الوقت- مع تصاعد المطالبات بالإفراج عنها، لا تزال الكاتبة والناشطة السعوديّة المعروفة، نسيمة السادة، تقبع في زنازين السلطات السعودية المنتشرة في أرجاء البلاد، في انتظار جلسة استماع للاستئناف على حكم السجن الصادر بحقها، حيث حكمت المحكمة الجنائية في الرياض، بتاريخ 25 تشرين الثاني من العام الفائت، على الناشطة المعتقلة تعسفيّاً بالسجن لمدة 5 سنوات مع وقف التنفيذ لآخر عامين، مترافقة مع حظر للسفر خمسة أعوام بعد انتهاء مدة سجنها.
ذريعة لسلب الحقوق
لم يُسمح للكاتبة والناشطة السعوديّة، نسيمة السادة، التي شاركت فيما تسميه سلطات آل سعود "اضطرابات القطيف" عام 2017 شرقيّ المملكة، بتوكيل محام ٍأثناء احتجازها والتحقيق معها، حيث افتقرت محاكمتها إلى الحد الأدنى من المعايير الدوليّة للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونيّة الواجبّة، كما تقول تقارير إعلاميّة، ووفق مركز الخليج لحقوق الإنسان، فإنّ التهم الموجهة إليها ملفقة بشكل واضح من سلطات البلاد، كذريعة لإنهاء أنشطتها الحقوقيّة وانتهاك حقها في حرية الرأي والتعبير.
ومن المعروف أنّ الناشطة السعوديّ قامت بتنظيمِ عددٍ من الحملات داخل البلاد للمطالبة بالحقوق المدنيّة والسياسيّة وحقوق المرأة والأقليات لسنواتٍ عديدة، وفي العام المنصرم، وجّه 7 خبراء من الأمم المتحدة رسالة إلى السعودية عبروا فيها عن قلقهم بشأن هذا الموضوع، وخاصة فيما يتعلق بالمدافعات عن حقوق الإنسان، واللواتي احتُجزن بسبب أنشطتهن في مجال حقوق الإنسان وتعرضوا لمحاكمات جائرة، وأشاروا إلى أنّ نسيمة السادة اتُهمت بموجب المادة (6) ما يُطلق عليه "قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات".
وتتركز التهم الموجهة لنسيمة التي ترشحت للانتخابات البلدية السعودية 2015 وتم استبعادها، على كتاباتها ونشر آرائها ومقالاتها على مُختلف مواقع التواصل الاجتماعيّ، ودفاعها عن حقوق المرأة في السعودية ومشاركتها في حملة حق المرأة في القيادة، وهي كاتبة وعضو مؤسس مشارك لمركز "العدالة لحقوق الإنسان"، الذي حُرم من تصريح العمل في هذا المجال، ولا تزال منذ اعتقالها بتاريخ 30 تموز 2018 تقبع في سجن المباحث العامة في مدينة الدمام التابع لرئاسة أمن الدولة السعوديّ.
يشار إلى أنّ نسيمة السادة، وُضعت في الحبس الانفراديّ بعد اعتقالها لمدة 4 أشهر عام 2018، وفي أوائل شباط عام 2019، أعيدت مرة أخرى إلى الحبس الانفراديّ لما يقارب العام، في واحد من أقبح أساليب التعذيب التي تنتهجها السلطات السعودية لقمع شعبها.
ومن الجدير بالذكر أنّ سلطات آل سعود أفرجت عن مدافعتين عن حقوق الإنسان من سجونها هذا العام، ففي 10 شباط الجاري، أطلقت أجهزة الأمن السعودية سراح الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول بعد 1001 يوم من الاعتقال، ما أثار جدلاً واسعاً وأشعل التعليقات بشأن قرارات الاعتقال والإفراج وتأثير الإدارة الأمريكيّة على هذا الملف، وسارع الكثير من النشطاء العرب إلى المطالبة بإخلاء سبيل باقي المعتقلين في السعودية وإغلاق ملف معتقلي الرأي في بلاد الحرمين الشريفين.
ورحب الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، بإطلاق سراح الهذلول متحدثاً أنّها كانت مدافعاً قويّاً عن حقوق المرأة، معتبراً أنّ قرار إخلاء سبيلها كان إجراء صحيحاً، وتصدرت الهذلول اهتمام النشطاء العرب على شبكات التواصل الاجتماعيّ، حيث تباينت المواقف بين منتقد للقرار العربيّ الراضخ للإدارة الأمريكيّة، وبين مسارع إلى المطالبة بإطلاق باقي المعتقلين في السجون السعودية.
وفي وقت سابق، اعتبر حساب "معتقلي الرأي" الذي يتابع أخبار المعتقلين في السعودية منذ سنوات، أنّ لجين حرة ولكن قيدها الآن هو المنع التعسفيّ من السفر، مطالباً السلطات برفع هذا الحظر والعمل على محاسبة جميع من قام بتعذيبها وبالإشراف عليه، وأضافت الصفحة الحقوقيّة إنّ المدة الطويلة التي قضتها الناشطة السعوديّة في المعتقلات، قد تبدو سهلة بالنسبة للقارئ، لكنها كانت قاسية بشدة على من قضاها خلف القضبان.
وبما أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان يحاول تخفيف الضغوطات على السعودية من جانب أمريكا، لذلك فقد أمر بإصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد إلى البيت الأبيض، والذي تعهّد في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِيها بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.
وبالعودة إلى الناشطة نسيمة السادة، طالب مركز الخليج لحقوق الإنسان، السلطات في السعودية بإلغاء الحكم الصادر بحقها فوراً ودون قيد أو شرط وإسقاط جميع التهم وإطلاق سراحها بسرعة والإفراج الفوريّ وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والكتاب والصحفيين وسجناء الرأي في بلاد الحرمين، الذين كان اعتقالهم نتيجة لعملهم السلميّ والمشروع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة.
