الوقت-على مدى الأشهر القليلة الماضية، بدأت تركيا، بمشاركتها الواسعة في الأزمة الليبية، بمجموعة واسعة من التحركات في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، وهو أمر غير مسبوق من نوعه، وفي الواقع، بدأت أنقرة عمليات واسعة النطاق لاستكشاف واستخراج النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط بتوقيع اتفاق من قبل رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج، لكن من الجدير بالذكر، أنّ اليونان احتجت بقوّة ضدّ الإجراءات الجديدة لأنقرة في أجزاء مختلفة من البحر الأبيض المتوسط، وخاصة بالقرب من الجزر اليونانية.
وفي ضوء الظروف الحالية، تطوّر الموقف إلى درجةٍ تصاعدت فيها التوترات بين أثينا وأنقرة إلى أشدّها، حيث حذّر رئيس الوزراء اليوناني كراس جوس ميتسوتاكيس، الاتحاد الأوروبي من حدوث صراع محتمل مع تركيا. وفي خضمّ هذا الوضع، ما هو جدير بالذكر، هو دخول أمريكا على خط الصراع، حيث يبدو أنها تسعى لتحقيق أهداف مهمّة من خلال خطواتها الجديدة. وفي الواقع، بعد تصاعد الأزمة بين العضوين في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أي اليونان وتركيا، أرسلت أمريكا حاملة طائرات، في إشارة عن وجود نيّة لإقامة مناورات عسكرية مع اليونان.
على صعيد آخر، نرى أن أمريكا أجرت مناورة مشتركة في 25 يوليو 2020 ، مع قوات مكافحة الإرهاب التابعة للجناح العسكري الكردي السوري، أي وحدات الدفاع الشعبي. الإجراءات التي ستحتوي حتماً على رسائل لأنقرة وأوروبا.
جهود أمريكا لتوسيع المحور المناهض للصين
في خطوة جديدة، بعد تصاعد التوتر بين اليونان وتركيا، أرسلت واشنطن حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت أيزنهاور" إلى البحر الأبيض المتوسط مع 12 سفينة حربية. ووفقاً لتقارير إعلامية، شاركت القوات الأمريكية في جزيرة كريت بمناورات مع القوات الجوية اليونانية، ولكن السؤال الآن هو ما إذا كانت المناورات تهدف فقط إلى مواجهة تركيا أو دعم أثينا، أم إنّها تسعى إلى أهداف أكبر.
احتجت الدول الأوروبية مراراً وتكراراً على سياسات أردوغان التوسعية على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة في سياق الأزمة الليبية، وتطوّرت الأوضاع الراهنة لدرجة أنّه يمكن التكهن عن مواجهة محتملة خطيرة للأوروبيين مع أردوغان، وفي الوقت الحالي، تعتزم أمريكا إرسال إشارة إلى الأوروبيين بأنّها تدعم الأوروبيين ضد سياسات تركيا، أو بعبارة أخرى، أنها تتبع استراتيجية تفضيل التحالف مع أوروبا على التحالف مع أنقرة، وذلك عن طريق إرسال حاملة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية USS Dwight D. Eisenhower.
وتأتي خطوة الأمريكيين هذه في ظلّ الظروف التي تشهد تصاعد التوترات بين أمريكا والصين بعد تفشي وباء كورونا المستجد، وتسعى واشنطن لإنشاء تحالف كبير أو جبهة من دول مختلفة ضد الصين. وفي غضون ذلك، تردّدت العديد من الدول الأوروبية في الانضمام إلى هذه الجبهة، على الرغم من ضغوط البيت الأبيض، بسبب العلاقات الاقتصادية الكبيرة مع بكين، واتخذ بعضها مواقف معارضة بشكل صريح. وفي مثل هذه الظروف، تعتزم أمريكا استغلال التوترات القائمة بين تركيا والدول الأوروبية بأفضل شكل ممكن، التوترات التي أدّت في الأيام الأخيرة إلى مناوشات مباشرة بين القوات العسكريّة الفرنسيّة والتركيّة، كما تسعى واشنطن ضمّ الدول الأوروبية إلى الجبهة المعادية للصين.
تحذير واشنطن الصريح لأردوغان
من ناحية أخرى، بالإضافة إلى الغاية الكبرى المتمثّلة في ضمّ أوروبا إلى المحور المناهض للصين، فإن خطوة واشنطن في إجراء مناورات مع الجيش اليوناني، وكذلك المناورات المشتركة في شمال سوريا مع فرق مكافحة الإرهاب الكردية، يمكن تقييمها كرسالة تحذير أمريكيّة مباشرة لأردوغان، والحقيقة هي أنّ التوترات بين أمريكا وتركيا قد تصاعدت على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد أدانت أنقرة مراراً وتكراراً السياسات الأمريكيّة في منطقة غرب آسيا، وخاصة في دعم الأكراد السوريين.
الآن، بعد مرور فترة مضطربة في العلاقات السياسية والدبلوماسية التركية - الأمريكية، وفي ظلّ الظروف التي تتورّط فيها أنقرة في ملف الأزمة الليبية بشكل كبير، إضافة إلى الأزمة السورية، ترسل واشنطن إشارة إلى أردوغان بأنّها في أيّ من الأزمات من سوريا وليبيا، لم ولن تقدّم الدعم السياسي لأردوغان.
وعلى صعيد آخر، ترسل واشنطن، من خلال خطواتها الجديدة، رسالة جديدة للحكومة التركية مفادها أنّها غير مستعدّة لدعم تركيا ضدّ الدول الأوروبية، إنّ دخول سفينة نووية إلى البحر الأبيض المتوسط يبعث صراحة برسالة مفادها أن دعم أنقرة والحفاظ على تحالفها مع تركيا في ظلّ الأزمات الإقليمية، لا تمثّل بأيّ حال من الأحوال أولوية لواشنطن، يشير الاتجاه الحالي إلى أنّه في المستقبل القريب سنشهد زيادة في التوترات بين أنقرة وواشنطن.