الوقت- في ظل الحديث عن محاربة الإرهاب، يظهر من جديد النقاش حول الإرهاب في أصله، ومن يحاربه اليوم حقيقةً. فالعالم بأسره يعرف أن تنظيم القاعدة والجماعات الأصولية، كانت وليدة السياسة الأمريكة في الشرق الأوسط وهو ما ساهمت بتمويله دولٌ خليجية مثل السعودية وقطر. فقد تم نشر هذه العناصر في أفغانستان لتكون سلاحاً أمريكياً يُساهم في ضرب الإتحاد السوفيتي. لكن على ما يبدو فإن هذا المرض الذي اشتُهر بتسمية القاعدة، أصبح مُتعدد الأوجه. ليعيش الإرهاب الأمريكي الصنع أساساً، حالةً من المنافسة يتصدرها القاعدة وتنظيم داعش اليوم. ومنذ أيام ظهر الى العلن تسجيلٌ لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، مُهدداً أمريكا والغرب. فماذا في هذا التسجيل؟ وكيف يمكن تحليل علاقة أمريكا والغرب بالإرهاب الذي أصبح يهددهم؟
تقريرٌ حول التسجيل:
دعا زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري أنصار التنظيم في أمريكا والدول الغربية الأخرى إلى شن هجمات فردية داخل هذه الدول. وفي تسجيل صوتي تناقلته صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، قال الظواهري: "أدعو كل مسلم يستطيع أن يقهر دول التحالف الصليبي ألا يتردد في ذلك" بحسب تعبيره، داعياً المتشددين في الغرب إلى "اتخاذ الشقيقين تسارناييف المسؤولين عن هجومي ماراثون بوسطن في الولايات المتحدة، والشقيقين كواشي المسؤولين عن الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس، أمثلة يجب أن يحتذى بها". وتابع قوله "أرى أننا يجب أن نركز الآن على نقل الحرب لعقر دار مدن ومرافق الغرب الصليبي وعلى رأسها أمريكا".
جاءت دعوة الظواهري ضمن كلمة مسجلة بعنوان "الحلقة الثانية من الربيع الإسلامي"، نشرتها عدة مواقع تتبنى بيانات الجماعات التكفيرية أمس الأحد، وتم نشر الحلقة الأولى منها في التاسع من الشهر الجاري، تزامناُ مع ذكرى هجمات 11 أيلول 2001للمیلاد. وليس من المعروف متى تم تسجيل كلمة الظواهري تحديداً. وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها إلى مثل هذه الهجمات، حيث سبق وأطلق دعوة مشابهة في أيلول 2013للمیلاد، تزامنت أيضاً مع ذكرى الهجمات على أمريكا. كما وجدد الظواهري تأكيده على عدم اعترافه بـ"شرعية" تنظيم داعش التكفيري.
كيف يجني الغرب ما زرع؟
لا شك أن الأزمة السورية شكلت منعطفاً أدخل العديد من الدول في مخاطر كبرى، بحجم رهاناتها ومدى نجاحها. فقد قامت الدول الغربية لا سيما واشنطن، و البعض من الدول الخليجية، بدعم الإرهاب في سوريا والذي يتمثل اليوم بتنظيم داعش الى جانب جبهة النصرة. لكن تمدد هذا الإرهاب لا سيما داعش، وحصوله من الأمريكي والأوروبي والخليجي على ما يؤهله للإكتفاء عنهم، جعله يسعى للعب منفرداً، بعيداً عن هذه الدول.
لكن حالة الدعم المُفرط وغير المدروس والذي ترجمته عملياً أموال الدول الخليجية وتوجيهات الدول الغربية، أدت لإيجاد حالةٍ من التنافس بين هذه التنظيمات لا سيما بعد أن كانت القاعدة التنظيم الأم للتكفيريين في العالم، ليدخل على الخط اليوم تنظيماً كداعش أصبح يتصدر الإرهاب، ليعلو صيته على تنظيم القاعدة. وهو الأمر الذي جعل سباق العداء للغرب يزداد بينهم، وإن كان يتزامن مع عداءٍ لغير أبناء فكرهم من كافة الطوائف والمذاهب.
ولا شك أن الخطر المحدق الذي لحق بالدول الأوروبية منذ سنوات بعد نشوء الأزمة السورية، يمكن أن يكون خير دليلٍ على ذلك. لنقول أن ما يجري اليوم من تهديدٍ لأيمن الظاهري يأتي في نفس المسار. وهو ما دعا الإتحاد الأوروبي إلى التحذير من العدد المتزايد للأوروبيين المسلمين، الذين ينضمون إلى الجماعات المتطرفة في كلٍ من سوريا والصومال والسودان. في حين انشغلت مراكز الدراسات الغربية في نشر تقارير حول هذا الموضوع، لتحصل القارة الأوروبية على النسبة الأكبر فيما يخص أصل العناصر الإرهابية في سوريا. وفي هذا السياق صرح وزير شؤون الهجرة والأمن في الداخلية البريطانية جيمس بروكنشاير لوسائل الإعلام عام 2014 للمیلاد، إنه يتوقع أن يوجه الإرهابيون ضربات ضد بلادهم الأم.
وفي نفس السياق يأتي الخطر على أمريكا. فقد أشار عدد من الباحثين الى أن خطر تلقي الغرب لهجمات إرهابية سيزداد لأن تنظيم داعش سيرى مستقبلاً أن أي تدخل لأمريكا سيكون بمثابة محاولة للصليبيين لإيقاف نشأة دولتهم الإسلامية. مشيرين الى أنه وعلى الرغم من وجود خلافات بين التنظيمين داعش والقاعدة، فإنهم سيتقدمون لمحاولة ضرب الغرب.
وهنا بناءاً
لما تقدم، نقول أن الدول الغربية تدفع اليوم ثمن رهاناتها. فبعد أن ساهمت في إنشاء
منظوماتٍ عملية تفكيكية، تساهم في تقسيم الدول في منطقتنا وتأجيج الصراعات، قامت
مؤخراً بالإعتماد على الإرهاب كوسيلةٍ لتحقيق الأهداف لا سيما السياسية والمُتمثلة
بقلب الأنظمة. وهو الأمر الذي أدى لدفع شعوب المنطقة ثمناً باهظاً لا سيما على
الصعيد الأمني. فيما ساهمت الدول الخليجية وتحديداً السعودية وقطر، الى جانب تركيا
في تنفيذ هذه المخططات. لكن الأزمات المتلاحقة والتي كانت أكبر من دولها، جعلت
الإرهاب حالةً عامة لا تُميز أحد، بل تسعى للإنقلاب على داعمها وممولها من أجل
تحقيق حلم الدولة التي طالما كان الجهاد لأجلها. لذلك، فإن الغرب اليوم، يدفع ثمن
سياساته. فتصدير الإرهاب لم يعد أمراً كسابقه. فالأيدلوجية الإرهابية أصبحت واقعاً
يخترق مجتمعات العالم بأسره ولم يعد القلق هو الحالة التي يتصف بها الشرق الأوسط
فحسب، بل أصبح حالةً تتصف بها أمريكا وأوروبا كغيرها من الدول.