الوقت- على مدى العقد الماضي ، كانت اليمن واحدة من أهم مناطق التنافس الجيوسياسي للقوى الإقليمية ، حيث إنّ جزءاً مهمّاً من التطورات في هذا البلد الذي مزّقته الحرب يحدث خارج حدود هذا البلد وفي لعبة شطرنج اللاعبين الأجانب.
ولكن مع سيطرة قوات أنصار الله على شمال اليمن ، ترتكز التدخلات الأجنبية الان على المناطق الجنوبية ، والتي تشهد وجود وكثافة لقوى مختلفة وتنافس الشرس على السلطة ، وفي الوقت نفسه ، أدت الخلافات بين السعودية والإمارات، كلاعبين رئيسيين في تطورات البلاد ، والذي يدعم كل منهما مجموعة مختلفة من السلطة في جنوب اليمن ، إلى تغذية عدم الاستقرار السياسي والأمني في المناطق الجنوبية خلال العام الماضي ، حيث قامت القوات الجنوبية ، المعروفة باسم المجلس الانتقالي التابع للامارات، بشكل متكرر بانقلابات وانتفاضات مسلحة ضد حكومة منصور هادي المستقيلة المدعومة من قبل الرياض والمستقرة في عدن ، وبعد فترة وجيزة فشلت الخطط والمبادرات الأجنبية لإنهاء الصراع على السلطة في عدن ، وخاصة خطة الرياض للسلام التي وقعت في نوفمبر من العام الماضي للاتفاق على توزيع متساو للسلطة بين الحكومة المستقيلة والمجلس الانتقالي.
وفي أحدث مثال على هذه المواجهة من العيار الثقيل ، سيطرت قوات المجلس الانتقالي لجنوب اليمن التابعة للإمارات العربية المتحدة ، على جزيرة سقطرى التي كانت تحت سيطرة قوات منصور هادي الرئيس اليمني المستقيل ، واحتلت الجزيرة ، وفي هذا الصدد ، صرح سالم ثابت ، عضو المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني قائلاً: "لقد استولينا على معسكر القوات الخاصة والذي يعدّ اخر قاعدة للمسلحين الإخوان المسلمين التابعين للحكومة المستقيلة في مدينة "حديبو" ، مركز هذه الجزيرة ، وقد استحوذنا على جميع أسلحتها ومركباتها ومعداتها العسكرية كغنائم حرب".
ويعد هذا الحدث بالنسبة الى حكومة منصور هادي المستقيلة بمثابة انتكاسة كبيرة في مواصلة الادعاء بالشرعية السياسية في الجنوب ، وبالطبع ، فان القدرة على ممارسة السيادة على هذه المنطقة ، أصبحت مكلفة للغاية لدرجة أن حكومة هادي شنت الآن هجمات لفظية غير مسبوقة على السعودية واعتبرت ان هذه الواقعة هي نتيجة خيانة السعوديين لها.
ونشر "مختار الرحبي"، مستشار وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المستقيلة، رسالة على حسابه على تويتر يقول فيها ان السعودية والإمارات تقسمان أراضي بلادنا فيما بينهما ، مضيفاً إن دول التحالف تقوم بتقسيم الأراضي اليمنية فيما بينها ، حيث سيطرت السعودية على المهرة ، وسقطرى وقامت الإمارات بدورها بالاستيلاء على حضرموت وعدن والضفة الغربية.
وعلى الرغم من ان خطاب هذا المسؤول التابع لحكومة منصور هادي المستقيلة يعكس مرة أخرى أهداف الائتلاف العربي المعتدي للتوسع في اليمن، والذي بدء تنفيذه في عام 2015 بذريعة إعادة منصور هادي إلى السلطة، ولكن الأهم من ذلك، أن هذا الموقف هو إشارة واضحة على الانقسامات العميقة بين الحكومة المستقيلة والسعوديين حول مسير تحولات اليمن ومستقبله.
قرب نهاية حكومة عدن المستقيلة
في تاريخ 20 مايو ، أفاد موقع "الوفاق نيوز" اليمني ، نقلاً عن مصدر مطلع ، أن فنادق الرياض بدأت في إخلاء غرفها من أعضاء الحكومة اليمنية المستقيلة ، حيث أخبرت إدارة فنادق الرياض الأشخاص التابعين للحكومة المستقيلة أن اللجنة التي دفعت تكاليف إقامتهم ستتوقف عن ذلك منذ أوائل حزيران.
