الوقت- في حين أن عائدات النفط المرتفعة في البلدان العربية الواقعة على ضفاف الخليج الفارسي جعلت المنطقة واحدة من أهم الوجهات الرئيسية للعمال المهاجرين من أنحاء متفرقة من العالم، إلا أن ظروف المعيشة والعمل الصعبة لمواطني تلك البلدان حولت المنطقة إلى مسلخ للعمال الأجانب.
عمال متشردون في ظل تفشي "كورونا"
مع تفشي وباء "كورونا" في دول الخليج الفارسي، تأثر وضع العمال الأجانب بشدة بالأزمة الصحية والاقتصادية اللاحقة وتشير التقارير إلى أنه في معظم هذه البلدان، يكون العمال الأجانب الذين ليس لديهم دعم حكومي في وضع أسوأ بكثير وذلك لأنهم لا يتلقون الرعاية الصحية اللازمة مثل مواطني تلك البلدان الخليجية. ووفقًا لموقع "بنغلاديش كرونيكل"، فقد 1228 بنغاليًا حياتهم بسبب "كورونا" في تلك البلدان في الأشهر الـ 13 الماضية وحتى يوم الخميس الماضي، توفي ما مجموعه 2729 بنغلاديشي بسبب فيروس "كورونا" في 23 دولة، بما في ذلك السعودية وكان عدد المتوفين البنغلاديشيين في السعودية مرتفع مقارنة بالدول الأخرى على الشواطئ الجنوبية للخليج الفارسي وفي الإمارات، توفي 265 شخصاً وفي الكويت توفي 107 أشخاص وفي عُمان توفي 70 شخصا وفي قطر توفي 31 شخصا.
وبحسب وسائل الإعلام، كانت الولايات المتحدة مدرجة في قائمة الأماكن التي هاجر إليها العمال البنغلاديشيون وفقدوا حياتهم بسبب "كورونا"، لكن الآن أصبحت السعودية في المقام الأول. كما أعرب وزير الصحة الباكستاني "ذو الفقار عباس بخاري" في تصريح صحفي، عن قلقه إزاء أوضاع العمال الباكستانيين في الدول العربية، وخاصة السعودية. وقال إن وزارته تجمع معلومات لمعرفة عدد الباكستانيين في الخارج الذين لقوا حتفهم بسبب الوباء، لكن حتى الآن ليس لديهم أرقام دقيقة. وقال "بخاري" "خلال الأسابيع القليلة الماضية، تم استلام 17 جثة من الإمارات العربية المتحدة"، مشيرًا إلى أن دولًا أخرى لم تقدم معلومات حول المتوفين الباكستانيين بسبب فيروس "كورونا". وقال "الاسبوع المقبل سنستعيد الجثث من السعودية لان اكثر من عشر جثث لا تزال محتجزة هناك."
ووفقًا لوزارة الشؤون الخارجية الهندية، فحتى 31 ديسمبر 2020، قتل فيروس "كورونا" 2072 هنديًا في دول أجنبية ومن بين هؤلاء، توفي 1892 شخصا في ست دول خليجية هي السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت وبلغت أعلى حصيلة للمتوفين 906 في السعودية، تليها الإمارات بـ375، و 369 شخص في الكويت، و 66 في عمان، و 48 في البحرين، و 34 في قطر. والآن، تقول منظمة الصحة العالمية إن الوفيات الهندية آخذة في الازدياد في المنطقة. ولقد انتقد نشطاء عماليون وحقوقيون نقص الرعاية الصحية للعمال الهنود والتغطية التأمينية لعائلات الضحايا في دول الخليج وقالت الأخت "جوزفين فالارماثي" من حركة العمال الوطنية في "تاميل نادو": "أعرف ما لا يقل عن اثنتي عشرة أسرة في تاميل نادو فقدت أقاربها في دول الخليج الفارسي بسبب الوباء، لكن لا أحد من هذه العائلات أخذ تعويضات وليس لديها أيضا أي تغطية تأمينية".
"ناندانكاري بادما"، 30 عامًا وأم لثلاثة أطفال تعيش في "تيلانجانا"، كان زوجها، "نانداركار بينوشاندر"، يقود سيارته في المملكة العربية السعودية وفي أغسطس 2020، توفي بسبب فيروس "كورونا" في المملكة العربية السعودية ولقد قالت "بادما" لوسائل الإعلام المحلية إنها لم تتلق أي تعويض من الشركة في الخليج الفارسي حيث يعمل زوجها، وأنها لم تعد جثته إلى المنزل بعد وفاته حتى الآن." وتظهر إحصاءات الحكومة الهندية، أن حوالي 90 ألف هندي يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى الأردن ولبنان، منهم حوالي 90٪ من العمال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض. كما أن هؤلاء العمال معرضون دائمًا للخطر بسبب عدم حصولهم على الرعاية الصحية الكافية وغيرها من الحقوق الأساسية.
