الوقت- بهدف محاولة عرقلة أو إلغاء التحقيق الذي قررت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدوليّة فاتو بنسودا فتحه بخصوص جرائم حرب ارتكبها العدو الغاصب، أعلن الإعلام العبريّ عن مغادرة رئيس الكيان الصهيونيّ، رؤوفين ريفلين، برفقة رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، الثلاثاء المنصرم، في رحلة لعدة دول أوروبيّة، وكشفت صحيفة معاريف العبريّة، أن ريفلين وكوخافي سيتوجهان إلى ألمانيا، والنمسا، وفرنسا، في رحلة تستمر لثلاثة أيام وسيلتقون خلالها برؤساء تلك الدول التي تمتلك عضويّة في المحكمة الجنائية الدوليّة، فيما ستركز النقاشات على الملف النوويّ الإيرانيّ، إلى جانب ما وصفته الصحيفة بـ “التهديد” المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، وكانت فلسطين قدّمت عام 2018، طلب إحالة إلى المحكمة الدولية لملف جرائم صهيونيّة تضمن ثلاث قضايا وهي :الاستيطان، والأسرى، والعدوان على غزة بما فيه انتهاكات مسيرة العودة وكسر الحصار الحدوديّة.
وفي هذا الصدد، ستكون أهم الاجتماعات الثلاثة في العاصمة الفرنسيّة باريس، على عكس ألمانيا التي أعربت بالفعل عن موقفها المعارض لسلطة المحكمة في الاستماع إلى التهم الموجهة للكيان الصهيونيّ بارتكاب جرائم حرب، بينما تلتزم باريس الصمت، وقد نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسيّة المعروفة بموقفها شبه الرسميّ، افتتاحية لاذعة بشكل خاص تطالب بإجراء تحقيق ضروريّ ضد تل أبيب، معتبرة أنّه بمثابة اختبار لموقف الولايات المتحدة والدول الغربيّة الأخرى ومصداقيتها ودعمها لحل الدولتين.
إضافة إلى ذلك، أهابت صحيفة "لوموند" بشجاعة المدعية العامة بنسودا، مشددة على ضرورة أن يثبت خليفتها البريطانيّ، كريم خان، بأنّه لا يخضع للضغوط مثل سلفه، وأن يعمل على مجريات التحقيق، فيما ردت السفارة التابعة للكيان الصهيونيّ في باريس على تلك الافتتاحية ووصفتها بالـ "صادمة".
يشار إلى أنّ قرار محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق رسميّ في جرائم الكيان الصهيونيّ الإرهابيّ لاقى ترحيباً فلسطينياً واسعاً، رغم تصاعد المخاوف من إمكانية ممارسة ضغوط صهيو-أمريكية لمقايضة الفلسطينيين على قرار المحكمة واستنساخ ما حدث عقب صدور تقرير القاضي "ريتشارد غولدستون" حول حرب عام 2008، حيث مورست الضغوط على السلطة الفلسطينيّة برئاسة عباس لعدم ملاحقة تل أبيب عن جرائمها بموجب التقرير الذي أدان حكومة العدو، خصوصاً في ظلّ الترويج لعودة المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الغاصب من قبل إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد جو بايدن.
وبعدما انتظر أبناء فلسطين هذه الخطوة 6 سنوات منذ انتهاء حرب 2014، والتي راح ضحيّتها أكثر من 2000 شهيد فلسطيني، يعقد الفلسطينيون آمالهم على قرار محكمة الجنايات الدولية بملاحقة الكيان المجرم ووضع حد لتماديه بارتكاب الجرائم بحق صاحب الأرض، ويتمنون أخذ العبرة وعدم تكرار سيناريو "تقرير غولدستون" عن حرب عام 2008، حيث أدت الضغوطات آنذاك إلى سحب التقرير من منظمة الأمم المتحدة، حيث تتشابه الضغوط الحالية على الفلسطينيين مع تلك التي مورست عليهم في السابق، إذ بعثت حكومة العدو الغاشم فور صدور قرار المحكمة، رسائل تحذيريّة إلى السلطة الفلسطينية تتضمّن تهديداً صريحاً بأن حكومة الكيان ستواجه صعوبة في دفع العجلة السياسيّة أو إجراءات بناء ثقة على الأرض مع السلطة، في حال قيام الأخيرة بأيّ دور من شأنه أن يساعد في تسريع التحقيقات، وفقاً لما ذكرته قناة « كان» العبريّة.