وعلى الرغم من أن التحليل الإعلامي للأخبار المفاجئة سلط الضوء على المشكلات المالية التي تعاني منها السعودية هذه الأيام نتيجة انتشار فيروس كورونا عالمياً، إلا أن الأحداث الأخيرة تظهر أنه يجب تقييم هذا الحدث في سياق محاولة الرياض لتقويض حكومة منصور هادي غير المفيدة والمزعجة.
ففي بادئ الأمر، بدت حكومة منصور هادي متشائمة للغاية ومستاءة من الخطوات التي اتخذتها الأطراف الأجنبية لبدء المفاوضات بين صنعاء والرياض ، ومع ذلك ، فإن الركود في الحرب ، والتكاليف الباهظة لاستمرار الحرب ، والضغط الأجنبي ، وتوسع دائرة انتصارات أنصار الله في ساحات القتال ، لم يترك للرياض خيار آخر سوى المفاوضات ، ومن ناحية أخرى ، أدت عدم شرعية منصور هادي في الجنوب إلى خلاف واسع النطاق بين خصوم صنعاء ، وهو أمر غير مقبول للسعوديين.
وفي هذا السياق ، يبدو أن هجوم قوات المجلس الانتقالي على المراكز الاقتصادية الحساسة في الجنوب والسيطرة عليها أمام أعين السعودية هو اتفاق مع أبو ظبي من أجل إنهاء عمل حكومة منصور هادي المستقيلة تدريجيًا.
وفي هذا الصدد ، يبدو أن الخطوة التالية للمجلس الانتقالي هي محاولة السيطرة على محافظة شبوة في جنوب اليمن ، لأن هذه المحافظة لديها موارد غنية من النفط والغاز.
كما يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على المناطق الثرية مثل سقطرى وشبوة لوضع الحكومة اليمنية المستقيلة ضمن أزمة اقتصادية بشكل فعال، هذا بالإضافة إلى أنّ الحكومة المستقيلة فشلت حتى الآن في دفع رواتب الموظفين والعسكريين لعدة أشهر.
محاولة الرياض الالتحاق بركب قافلة مصالح الجنوب
تقييم الرياض لتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أنشأته دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تفكيك جنوب اليمن في عام 2017 ، يجب أن يُنظر إليه في المقام الأول على أنه خضوع الرياض للأمر الواقع والحاجة إلى الانتباه إلى الميول التاريخية الانفصالية الجنوبية للحلول دون وقوعه بأيدي الامارات بالكامل ، حيث ترافق دولة الإمارات الانفصاليين في الجنوب بهدف السيطرة على المناطق الاستراتيجية مثل ميناء عدن ، وكذلك المناطق الجغرافية الاقتصادية مثل الجزر اليمنية الجميلة في البحر الأحمر.
وفي هذا السياق ، فإن السعودية ، التي تعتبر اليمن كحياة لتاريخها الفارغ ، والاتصالات الواسعة مع القبائل اليمنية ، تتخذ خطوات لمواكبة قافلة الجنوبيين ، حيث ان وكالة الاخبار العربي الجديد كتبت في مذكرة تحت عنوان "تمرد جديد تديره الرياض" ، "لم تعد أبو ظبي عاصمة الإمارات ، الداعم الوحيد للمتمردين الانفصاليين ضد الحكومة اليمنية المستقيلة ، لانه ثمة هناك موجة جديدة من التمرد المسلح تديره الرياض ".
وفي الواقع ، تدرك الرياض حقيقة أن هناك قوات في جنوب اليمن لا تتوافق بالضرورة مع الإمارات ، حيث ان هذه القوات مستقلة ولكنها تسعى إلى استقلال جنوب اليمن ، كما التحالف الحالي لهذه القوى مع الإمارات تكتيكي للغاية ، لذلك ، يجب اعتبار دعم الرياض للجنوبيين بمثابة فصل آخر في تشكيل المنافسة بين الرياض وأبوظبي حول التطورات في اليمن.