الوقت- يبدو أن المسؤولين الاسرائيليين المتطرفين بدؤوا يقلقون من عدم تطرق أمريكا لبنود "صفقة القرن" وحتى داخل اسرائيل لم يعد احد يتحدث عنها، وقد أعلن وزير خارجية إسرائيل غابي أشكنازي غضبه صراحة من هذا الأمر وأكد بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن الخطط الخاصة بضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة لم تعد مطروحة للنقاش لدى المسؤولين الكبار، "لا في إسرائيل ولا في أمريكا".
هناك أسباب كثيرة تمنع الأوساط السياسية في الكيان الاسرائيلي وأمريكا من اتخاذ خطوات جدية في الوقت الحالي لتنفيذ بنود صفقة القرن، لكن الادارة الامريكية ولكي تُشعر القيادة الاسرائيلية بأنها لا تزال تعمل على هذا المشروع، وذلك خدمة لمصالحها ومصالح نتنياهو في الانتخابات المقبلة، لهذا السبب خرج علينا وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو ليستشهد بإنجازات إدارة ترامب في تحسين العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، ويقول:"نحن ندعم رؤية الرئيس للسلام في المنطقة". صفقة القرن هي الطريقة الأفضل والأكثر واقعية لإنهاء إراقة الدماء بين فلسطين وإسرائيل، وكذلك لتحقيق الأمن والحرية والازدهار لكلا الجانبين.
ومضى وزير الخارجية الأمريكي إلى ذكر الخدمة الجيدة التي قدمها رؤساؤه للصهاينة، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بسيادة تل أبيب غير القانونية على مرتفعات الجولان المحتلة ، وادعى بومبيو : " أن بناء المستوطنات المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية وحده لا ينتهك القانون الدولي".
كلام بومبيو لا يمكن اخذه على محمل الجدية، لأن جميع الظروف في الوقت الراهن تخالف تنفيذ اي بند من بنود "صفقة القرن"، ناهيك عن القلق من حصول انتفاضة ثالثة في ظل تدهور الوضع الداخلي في اسرائيل وأمريكا وشرط الادارة الامريكية الحالي للبدء بمشروع "الضم" هو حصول استقرار على الصعيد السياسي الاسرائيلي، ولكن لن يحصل هذا الامر في ظل ورطة نتنياهو في ملفات فساد وانعدام الثقة به واصراره على البقاء في السلطة، يضاف الى هذا تقارب فتح وحماس والقلق الاسرائيلي من التوتر الحاصل على الجبهة الشمالية مع لبنان.
كان من المقرر أن تبدأ اجراءات ضم أجزاء من الضفة الغربية في 1 تموز 2020. لكن، لا يوجد في الأفق ما يوحي بتوقيت بدء تنفيذ تلك الخطوة حتى الآن، وكان حزبا الليكود، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، و"أزرق أبيض"، برئاسة وزير الدفاع الحالي بيني غانتس، قد اتفقا على تشكيل "حكومة وحدة ائتلافية طارئة" تناوبية، في نيسان 2020، وذلك بعد ثلاثة انتخابات تشريعية في أقل من عام لم يتمكن فيها أي منهما من تحقيق أغلبية حاسمة.
وبحسب البندين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين في اتفاق الائتلاف، فإن الحكومة ستعمل بتوافق تام مع أمريكا للبتّ في مسألة الخرائط المرتبطة بـ "خطة السلام" التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 28 كانون الثاني 2020، والتي ستمكّن إسرائيل من "فرض السيادة" على أراضٍ في الضفة الغربية، تصل نسبتها إلى 30 في المئة من مساحتها الكلية، وتشمل غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية، في المناطق المصنفة (ج) في اتفاق أوسلو لعام 1993، التي تمثّل أكثر من 60 في المئة من مساحة الضفة، وبعد نيل الموافقة الأمريكية سيكون في مقدور رئيس الحكومة أن يعرض الاتفاق بدءاً من 1 تموز 2020، لبحثه أمام الحكومة، وتصديقه في الحكومة أو في الكنيست، من دون أن يكون في إمكان حزب "أزرق أبيض" الاعتراض.
