الوقت- بعد مضي عقود على تأسيس الجامعة العربية أي في العام 1945، يطرح الشارع العربي تساءلات كثيرة وجوهرية تتمحور حول ما قدمته هذه الجامعة لها وأين هي من أهداف التأسيس منها اليوم؟ فإذا كان الهدف منها حماية الشعوب العربية وسيادة أراضيهم فماذا قدمت للقضية الفلسطينية وشعبها؟ وأين دورها في وضع حدٍ للإعتداءات الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني ولا سيما قطاع غزة؟ وأين هي من أحداث الأقصى الأخيرة والإنتهاكات الاسرائيلية المتکررة له؟ وتتسائل الشعوب العربية أيضاً عن دور الجامعة العربية في مواجهة الفكر الظلامي التدميري؟ فأين الجامعة العربية من معالجة الأوضاع الراهنة وخاصة أوضاع النازحين جراء الأعمال التخريبية التدميرية؟ وماذا قدمت للعراق إبان غزو امريكا لأراضيه؟ وأين كانت حينما قُسِمَ السودان؟ وغيرها الكثير من التساؤلات المطروحة حول جملة من القضايا العالقة والتي أصبحت اليوم بفعل التغييرات والتبدلات التي طرأت على منطقتنا أيضاً لدى بعض رجال السياسة والفعاليات الموجودة في حكومات الدول العربية، ونموذجها الأخير وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري الذي سأل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في دورتها ال 144 عن دور الجامعة، وهل ستتحول الجامعة العربية إلى جامعة شعوب وليس جامعة حكام وحكومات؟
مصدر مشاکل الأمة العربية وصناع القرار في جامعة الدول العربية، حلقة واحدة
لا يمكن الحديث عن جامعة الدول العربية كمنظمة دولية دون الأخذ بعين الإعتبار الدول المنضمة، ومن الضروري الفصل بين ظروف التأسيس وبنودها التي قامت عليها من جهة وبين الفعالية الواقعية المترجمة في التعاطي مع الأحداث. بالإنطلاق من هذه النقطة يمكن الذهاب إلى صلب الموضوع وبالتالي الإجابة عن جوهر السؤال المطروح، جامعة عربية للشعوب أم الحكام؟
فحينما توَجَّه الإتهامات بالأدلة لأنظمة عربية حاكمة بالوقوف وراء الدعم المادي والإعلامي للفكر الظلامي التدميري، وعندما تصرح الأنظمة العربية الحاكمة من خلال اعلامها ورجالاتها السياسيين بضرورة دعم تحركات الجماعات حاملة الفكر الظلامي لإسقاط دول وحكوماتها، وفي الوقت الذي تجتمع فيه رجالات الأنظمة العربية مع الكيان الاسرائيلي لوضع مخطط لآلية عمل مشترك، وعندما تقف أنظمة مدافعة عن اتفاقيات أبرمتها مع الكيان، وبينما نرى تعاوناً بين هذه الأنظمة على ضرب الشعب اليمني وجيشه خدمة للمشروع الغربي الإستعماري، حينها لا يعود من مجال وامكانية لطرح أوجاع الشعوب العربية وهمومها في اجتماعات جامعة الدول العربية، فما أوجاع أمتنا العربية إلا ومصدرها الكيان الاسرائيلي وشبيهته جماعات الفكر الظلامي، وما ظاهرة التهجير إلا ما نتج عن احتلال الكيان لأرض فلسطين واجرام جماعات الفكر الظلامي اليوم. إذن صناع القرار في جامعة الدول العربية هم أنفسهم صناع وجع الأمة العربية وآلامها.
هل من حل؟
صحيح أن المشكلة الأساس تكمن في صُنّاع القرار في جامعة الدول العربية حيث التركيبة الحاكمة في أغلب الدول العربية المسيطر عليها لنمط حكم فاقد للديمقراطية الشعبية، إلا أن الحديث هو عن معالجة بمستوى التفعيل للدور ولو للحد الذي يمكنها من أداء مهام كفيلة بإيقاظ الحس الإنساني فيها. وهذا يمكن من خلال مجموعة خطوات تبدأ بسن آلية تتيح إشراك الشعوب العربية في صنع واتخاذ القرارات، فالدور الشعبي هو الضامن، كما والعمل على تعزيز دور الإعلام العربي واعطائه استقلالية عن السلطة السياسية وتطوير مستوى خطابه لما يخدم ضرب الفكر الظلامي التدميري التخريبي. كما أن هناك حاجة ملحة إلى تعديل ميثاق الجامعة المتعلق بآلية اتخاذ القرار لتكون بأغلبية الثلثين في المسائل الهامة والمصيرية وبالتالي منع الإستغلالية في صنع القرار، والعمل على تطوير المجلس الإقتصادي فيه، وايجاد ارادة حقيقية جادة لحل الأزمات الراهنة ومعالجة الخلافات خاصة بين الدول العربية نفسها للإنطلاق ثانياً نحو عمل مشترك وموحد بعيد عن هذه الخلافات والحساسيات.
ومن الضروري أن توضع آلية محددة لمتابعة القرارات التي تصدر عن الجامعة تخلص إلى تنفيذ ومتابعة هذه القرارات بشكل جدي، وعليه معاودة الإجتماع مرة أخرى لمناقشة ما تم تحقيقه من توصيات وقرارات صدرت مسبقا. ويلزم في ذلك أيضاً أن لا تكون القرارات والتوصيات الصادرة متّخذةً الطابع العمومي والشمولي بل تأخذ منحى التشخيص الدقيق للقضايا والحل معاً.