كيف يمكن دحر "الفوضی الخلاقة" لداعش؟
الوقت- ثمة سياسات خاطئة قامت بتنفيذها الدول الغربية وحلفاؤها من الدول العربية في المنطقة، لاغراض خاصة، لكن سرعان ما اتضح عدم صوابية هذه السياسات بعد فترة قصيرة. الدعم العربي والغربي للنظام البعثي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بداية الثورة الاسلامية، كان احدي هذه السياسات الخاطئة التي سرعان ما دفعت الدول العربية ثمن ذلك الدعم لصدام حسين، بعد ما أشعل النظام البعثي نيران حروبه في الكويت، ودول عربية اخری. وفي هذا السياق يمكن الیوم الإشارة الی تنظيم داعش الإرهابي الذي تمت صناعته من قبل استخبارات دول عربية معروفة، بالاضافة الی الكيان الإسرائيلي وأمريكا كما تشير المعلومات المتوفرة، حيث أنه لم يمضی سوی فترة وجيزة علی ظهور هذا التنظيم، حتی انكشف خطره ليس علی المنطقة فحسب، بل اتضح خطر هذا التنظيم حتی لمن قام بتأسيسه ايضاً. وبناءً علی الخطر الداهم الذي بات يشكله داعش، أصبح من الواجب علی الدول العربية والإسلامية دون إستثناء، مواجهة هذا الخطر والعمل علی اجتثاثه من جذوره، إذن ماذا ينبغي علی دول المنطقة أن تفعله لمواجهة هذا التنظيم المنفلت؟
الیوم لم يعد يكتفي تنظيم داعش بسيطرته علی مناطق محدودة من العراق وسوريا رغم اهمية تلك المناطق التي يسيطر علیها في هذه الدول، بل بات يفكر أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي ان يصبح من خلال ممارسة القتل والمجازر، زعيما أو حسب أدبياته الخاصة، أن يصبح "خليفة" علی جميع الدول الإسلامية وحتی غير الإسلامية، حسب زعمه، بعد ان اجتاح خطر هذا التنظيم أهم دولتين في اوروبا وهما فرنسا وألمانيا، حيث قال وزير الداخلية الألماني «توماس دي ميزير» في الآونة الاخيرة، « إن نحو مئة ألماني لقوا حتفهم في سوريا والعراق خلال قتالهم ضمن صفوف تنظيم داعش». حيث أكد وزير الداخلية الألماني أنه عاد ثلث الألمان الذين توجهوا الی سوريا والعراق، مرة اخری الی ألمانيا، بعد أن أمضوا وقتاً طويلا في صفوف تنظيم داعش.
علی الدول العربية وعلی رأسها قطر والسعودية بالاضافة الی تركيا التي دعمت الإرهاب في سوريا وجعلت من أراضي هذه الدولة منطقة خصبة لنمو الإرهاب، أن تكفّر عن ذنبها الذي إغترفته في هذا السياق، من خلال الكف عن مواصلة دعم الجماعات الإرهابية التي تطلق علیها مسميات جميلة مثل "المعارضة المعتدلة"، حتی يضيق الخناق علی تنظيم داعش في سوريا والعراق، ويصبح من الممكن القضاء علیه دون رجعة. لكن ومن المؤسف جداً فان جميع المؤشرات لازالت تشير الی أن أنقرة والدوحة والرياض، مستمرة علی مواصلة الإرهاب في سوريا، بل تجاوزت ذلك، حتی أصبحنا نعاني الیوم من الدعم السعودي والقطري لارهاب القاعدة في الیمن، تنكيلاً لأبناء هذا الوطن.
إذن لم يبق أمام الدول الأخری في المنطقة، مثل إيران وسوريا والعراق وحتی أفغانستان وباكستان، والدول الخيرة الأخری مثل سلطنة عمان، التي أبت أن تكون تحت مظلة السياسة السعودية، بالاضافة الی مصر، بعد عناد المحور السعودي بمواصلة دعم الإرهاب في سوريا، لم یبق أمام هذه الدول سوی العمل علی المزيد من الدعم لسوريا والعراق، لضرب داعش في عقر المناطق التي يحتلها في تلك الدول، وذلك لتفويت فرصة إنتقاله لسائر دول المنطقة.
