الوقت- بعد تفاقم الخلافات بشكل حاد بين أركان ما تسمى "الهيئة العليا للمفاوضات السورية" التي انبثقت عن مؤتمر الرياض الذي انعقد في العاصمة السعودية في كانون الأول عام 2015، ومهمتها الإشراف المباشر على العملية التفاوضية مع الحكومة السورية ضمن مسارات ترعاها منظمة الأمم المتحدة، علّقت السعودية عمل موظفي الهيئة السورية المعارضة على أراضيها، وذلك قبيل أيام من انعقاد الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستوريّة مع دمشق، علماً أن الهيئة تتخذ من الرياض مقراً لها منذ تأسيسها، ما أثار ضجة واسعة في الأوساط السياسيّة للمعارضة السوريّة، وازدادت احتمالات التصدع في الهيئة التي تعاني منذ يومها الأول من أزمة داخليّة حادة.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة في سوريا، المزمع عقدها منتصف العام الحالي، أعلنت وزارة الخارجيّة السعودية قبل أيام، عزمها تعليق عمل هيئة المفاوضات نهاية الشهر الجاري، وفقاً لمذكرة أرسلتها إلى مقرّ الهيئة السورية المعارضة، تضمنت أنّه على ضوء استمرار تعطيل أعمال ما تسمى "هيئة التفاوض السورية"، فقد تقرر تعليق عمل موظفي الهيئة مع نهاية كانون الثاني 2021، وذلك إلى حين استئناف أعمال الهيئة، تضم أعضاء من الائتلاف الوطنيّ لما تسمي نفسها قوى الثورة والمعارضة السوريّة، وفصائل المعارضة المسلحة، وهيئة التنسيق الوطنيّ، ومنصتي “القاهرة” و”موسكو”، إضافة إلى من تصفهم بالمستقلين.
وجاء القرار السعوديّ بعد تفاقم الخلافات داخل الهيئة السورية المعارضة، وصل صداه إلى الأمم المتحدة، بسبب رفض 3 أجنحة معارضة فيها (هيئة التنسيق الوطنيّة، ومنصة موسكو، وشخصيات من منصة القاهرة) لقرارات صادرة عن اجتماعات وصُفت بأنّها "غير شرعية" وتضمّنت "مخالفات قانونيّة"، وقد ذهبت الأجنحة الثلاثة لأبعد من ذلك، بتأكيدها أن هذه القرارات تهدد وحدة اللجنة الدستورية، وفق ما جاء في مذكرة إلى المبعوث الأمميّ إلى سورية، غير بيدرسن، يوم 13 من هذا الشهر، وطالبت فيها بالتصرف سريعاً، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة المفاوضات، فيما تم إرسال عدة نسخ من المذكرة إلى كل من وزير الخارجية الروسيّ، سيرغي لافروف، ونظيريه المصري سامح شكري، والسعودي فيصل بن فرحان.
يشار إلى أنّ الخلافات قد بدأت بعد اعتماد ما تسمى "هيئة التفاوض السورية"، الجناح الذي يقوده عضو هيئة التفاوض السورية، فراس الخالدي ممثلاً عن منصة القاهرة، فوافقت على طلب استبدال عضو هيئة المفاوضات وعضو اللجنة الدستورية، قاسم الخطيب، ليحلّ مكانه نضال محمود الحسن عضواً في الهيئة، وتليد صائب عضواً في اللجنة الدستورية، وهو ما استدعى اعتذاراً من ممثل منصة القاهرة في الهيئة جمال سليمان، عن حضور الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستوريّة، المقررة الإثنين القادم، كما اعترضت منصة موسكو على استبعاد ممثلها مهند دليقان عن اللجنة، وهو ما يفتح الباب أمام اعتذار هذه المنصة عن الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة الدستوريّة، في ظل الصراع الدائر بين أطراف المعارضة السورية التي لم تمثل في يوم من الأيام طموحات السوريين وتطلعاتهم، بل عكست بوضوح تام مواقف الدول التي تدعمها، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا أسوأ وضع اقتصاديّ.
ووفق ما ذكرته مواقع إخباريّة فإنّ "هيئة التنسيق الوطنيّة"، التي تتألف من عدّة أحزاب سياسيّة صغيرة وشخصيّات معارضة مستقلّة من داخل سورية وخارجها، والتي يُنظر إليها باعتبارها ممثلة للمعارضة الداخليّة، اصطفت إلى جانب منصتي موسكو والقاهرة في الخلاف الذي سيلقي بظلاله على المرحلة المقبلة من مسيرة المعارضة السورية الحافلة بالخلافات والتدخلات، بعد 10 سنوات من بدء الأزمة في البلاد واندلاع الحرب على السوريين.
