الوقت- بعد ثلاث سنوات من أزمة مجلس التعاون الخليجي، بدأت مؤخراً تحركات الدول العربية بقيادة السعودية والإمارات لتهدئة التوتر مع قطر، عرفت بعملية "المصالحة العربية".
وقد تجلت هذه العملية بشكل ملموس في الدورة الحادية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي التي استضافتها السعودية، حيث كان الحدث الأهم فيها استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحار لأمير قطر تميم بن حمد ال ثاني في السعودية. كما وقعت خلال القمة اتفاقية "التضامن والاستقرار" المعروفة باسم "العلا" من قبل جميع الدول الأعضاء لإنهاء أزمة قطر المستمرة منذ ثلاث سنوات.
وفي ذات الوقت، إن إحدى النقاط التي لم يتم التطرق إليها كثيرا والمتعلقة بأسباب توجه السعودية والإمارات لإنهاء حصار قطر هي قضية الدوافع الاقتصادية. ففي الحقيقة، يمكن هنا طرح السؤال التالي، "إلى أي مدى لعبت الأزمة والمشاكل الاقتصادية والمالية للسعودية والإمارات دورا في توجه هذين البلدين إلى المصالحة وتهدئة التوتر مع قطر؟".
أخطبوط كورونا يستولي على اقتصاد الدول العربية
كان عام 2020 من أسوأ ذكريات قادة دول مجلس التعاون في مجال الإدارة الاقتصادية. حيث شهدت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات صادرات الطاقة، خلال العام الماضي انخفاضات كبيرة وغير مسبوقة ستستمر تبعاتها طوال السنوات القليلة المقبلة على الأقل. وفي هذا الصدد، ووفق إحصائيات نشرتها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، لقد تسبب تفشي كورونا في خسارة الاقتصادات العربية بنحو 140 مليار دولار. ففي عام 2020 كان متوسط النمو الاقتصادي للدول العربية سالبا 3٪، ومن المتوقع أن يصل متوسط معدل البطالة في العالم العربي إلى 12.5٪ هذا العام.
السعودية التي كانت تواجه تحديات اقتصادية كبيرة قبيل تفشي كورونا بسبب حرب النفط مع روسيا وجهود تغطية التكاليف الباهظة لرؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان 2030، إلى جانب الفشل في بيع أسهم أرامكو، تعرضت في العام الماضي لموجة ضخمة من التضخم وعجز الميزانية، كما شهدت السعودية طوال العام الماضي انكماشا في اقتصادها وتقلص ناتجها المحلي الإجمالي. بحيث يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الاقتصاد السعودي بنحو 6 في المئة هذا العام. حتى إن وزارة المالية السعودية قالت "نتوقع أن تواجه الموازنة السعودية عجزا يزيد على 10 بالمئة".
على صعيد آخر أجبرت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي كورونا واستمرار انخفاض أسعار النفط العالمية، المسؤولين السعوديين على اللجوء إلى الإيرادات غير النفطية لتعويض عجز الموازنة، لا سيما رفع الضرائب وخفض الإنفاق العام. كما ضاعفت الرياض ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات من 5 في المئة إلى 15 في المئة منذ بداية يوليو 2020. ووفق مجلة الإيكونوميست، أنه عقب تفشي كورونا والضغط الشديد على قطاع النفط والطاقة، تضرر اقتصاد هذه الدولة العربية بشدة وأوقفت الحكومة السعودية وحذفت دفع بدلات المعيشة لموظفيها منذ بداية يونيو.
لا شك أن مدينة دبي الشريان الاقتصادي لدولة الإمارات، تلقت العام الماضي اكبر خسارة وواجهت عجزا كبيرا في الميزانية بسبب تفشي فيروس كورونا واعتمادها المفرط على عائدات السياحة والخدمات. وفي هذا الصدد، قالت حكومة دبي في بيان لها، إن ميزانية العام المقبل 57.1 مليار درهم، أي نحو 15.5 مليار دولار، فيما بلغت موازنة العام الحالي 18.1 مليار دولار. حيث ان دبي توقعت عجزا في الميزانية بنحو 1.3 مليار دولار منذ هبوط أسعار النفط للعام الخامس على التوالي. في وقت كانت إمارة دبي قد قدرت العام الماضي عجز الموازنة لعام 2020 بنحو 700 مليون دولار.
كما أن الوضع الاقتصادي الصعب لإمارة دبي كان بشكل عرض فيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي في بداية عام (2021)، حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 7.1 مليارات درهم. بعد ان عرض وبالتعاون مع أبو ظبي، خلال الأشهر الأخيرة عدة حزم من التحفيز الاقتصادي لإخراج دبي من الإفلاس. والغرض الأساسي من حزم التحفيز الاقتصادية هذه هو الاستمرار في دعم جميع القطاعات الاقتصادية والتجارية في دبي، والتي تعرضت لأضرار جسيمة من جراء وباء كورونا.