وعقب أشهر من عودة علاقة السلطة بتل أبيب وتعهد الأخيرة بالالتزام بالاتفاقات الموقعة، وتَسلُّم الحكومة الفلسطينية أموال المقاصة التي أخرجتها من أزمة ماليّة خانقة كانت تمرّ بها، وحديثها عن قرب عودة واشنطن إلى تفعيل ملفّ المفاوضات، تتعزّز الفرضيات التي تُرجّح لضغوط التي ستمارسها الولايات المتحدة وحكومة العدو لتجاوز قرار المحكمة، وتسود مخاوف من المساومة على القرار لدفعهما للعودة إلى المفاوضات، خاصة أن أمريكا كانت اشترطت مسبقاً وقف الدعم الفلسطينيّ لفتح تحقيق ضدّ الكيان، مقابل إعادة فتح مكتب منظّمة التحرير الفلسطينيّة لديها.
وكما تشير الوقائع، فإنّ إدارة بايدن تنتهج السياسة نفسها التي دأبت جميع الإدارات المتعاقبة على اتباعها، حينما يتعلّق الأمر بطفلها المُدلل، ومن هذه النقطة تحديداً، جاءت معارضتها الشديدة لقرار المدّعية العامة للمحكمة الجنائية الدوليّة ، فاتو بنسودا، فتحَ تحقيقاً رسميّاً في جرائم العدو الساديّ في كلٍّ من الضفة الغربيّة وغزّة والقدس الشرقيّة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الناطق باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة، نيد برايس، أوضح أنّ بلاده تعارض بشدّة وتشعر بخيبة أمل إزاء إعلان المدّعية العامّة فتحَ تحقيق في شأن الوضع الفلسطينيّ، مؤكّداً أن واشنطن ستواصل التزامها القوي تجاه الكيان الصهيونيّ وأمنه، بما في ذلك من خلال معارَضة الأعمال التي ترمي إلى استهداف تل أبيب بشكل "غير عادل" بحسب زعمه، متحدثاً أنّ الكيان الباغي الذي زرعته أمريكا والدول الغربيّة في العالم العربيّ للفصل بين مشرقه ومغربه لتنفيذ مصالحهم، لا يقبل اختصاص المحكمة الدوليّة لكونه ليس عضواً فيها.
ورغم أنّ الرئيس الأمريكيّ الجديد، أعلن عن نيّته اتباع سياسة أكثر تعاوناً مع المحكمة الجنائية الدوليّة، إلّا أنه لم يقدِم على رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، على بنسودا، في أعقاب قرارها فتحَ تحقيق في جرائم حرب أارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان، من دون الحصول على موافقة البيت الأبيض، وفي هذا الشأن، ادعى الناطق باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، أنّ واشنطن ملتزمة بتعزيز المساءلة واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة لضحايا الفظائع، زاعماً أنّ بلاده بقدر ما تختلف مع إجراءات المحكمة الجنائيّة الدولية المتعلّقة بالوضع الفلسطينيّ وأفغانستان، فإنها نجري مراجعة دقيقة للعقوبات.
خلاصة القول، في ظل كل هذه التعقيدات والعقبات والضغوط الشديدة، من غير المعلوم ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستقوم بدفع الملفات المتعلقة بالاستيطان الصهيونيّ المستمر والمتصاعد وملف الأسرى وخرق الكيان الصهيونيّ القاتل لقرارات الشرعيّة الدوليّة قدماً، غير آبهة بالضغوطات الكبيرة الممارسة عليها.