وعلى سبيل المثال، وفقًا لوزارة الخارجية الهندية، فبين يناير وأكتوبر 2019، تم تسجيل 15501 شكوى في السفارات الهندية في ست دول خليجية حول إساءة أصحاب العمل للعمال وكانت الشكاوى الأكثر شيوعًا هي حول التأخير وعدم دفع الأجور، وحرمان العمال من مزاياهم، وعدم إصدار وتجديد تصاريح الإقامة، ورفض اعطائهم العلاوات الأسبوعية والعمل الإضافي، ورفض اعطائهم الإجازات الأسبوعية، واجبارهم على العمل لساعات طويلة.
ووفقاً للنظام السعودي لتوظيف العمالة الوافدة، المعروف باسم "الكفالة"، فإن ترك مكان العمل دون تصريح يعتبر جريمة تنهي الوضع القانوني للعامل وربما قد تؤدي به إلى السجن أو الترحيل. ولا يمكن للعمال تقديم شكوى بسبب الاستغلال الحاصل في دول الخليج الفارسي، ويعتقد العديد من الخبراء أن نظام العبودية الحديث هذا يؤمن حصانة لصاحب العمل من العقوبة القانونية. إن نظام الكفالة هو إطار قانوني ينظم العلاقات بين العمال الأجانب وأصحاب العمل في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وهو نظام دعم مالي بين صاحب العمل والعامل يمنح صاحب العمل مجموعة واسعة من الامتيازات لانتهاك حقوق العمال الأجانب. ولقد تم تطوير هذا النظام في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما شهد اكتشاف النفط وزيادة الدخل المالي لدول الخليج الفارسي نموًا اقتصاديًا مفاجئًا وشعرت بالحاجة إلى العمالة. وفي السنوات الأخيرة، تعرض هذا النظام لانتقادات بسبب تعرض العمال الأجانب للاستغلال والقمع من قبل أرباب العمل.
ويصادر أرباب العمل بانتظام جوازات سفر العمال الأجانب وتأشيراتهم وهواتفهم، ويقيدون عاملات المنازل في منازلهم. وغالبًا ما يعيش العمال غير المنزليين في مهاجع مزدحمة، والتي أصبحت خطيرة خطيرة وغير آمنة خاصتاً خلال تفشي فيروس كورونا، حيث يتعرض العمال لخطر الإصابة بهذا الفيروس في المهاجع، والعديد منهم لا يحصلون على رعاية صحية كافية. ويتخلف مجلس التعاون عن المناطق الأخرى في التصديق على الاتفاقيات الدولية الداعمة للعمال. فعلى سبيل المثال، لم يوقع أي من هذه الدول على اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالعمال المنزليين، والتي تلزم الدول بتحديد الحد الأدنى للأجور، والقضاء على العمل الجبري، وضمان ظروف عمل مناسبة.
إصلاح نظام الكفالة في السعودية
أعلنت السعودية مؤخرًا عن تغييرات في نظام الكفالة لإنشاء إطار قانوني لموازنة العلاقة بين العمال الأجانب وأرباب العمل. إن التغييرات في نظام الكفالة تحدد في المقام الأول قواعد مغادرة وعودة العمال الأجانب. فعلى سبيل المثال، إذا أراد عامل مغادرة المملكة العربية السعودية بعد انتهاء عقد العمل، فإنه لن يكون بحاجة إلى الحصول على إذن من صاحب العمل. ونظرًا للتغييرات الجديدة، يمكن للعمال الأجانب إنهاء وظيفتهم قبل نهاية العقد في ظل ظروف معينة، وهو ما لم يكن ممكنًا من قبل. ويعتقد الخبراء أن الرياض تسعى إلى مزيد من الشفافية في سوق العمل بما يتماشى مع خطة رؤية 2030 التي تهدف إلى زيادة جاذبية المستثمرين الأجانب.
ومن ناحية أخرى، لم تكن الأزمة الاقتصادية بعد تفشي "كورونا" وهبوط أسعار النفط فاعلة في تبني هذه التغييرات. وخلال خمسين عامًا، زاد عدد سكان منطقة الخليج الفارسي عشرة أضعاف، وأصبح عدد الأجانب الآن أكبر من عدد السكان المحليين. ولقد أدى انخفاض أسعار النفط في عام 2014 وما نتج عنه من تدابير التقشف في دول مجلس التعاون الخليجي إلى قيام الحكومات بإعطاء الأولوية للعمال المحليين للحد من البطالة ورفع الحد الأدنى للأجور ولهذا فقد العديد من العمال الاجانب وظائفهم.