الوقت- تمارس اسرائيل بدعم أمريكي أكبر ضغط ممكن على السلطة الفلسطينية وحماس من خلال دفع الرئيس الأمريكي لاقناع العرب ليس فقط بالتطبيع مع اسرائيل وربما اجبارهم على ذلك للحفاظ على عروشهم، بل أيضاً من خلال إيقاف الدعم المالي للفلسطينيين للرضوخ للشروط الأمريكية_الاسرائيلية، وربما أخطأ الفلسطينيون بأنهم أبدوا ثقتهم بالدول التي تقدم لهم الدعم المالي، وكانوا يعتقدون أنها لن تتوقف عن دعمهم طالما أن زعماءها يقولون عبر المنابر بأنهم لن يتخلوا عن القضية الفلسطينية، ولكن ماذا كانت النتيجة؟.
حصل أسوأ مما كان يتوقعه الفلسطينيون، فلم تتراجع نسبة المساعدات المالية وحسب، بل اتجهت الدول الداعمة نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي، وكيل الاتهامات للفلسطينيين بأنهم هم المقصرون وعليهم استغلال الفرصة لتوقيع اتفاقية سلام جديدة مع الاسرائيليين قبل فوات الأوان، والتي ستكون بمثابة توقيع على نهاية "القضية الفلسطينية"، السلطة الفلسطينية لا تزال حتى اللحظة تقاوم بالرغم من كل الضغوط التي تمارسها واشنطن وتل ابيب عليها، ومع ذلك لا تزال السلطة ترجّح الحل السلمي، وحتى اللحظة لم تتمكن من بناء تحالف جديد مع حماس أو انهاء الخلاف بشكل مطلق، وانما لا تزال الأمور تاتي في اطار السعي لانهاء الخلاف وهي محاولات ايجابية حتى اللحظة، لكن نتائجها على الأرض لم تظهر حتى الأن، بينما حصار غزة والسلطة لا يزال قائما ويشتد يوما بعد يوم.
بعد التطبيع الاماراتي والبحريني مع اسرائيل ومباركة السعودية لهذا التطبيع، تراجعت آمال الفلسطينيين باستعادة دعم هذه الدول لها، ويبدو أن هذه الدول رضخت لمطالبات ترامب لها بإيقاف الدعم للفلسطينيين، حيث قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي على هامش حضوره حفل توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بين الكيان الاسرائيلي والإمارات في البيت الأبيض، إنه طلب "من الدول الثرية أن لا يدفعوا للفلسطينيين".
هذا حصل بالفعل، حيث تراجعت المنح والمساعدات المالية للميزانية الفلسطينية بنسبة 81.6 بالمئة على أساس سنوي، خلال أول ثمانية شهور من العام الجاري، مؤكدة تصريحات أمريكية بشأن وقف الدعم الموجه للمالية العامة الفلسطينية.
الواضح أن الدول المطبعة مع اسرائيل اتفقت على خنق حماس في غزة لاستعادة السلطة الفلسطينية القطاع بقيادة فتح، ومن جهة أخرى الضغط على السلطة لقبول نوع السلام المذل الذي عرضته إسرائيل مرارا وتكرارا ورفضه ياسر عرفات وخليفته حتى الآن.
ستكون السلطة الفلسطينية سعيدة باستعادة السيطرة على غزة ولكن هذا الأمر لن يحصل نظرا لانعدام شعبيتها هناك، والامر الثاني حتى لو حصل ذلك ماذا تتوقع السلطة الفلسطينية أن يكون مستقبلها ومستقبل الفلسطينيين، وخاصة أن الاسرائيليين انقلبوا على جميع الاتفاقيات، ومنذ اتفاقية السلام مع الامارات والتي قالوا إنها أوقفت عمليات الضم وعمليات الضم لا تزال مستمرة، وفوق هذا انخفض التمويل بنسبة 82%، الأمر الذي أدى إلى فجوة تمويلية بين الإيرادات والنفقات تصل إلى ٥ مليارات شيكل.
وأظهرت بيانات الميزانية صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية، أن 132.3 مليون شيكل (38.1 مليون دولار)، يمثل إجمالي الدعم العربي للموازنة منذ مطلع 2020 حتى آب الماضي.
كان إجمالي المنح والمساعدات المالية العربية الموجهة لدعم الميزانية الفلسطينية، بلغ 716 مليون شيكل (198.33 مليون دولار) الفترة المقابلة من 2019.
بينما في تموز الماضي، أكد وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة خلال مؤتمر صحفي، أن "دولا شقيقة علقت المنح والمساعدات الموجهة لدعم الموازنة" دون تقديم مبررات لذلك.
وتراجع الدعم السعودي الموجه للميزانية الفلسطينية بنسبة 77.2 بالمئة على أساس سنوي، خلال أول ثمانية شهور من 2020، إلى 30.8 مليون دولار، نزولاً من 130 مليون دولار في الفترة المناظرة من 2019.
يترافق تراجع الدعم العربي، مع ضغوطات مالية تواجه حكومة محمد اشتية، بفعل تراجع الإيرادات المالية نتيجة تفشي فيروس كورونا، وأزمة أموال الضرائب (مقاصة) مع إسرائيل، أفقدت الحكومة ثلثي مداخيلها منذ أيار الفائت.
تقول الحكومة الفلسطينية، إن المنح المالية (العربية والدولية) الموجهة لدعم الميزانية، تراجعت بأكثر من 55 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية، من متوسط سنوي 1.1 مليار دولار، إلى 500 مليون حاليا.
ووفق ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست"عن بيانات من وزارة المالية الفلسطينية، فإن رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، لم تتلق مساعدات من الدول العربية منذ شهر مارس الماضي.
وأضافت إن "حماس الآن في محنة أكثر يأسا من قبل، الحصار العربي وإضراب المتبرعين يعطل غزة بشكل لا يستطيع الإسرائيليون القيام به أبدا، فالأغذية في شح متزايد، والكهرباء غير منتظمة، والبطالة تتجاوز الـ 40%، ومياه الصرف الصحي غير المكررة في البحر".
هنا نصل لنتيجتين، أن على الفلسطينيين ايجاد طرق جديدة للحصول على التمويل، ويجب عليهم استعادة الارض لكي يتمكنوا من المفاوضات ويكونوا أكثر قوة في المؤتمرات، وإلا لن يقدم لهم أحد المساعدات، ويجب أن ينهوا الخلاف بأسرع وقت ممكن، لان الانقسام هو أكبر حجة لدى هذه الدول لمنع تقديمه.
أما الخيار الأفضل والذي أثبت نتيجته في جميع دول العالم، هو اتباع خط المقاومة، بهذه الإرادة وحدها، يمكن الرد على كل المخططات المشبوهة وإحباطها، وبها يمكن أن تظل القضية الفلسطينية في سدَة الأولويات والاهتمامات، ومن خلالها يمكن أن نحاصر العدو ونفرض عليه لغة مختلفة، ونقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين.
النتيجة الثانية على الدول العربية أن تفهم أن الحماية الأمريكية لا يمكن التعويل عليها، باي شكل، وتجربة صدام حسين ليست بالبعيدة كذلك القذافي وحسني مبارك، فالأمريكيون يتعاطون معهم على أنهم أدوات لتحقيق مصالحهم فقط، وبعد أن تصل اسرائيل للتطبيع مع الجميع عليهم تحمل النتائج التي ستتمخض عن هذه الاتفاقيات.