إضافة إلى ذلك، يطالب المركز المعنيّ بحقوق الإنسان، السلطات السعودية بالامتناع عن استخدام الحبس الانفراديّ كعقوبة للمدافعات عن حقوق الإنسان، وضمان قدرة المدافعين عن ذلك في البلاد أن يقوموا بأنشطتهم المشروعة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المرأة دون خوف من الانتقام، وفي جميع الظروف.
ممارسات سلميّة
لا يخفى على أحد أنّ السلطات السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، ويُظهر اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية للسعودية بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنيّة بحقوق الإنسان، أكّدت أنّ السعودية حرمت بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، وقد طالبت بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة لهم في السجون، بسبب مخاوف جدية بشأن سلامتهم، وخاصة أنّ الرياض حظرت الزيارات الشخصية للسجناء في جميع أنحاء البلاد، منذ آذار عام 2020، بذريعة الحد من تفشي فيروس كورونا المُستجد، فيما يقول نشطاء سعوديون ومصادر مُطلعة إنّ السلطات السعودية حرمت دون أيّ مبرر عدة معارضين مسجونين من الاتصال المنتظم مع ذويهم.
وكان الشيخ سلمان العودة البالغ (63 عاما)، من بين العشرات الذين اعتُقلتهم قوات الأمن السعوديّ في منتصف أيلول عام 2017، وبالتحديد من قبل جهاز "رئاسة أمن الدولة"، الذي أنشئ قبل أشهر فقط من تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، واحتُجِز العودة في الحبس الانفراديّ، دون القدرة على الاتصال بمحام أو بأفراد الأسرة، إلا بعد مدة طويلة من اعتقاله، وفي أيلول عام 2018، طالبت النيابة العامة لمملكة آل سعود بإنزال عقوبة الإعدام بحقه بناء على مجموعة من الاتهامات الغامضة المتعلقة بتصريحاته السياسيّة وجمعياته ومواقفه.
والمخيف في الأمر، أن يكون مصير المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية كمصير الكاتب والصحفيّ، صالح الشحي، الذي توفيّ في 19 تموز 2020، في المستشفى عقب شهرين من إطلاق سراحه، بسبب مرض لم يُحدَّد رسمياً، لكن بعض وسائل الإعلام المحليّة زعمت حينها، أنّه توفيّ بعد إصابته بفيروس كورونا، وقد أفرجت السلطات السعودية عن الشحي في 19 أيار دون أيّ تفسير، وذلك بعد قضائه نحو عامين ونصف العام من عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير.
قمع شديد
وفق مواقع إخباريّة، فإنّ عمليّة زجّ المعارضين كسجناء سياسيين في السعودية بدأ منذُ التسعينيات وهي مستمرة حتى يومنا هذا، فيما وقعت عدة احتجاجات واعتصامات طالبت بالإفراج عن السجناء السياسيين خلال الاحتجاجات السعودية في بداية ما يسمى "الربيع العربيّ"، في مُختلف أنحاء بلاد الحرمين، لكنّ قوات الأمن السعودية قمعتها بشدة، من خلال استعمال العنف لتفريقها، كما حصلَ في الاحتجاج الذي اندلعَ يوم 19 آب 2012 في سجن الحائر، والذي دفع قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي لإخماده.
ومع غياب أيّ إحصائيّات رسمية حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، تقولُ لجنة "حقوق الإنسان الإسلاميّة" التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون البلاد، وتضيف إنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ "وباء" بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
وقد تفرغ محمد بن سلمان، إلى ناشطي المعارضة بشكل كبير، بعد أن تخلص من أهم منافسيه من خلال حملات الاعتقالات التي شملت أبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطاته حملات الاعتقالات، لتشمل الدعاة والعلماء والسياسيين والتجار، ولم تستثن الأقرباء المنافسين له كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
خسارة كبيرة
أواخر العام الفائت، تلقت مملكة آل سعود صفعة قويّة، بعد سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة التي يرتكبها حكامها بحق شعبهم، حيث خسرت السعودية فرصة هامة للحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بسبب الرفض الدوليّ الذي يستند على السجل الدمويّ للرياض وانتهاكاتها في هذا المجال.
وكشفت نتائج انتخابات مجلس حقوق الإنسان، بعد فرز الأصوات النهائيّة لمقاعد آسيا والمحيط الهادئ، عن فوز باكستان وأزباكستان ونبال والصين، بالمقاعد الأربعة المتنافس عليها في المجلس، فيما خسرت السعوديّة بعد حصولها على المرتبة الأخيرة، وفق مدير الإعلام والمتحدث باسم الجمعية العامة للأمّم المتحدة، برندان فارما، وبشكل مباشر رحبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بتلك النتيجة، معتبرة أنّ مجلس حقوق الإنسان وجّه توبيخاً شديد اللهجة إلى السعودية في ظل قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، الدولة الوحيدة غير المنتخبة، والمنبوذة من قبل أغلبيّة الأمم المتحدة.
وبناء على ذلك، نالت السعودية وفق المنظمة ما تستحقه وإنّ إخفاقها بالفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان، جاء لانتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب في الخارج، وتذكير مُرحب به بالحاجة إلى مزيد من المنافسة في انتخابات الأمم المتحدة، عقب تقارير فضحت محاولات السعوديّة الحكوميّة لاستغلال الفعاليات الدوليّة المهمة لحرف الأنظار عن جرائمهم الوحشيّة والحد من الانتقادات الدوليّة لانتهاكهم الخطيرة، بما فيها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، وتقويض الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين السعوديين عن تلك الجريمة البشعة.