وفي هذا الشأن، تظهر المذكرة السعودية التي وزعتها هيئة المفاوضات الأربعاء المنصرم، أنّ مملكة آل سعود اختارت الوقوف مع المنصات السياسيّة المعارضة لما يسمى "الائتلاف الوطني السوريّ"، الذي تشكل في الدوحة عام 2012، حيث زعم عضو الهيئة السياسيّة في الائتلاف، عبد المجيد بركات، أنّ القرار السعودي يتعلق بوضع الموظفين في مقر الهيئة ويعكس رغبة حكام المملكة بتفعيل عمل الهيئة بشكل حقيقيّ، في ظل فترة الخلافات الحادة التي تعيشها الهيئة.
ومع اقتراب الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستوريّة، أكّد بركات أنّ هذا القرار يضعف ثقة اللجنة بوفد المعارضة السورية المنبثق من هيئة التفاوض، مدعيّاً أن "الائتلاف الوطني يحاول تحييد اللجنة الدستوريّة عن المناكفات السياسيّة، في ظل ما قال إنّه رغبة من بعض مكونات هيئة المفاوضات بتعطيل عمل هذه الهيئة، فاتحاً النار على منصتي القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق، معتبراً أنّهم يحاولون الضغط على باقي المكونات، وخصوصاً الائتلاف، لتمرير مسألة تمثيل المستقلين في الهيئة، إذ رفض الائتلاف قبول أسماء مستقلة عقب اجتماع جرى أواخر العام 2019 في الرياض.
يشار إلى أنّ "مملكة" آل سعود الوهابيّة التي قطعت الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، إرباً بسبب معارضته للنظام الحاكم، كانت فاعلاً أساسيّا في الحرب على سوريا ومارست دورها الشيطانيّ لتدمير البلاد وجعلها مستنقعاً للتنظيمات الإرهابيّة التي دعمتها مع النظام الإخوانيّ في قطر باعتراف مسؤولي البلدين، وتملك الرياض "عاصمة الخيانة والنفط" تأثيراً قوياً على المعارضة السورية التي زودتها بالمال والسلاح لمحاولة إسقاط دمشق، قلب العروبة النابض، واتجهت نحو بناء علاقات مع العدو الصهيونيّ الإرهابيّ وشجعت انجرار بعض العواصم الخليجيّة والعربيّة نحو هاوية التطبيع، في الوقت الذي كانت فيه عاملاً رئيساً في إزهاق آلاف الأرواح من السوريين وتهجير الملايين، دون أن تفتح بابها العاجيّ لاستقبال نازح سوريّ واحد.
ومن الضروري الحديث عن أنّ التنافس الإقليميّ في الملف السوريّ، والذي انعكس بشدة على المعارضة السورية الخارجية، التي كانت ومازالت كما تقول الوقائع، أسيرة الأجندات الأجنبيّة التي تخص الدول الفاعلة في القضية السورية، إذ يتماهى "الائتلاف الوطنيّ" مع السياسة الإخوانيّة للنظامين التركيّ والقطريّ، فيما تُعتبر هيئة التنسيق ومنصتا القاهرة وموسكو قريبة من الرؤية الروسية حول الحل.
ومن الجدير بالذكر، أنّ المبعوث الدوليّ إلى سوريا، غير بيدرسن، أبدى تشاؤمه من مآلات العملية السياسية في سورية، وأوضح في إحاطته، الأربعاء المنصرم، أمام مجلس الأمن الدوليّ في اجتماعه الشهري حول سورية، أنّه لا توجد محادثات سياسيّة بين السوريين إلا على المسار الدستوريّ، والانتخابات الحرة والنزيهة التي ستجرى بموجب دستور جديد للبلاد، تحت إشراف الأمم المتحدة، على النحو الذي ينص عليه قرار مجلس الأمن 2254، وأشار بيدرسن إلى أنّ الصراع في سوريا دوليّ للغاية، إذ تنشط 5 جيوش أجنبيّة في البلاد، قائلاً: "لا يمكننا التظاهر بأن الحلول في أيدي السوريين فقط، أو أن الأمم المتحدة يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها".
وفي الوقت الذي عقدت فيه 4 جولات من اجتماعات اللجنة الدستوريّة ولم تثمر عن شيء، لم تناقش الوفود المشاركة حتى الآن "المبادئ الدستوريّة" حتى، وهو ما يخفض حجم الآمال بتحقيق تقدم في الجولة المقبلة، في ظل الخلافات الدائمة والمتزايدة بين أطياف المعارضة السورية ومجموعاتها، التي تؤثر في عملها ودورها لتحقيق مآرب الدول التي تدعم تكتلاتها، على حساب السبب الذي قامت لأجله، في إطار المساعي السعودية لإدخال تغييرات على تركيبة الهيئة العليا للمفاوضات السورية التي تستضيفها، من بوابة الأعضاء المستقلين، لتقليص نفوذ تركيا داخل الهيئة، وفتح المجال لضمّ شخصيات جديدة من "قوات سورية الديمقراطيّة" الانفصاليّة، المدعومة أمريكيّاً.