لكن الخلافات الإسرائيلية - الإسرائيلية حول كيفية المضي قدمًا في تنفيذ هذه الخطة، وانتقال هذه الخلافات إلى الإدارة الأمريكية بواشنطن، مضافًا إليها التحديات الداخلية التي يواجهها ترامب ونتنياهو، والرفض الفلسطيني والعربي والدولي الواسع للخطة، دفع ذلك إلى تأجيل القرار في ظل غموضٍ يكتنف إمكانية حدوثه أصلًا، وخصوصًا أن الانتخابات الأمريكية قريبة. ولا يُخفي المرشح الديمقراطي، جو بايدن، معارضته لقرار الضم المزمع. وفي هذا السياق، فإن آخر اجتماع عقده مسؤولو الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية لمناقشة هذا الموضوع، كان أواخر حزيران 2020.
ورغم تردد إدارة ترامب الواضح الآن في إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لبدء إجراءات الضم، أو "فرض السيادة الإسرائيلية" كما يسميها الاتفاق الحكومي الإسرائيلي، فإن من الضروري التنبيه هنا أنّ هذا لا يعني أن الظروف والمعطيات قد لا تتغيّر على الأرض لمصلحة صيغة أو أخرى في دفع مشروع الضم.
الأسباب التي تمنع تنفيذ مشروع الضم
أولاً: يريد نتنياهو أن يبدأ مباشرة في إجراءات ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، بحيث تشمل المستوطنات ومنطقة غور الأردن، وفي المقابل يدعو غانتس وأشكنازي ومسؤولون أمنيون إلى ضم تدريجي، وضمن ترتيبات محلية وإقليمية في محاولة لتجنب تفجر الأوضاع فلسطينياً، وتداعيات ذلك المحتملة على العلاقات ببعض الدول العربية، وتحديداً الأردن، والتقارب مع بعضها الآخر استناداً إلى العداء لإيران، كما أن ثمَّة خشية من توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن رسميًا معارضته أي محاولة لضم أجزاء من الضفة الغربية من دون توافق مع الفلسطينيين. أما زعماء المستوطنين، فإنهم يرفضون ضمًّا قد يقود يومًا إلى اعتراف بكيانية فلسطينية، مع أنه لن يكون لها من شروط الدولة إلا الاسم.
ثانياً: تردد ترامب في إعطاء ضوء أخضر لقرار الضم من دون وجود توافق داخل الحكومة الإسرائيلية. ورغم أن اتفاق الائتلاف الحكومي يتيح لنتنياهو الشروع في إجراءات القرار من دون أن يتمكّن حزب "أزرق أبيض" من منع ذلك، فإن ثمَّة اتفاقاً آخر مع إدارة ترامب على عدم الشروع في تنفيذ الضم من دون موافقة البيت الأبيض.
ثالثاً: لا تمثّل مسألة الضم أولوية كبرى لدى أغلب الرأي العام الإسرائيلي؛ ذلك أن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في إسرائيل، على خلفية الموجة الثانية من فيروس كورونا، دفعت نحو ركود اقتصادي غير مسبوق، وتشير المعطيات إلى ارتفاع معدل البطالة في إسرائيل إلى 20 في المئة، وتشمل قرابة مليون شخص. ويحمّل أغلب الإسرائيليين نتنياهو المسؤولية، إذ يتهمون حكومته بأنها سمحت بانتشار العدوى من خلال فتحها المدارس بسرعة، وفشلها في فرض ارتداء الكمامات الطبية. وبناء على ذلك، فإن حزب "أزرق أبيض" يصرّ على أن الأولوية الآن هي التصدي للجائحة.
رابعاً: بسبب الأزمة الاقتصادية وتزايد عجز الميزانية الإسرائيلية، يحذّر مسؤولو المؤسستين العسكرية والأمنية من أن قرار الضم قد يترتب عليه انفجار للعنف في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما قد يؤدّي إلى إفلات زمام الأمور من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما تفجّر انتفاضة ثالثة في الضفة، وحدوث مواجهة عسكرية مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ويخشى نتنياهو من أن جولة جديدة من المواجهات ستضاعف من أزمة إسرائيل الاقتصادية.
خامساً: القلق من الانقسام السياسي الأمريكي الداخلي حول المسألة، والأضرار التي قد تترتب على هيكل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وبنيتها مستقبلًا؛ إذ إنّ بايدن لا يُخفي معارضته هذه الخطوة، وكذلك الحزب الديمقراطي، فضلًا عن أن ثمّة انقساماً بين المنظمات اليهودية الأمريكية حول الأمر.