الوقت – سنونٌ عجاف تلك التي بات يعيشها شعب السعودية بعد السياسات الاقتصادية الفاشلة بمجملها والتي أقرّها ولي عهد آل سعود منذ وصوله إلى منصب ولاية العهد وأصبح المتحكّم الفعلي بكلّ تفاصيل الحياة هناك، وما زاد الطين بلّة الانخفاض الرهيب بأسعار النفط الذي يُعتبر شريان حياة السعودية، حيث يعتمد اقتصاد السعودية وبشكل كامل تقريباً على النفط، وبات من الواضح أنّ تخفيضات إنتاج أوبك وهجوم الطائرات من دون طيار ضدّ منشآت التكرير في السعودية في العام 2019 خفّضت نمو الناتج المحلّي الإجمالي أكثر من 2.1% وفقاً لتوقّعات صندوق النقد الدولي، من المتوقّع أن ينخفض نمو الناتج المحلّي الإجمالي إلى -2.3٪ في عام 2020.
أكثر من ذلك؛ فإنّ انخفاض أسعار النفط رافقها رفع للضرائب، ناهيك عن انتشار فايروس كورونا بشكل واسع في السعودية وتوقّف الأعمال التجاريّة والصناعيّة جميعها عوامل زادت من ضعف القوة الشرائيّة لمواطني الشعب السعودي، وفي الوقت ذاته فإنّ عدداً من التجار كانوا بانتظار زيادة دخل المواطنين بعد خُطب ابن سلمان الجوفاء أملاً بزيادة القوة الشرائيّة للشعب، وبالتالي إنعاش الأسواق، غير أنّ هذا الإحباط والتراجع الاقتصادي انعكس سلباً على الأسواق التجارية التي باتت تعاني من ركود لم تشهده السعودية من قبل.
إذن، فالقرارات الاقتصادية الخاطئة التي اتخذها ابن سلمان أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة، بما في ذلك الوقود، لكنّ الأمر الذي زاد الطين بلّة هو بداية اندثار الطبقة المُتوسطة التي كانت تعتمد منذ أجيال على هبات الحكومة، حيث وجدت جميع الأسر ذات الدخل المتوسّط نفسها غير قادرة على دفع تكاليف السكن ومستلزماتها الأساسية، ما تسبّب بموجة من الغضب العارم رافقه هروب لرؤوس الأموال، ليقرّر العديد من السعوديين ليس فقط تحويل الأموال خارج البلاد، ولكن أيضاً الهجرة.
إصرار آل سعود وأميرهم المتهوّر على إفقار الشعب وحرمانه من أبسط حقوقه ضاعف من معاناة السعوديين التي تُعتبر بلادهم الأغنى في العالم، كما ضاعف من معاناتهم تبديد أموالهم على المغامرات غير المحسوبة لابن سلمان، والتي كان آخرها الحرب النفطية التي افتعلها مع روسيا، والتي رافقها انخفاض رهيب بأسعار النفط وهو الأمر الذي انعكس على حياة السعوديين، فتفاقم المشكلات الناتج عن انخفاض أسعار النفط رافقه زيادة كبيرة في عدد السكان، لتضيق الأرض بهم بما رحبت، ومع هذا الحال السّيء لم يكن أمام رجال ابن سلمان إلا الإعلان عن مشاريع وهميّة لتهدئة الشارع السعودي، وأكثر تلك الإعلانات هزلاً وهو ما رافق الإعلان عن رؤية ابن سلمان (2030) هو وجود خطط لبناء "مليون" منزل في غضون خمس سنوات باستثمار يزيد على 100 مليار دولار، في حين أنّ الخزانة السعودية برمّتها –خصوصاً بعد مليارات ترامب الخمسمئة- ربما لم تعد تمتلك هذا المبلغ، فإذا كانت العقارات هي مرآة الاقتصاد في أيِّ بلد، فإنّ الاقتصاد السعودي وكما يعلم القاصي والداني يواجه أزمات قد تصيبه في مقتل إذا ما واصلت أسعار النفط انخفاضها أو حتى بقاءها في مكانها.
على أبواب الانهيار
يوماً بعد آخر تتلقّى حكومة آل سعود هزيمة تلو الهزيمة، وكانت الضربة الأخير لإيرادات تلك الحكومة هي ارتفاع عجز ميزانيتها بنسبة 40٪، ما يدفع إلى خطط لزيادة خفض الإنفاق وزيادة الاقتراض، ويقدّر صندوق النقد الدولي أنّ السعودية تحتاج إلى النفط عند 80 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانيتها.
وحتى لو تمكّنت سلطات آل سعود من تحقيق النمو الاقتصادي المأمول في رؤية 2030، فإنّ ذلك لن يخفّف من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها أغلبية السعوديين خصوصاً من الفقراء والطبقات الوسطى، خصوصاً مع الإبقاء على سياسة تدفّق الثروة لجيوب الأثرياء والأمراء مع استثناء الطبقات الأكثر فقراً في المجتمع.
وفي النهاية.. فإنّ زمن السعودية الغنيّة وصاحبة الاحتياطيات الأعلى للبترول قد ولّى، وباتت الحكومة تقوم باستخراج الثروة من جيوب السكان من خلال الضرائب، وليتحوّل عدد كبير من السعوديين إلى متسوّلين على أبواب مؤسسة الضمان الاجتماعي، والجمعيات الخيريّة التي لم تخفّف من مشكلة الفقر في السعودية في الماضي ولن تفعل ذلك الآن، كونها أبداً لم تكن بوارد معالجة مشكلة الفقر من جذورها، بل كانت على الدوام تُقدّم لروّادها ما يبقيهم على قيد الحياة، دون تقديم حلول جذريّة أو ملموسة لانتشالهم من حالة الفقر التي يعيشونها.