كذلك ووفق تقرير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، فقد ارتفع متوسط معدل البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية والإمارات، وبلغ 5.8 في المئة. وفي ظل هذه الظروف، لم تتمكن السياسات الاقتصادية لقادة الإمارات والسعودية من معالجة الأزمة الاقتصادية الشاملة.
هل سيؤدي خفض التصعيد والمصالحة مع قطر إلى اجتياز الأزمة؟
يدرك قادة السعودية والإمارات جيدا أنه إذا استمر الوضع الاقتصادي المزري، والذي أثر بشدة على الشركات الصغيرة والطبقات الدنيا من المجتمع، قد يؤدي إلى انقسامات واحتجاجات اجتماعية في المستقبل. حقيقة الأمر أن نمط حياة مواطني هذين البلدين كانت طوال السنوات الماضية بشكل تعرضوا فيه لأقل ضغط اقتصادي من ركود السوق وبالتالي إن عتبة تحملهم لمواجهة كورونا هي أقل بكثير من المعيار العالمي.
كما يدرك محمد بن سلمان ومحمد بن زايد جيدا أنه إذا عادت حكومة بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفعت العقوبات، فإن دخول النفط الخام الإيراني إلى السوق العالمية سيضع ضغوطا متزايدة على سوق الطاقة مما ستتكثف الضغوط الاقتصادية عليهم.
لذلك وتماشيا مع الرؤية الاقتصادي للتوجه إلى المصالحة مع قطر، يعتقد عبد الرحمن العطيشان الرئيس الحالي لمجلس التجارة السعودي البحريني والرئيس السابق لمجلس التجارة السعودي القطري أن "التنقل السهل لمواطني الخليج الفارسي من دولة إلى أخرى وتسهيل حركة الاستثمار سوف يجلب الكثير من المصالح لجميع الحكومات". ومن ناحية أخرى، من المرجح أن يستفيد بعض أهم المنتجين السعوديين مثل الشركة السعودية لمنتجات الألبان والأغذية (سدافكو) ، وشركة الصمعاني للصناعات المعدنية، وشركات البتروكيماويات، من إعادة فتح الحدود مع قطر.
وكان جني الأموال من النقل الجوي الدولي من التبعات الاقتصادية الأخرى على السعودية والإمارات التي دفعتها الى إعادة فتح حدودهما أمام قطر. وهذا الموضوع مهم وخاصة في سياق استعداد قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم العام المقبل، الأمر الذي دفع باقي الدول الأخرى في المنطقة إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية لهذا الحدث المهم.
وقال صالح السلطان كبير اقتصاديين وعضو فريق العمل لتطوير النظام المالي الحكومي في وزارة المالية السعودية، لعرب نيوز: نأمل أن تعود العلاقات إلى طبيعتها وأن تصبح العلاقات أعمق وأقوى، إضافة إلى ذلك، سيكون للزيادة في حجم التبادلات الاقتصادية والمعاملات نتائج إيجابية للبلدان المطلة على الخليج الفارسي. وكانت صادرات السعودية إلى قطر قد وصلت إلى أعلى مستوى بأكثر من 3 مليارات دولار في عام 2012، حيث انخفض هذا الرقم الى 728 مليون دولار في عام 2017.
إن أحد الاهتمامات الرئيسية للسعودية والإمارات هو الاستحواذ على استثمارات قطرية أو إمكانية الحصول على قروض من البنوك القطرية. لأن بنك قطر الوطني وهو أكبر بنك في دول مجلس التعاون الخليجي، كان قد افتتح في مايو عام 2017، فرعاً له قبل شهر واحد فقط من قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
لكن على الرغم من آمال قادة الإمارات والسعودية بتحسين الوضع الاقتصادي بعد حل الأزمة السياسية مع قطر، فإن الاقتصاديين ليس لديهم نظر إيجابية حول آثار هذه المصالحة المحتملة على تحسين الوضع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. ففي الحقيقة، إن مستوى الأزمة الاقتصادية التي سببتها المنافسة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الثلاث الماضية وتأثيرات تفشي كورونا كبيرة لدرجة أن المصالحة السياسية لن يكون لها تأثير كبير على تحسين الوضع وحل القضايا القائمة.
في الحقيقة ان مستوى العلاقات بين الدول العربية في المرحلة الراهنة لم يعد كما كان قبل حصار قطر. لأن هناك مستوى واسعاً من المنافسة في العلاقة بين الطرفين. وفيما يتعلق بقطر، دفعت أزمة الخليج الفارسي الدوحة إلى إنشاء 47000 شركة منذ عام 2017 بعد حصار هذا البلد من قبل الدول العربية الأربع، في محاولة لتعزيز الصناعة الوطنية وفتح خطوط تجارية جديدة مع دول مثل تركيا وإيران. لذلك، يمكن التأكيد صراحة أن قطر الحالية لم ولن تكون قابلة للمقارنة مع وضعها خلال السنوات التي سبقت عام 2017.