وبامكان الدول التي أشرنا الیها، أن تستفيذ من الدعم الروسي وحتی الهندي لمحاربة داعش، وذلك لأن الهند وروسيا تعرفان جيدا أن الارضية في هذين الدولتين مهيئة لإجتذاب عناصر متشددة من قبل داعش، وذلك لتكوين خلايا إرهابية في هذه الدول من قبل هذا التنظيم المتطرف. حيث نعلم أن المئات ممن يقاتلون الیوم في صفوف داعش وسائر التنظيمات الإرهابية الاخری في منطقة الشرق الوسط، تعود اصولهم الی آسيا الوسطى والبلقان، وشمال القوقاز. حيث يقول البعض أن روسيا مقبلة علی أحداث التسعينات في حال عدم القضاء علی الإرهابيين في سوريا والعراق في هذه الفترة، حيث شهدت هذه الدولة عودة أعداد هائلة من الإرهابيين في أوائل التسعينات من القرن المنصرم بعد انتهاء الحرب في أفغانستان.
وهنالك ثمة من يری أن إيديولوجية داعش بحد ذاتها هي الخطر الأساسي علی روسيا، من خلال الحماس الإرهابي الذي تدفعه في نفوس مؤيدها، خاصة إذا ما علمنا أن حوالی ألف الی ثلاثة آلاف من منتسبي داعش هم من الناطقين بالروسية. بالاضافة الی ذلك فان الكثير من القيادات الداعشية مثل «عمر الشيشاني» وهو جورجي الاصل، هم من المقربين الی أبي بكر البغدادي. وذلك بالاضافة الی ما يطلق علیهم بالمجاهدين الشيشانيين، الذين يعتبرون الضراع الأيمن لتنظيم داعش حالیا في سوريا وحتی العراق، مما ستمثل عودة هؤلاء الی روسيا والقوقاز خطرا داهماً علی هذه المناطق. إذن بناءً علی هذه المعطيات فان دول المنطقة ستجد الاستعداد التام من قبل موسكو لمحاربة داعش في حال تم المزيد من التنسيق معها في هذا الخصوص.
وعلی دول المنطقة أن لا تقع في شباك التضليل الأمريكي وإدعاء محاربتها لتنظيم داعش، لان جميع المؤشرات تشير الی أن الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية هي التي تقف وراء ظهور داعش في منطقة الشرق الأوسط ويمكن إثبات هذا الإدعاء إذا ما عدنا الی كلام وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش، السيدة كونداليزا رايس، فی مطلع عام 2005، خلال الحوار الذي اجرته مع جريدة واشنطن بوست الأمريكية، لكي نتذكر أنها اول من دعی الی الفوضی الخلاقة فی الشرق الأوسط، وذلك لتشكيل «الشرق الأوسط الجديد» حسب قولها. حيث أننا لم نری الیوم أي منطقة آمنة من الفوضی التي اوجدها تنظيم داعش، حتی في السعودية، التي تقول أن داعش يريد تقسيمها الی خمسة مقاطعات، كما صرحت وزارة داخليتها بذلك.
وفي النهاية نذكر مرة اخری أن التهديد الجماعي من قبل داعش تجاه جميع دول المنطقة بل حتی العديد من دول العالم، يستلزم العمل علی محورين، الاول: العمل علی محاصرة داعش والتنظيمات الارهابية الاخری في سوريا والعراق دون السماح لهذه التنظيمات بالتمدد لمناطق اخری، وذلك من خلال التعاون مع دمشق وبغداد، والمحور الثاني هو: تجفيف مصادر التمويل، باعتبارها العصب المحرك لهذه التنظيمات، من خلال معرفة طرق التمويل التي تستخدمها داعش، مثل تصدير البترول، ووقف هذه المصادر.