارية جاذبة ومبسطة تحكمها ضمانات ومبادئ شفافة يسودها مناخ قانوني وطريق قضائي واضح ومبسط لحل النزاعات.
ويمكن القول إن هذا القانون هو قانون استثمار عصري يواكب المتغيرات والعصرنة الحديثة في عالم الاستثمار والذي أضحى غير مقيد بحد، متجاوزاً في انتشاره حدود الزمان والمكان.