الوقت- أصبح مقتدى الصدر، رجل الدين المؤثر ورئيس کتلة "سائرون" في البرلمان العراقي، الرجل الأول في الساحة السياسية في بغداد هذه الأيام، متجاوزاً كل الشخصيات والتطورات السياسية.
وعلى الرغم من أنه كان واحداً من أكثر الزعماء السياسيين نفوذاً في الماضي، إلا أنه أصبح اليوم الشخص الأكثر أهميةً في التطورات، والذي يمكن لبياناته وتصريحاته أن تؤثّر بشكل كبير على تصرفات الجهات الفاعلة الأخرى.
وفي سياق الاتجاه الجديد للتطورات، أعلن مقتدى الصدر على تويتر في 11 فبراير 2020، حل القبعات الزرقاء بين صفوف المحتجين العراقيين. والسؤال المطروح الآن هو، ما هي أهداف ونوايا مقتدى الصدر، وكيف سيؤثر ذلك على معادلات العراق المستقبلية والتطورات الحالية في هذا البلد؟
للرد على هذه الأسئلة، يمكن قراءة ثلاثة محاور أساسية ودراستها.
عندما يفصل مقتدى الصدر طريقه عن مثيري الشغب
عند تحليل دوافع مقتدى الصدر وأهدافه، يمكن الانتباه إلى أنه بعد أكثر من أربعة أشهر من المظاهرات التي قام بها الشعب العراقي احتجاجاً على أداء الحكومة، خلص الآن إلى أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر بهذا الشکل، لأن جزءاً كبيراً من عملية الاحتجاجات الشرعية قد تم الاستيلاء عليها من قبل القوات الأجنبية، بدعم من بعض المرتزقة المحليين.
وفي هذا الصدد، كتب مقتدى الصدر في تغريدة جديدة له: "وفقاً لأخبار موثوقة، على الرغم من بعض التخريب والفوضى، الثورة تعود تدريجياً إلى مسارها الأول. آمل أن يبعد الثوار تدريجياً وبشکل سلمي هؤلاء الفوضويين، وأعلن حل القبعات الزرق ولا أرضى بوجود التيار بعنوانه في التظاهرات، إلا إذا أرادوا الحضور دون الانتماء الحزبي والتوحُّد مع المتظاهرين".
وهذا يعني حتماً انفصال أنصار مقتدى الصدر عن المرتزقة، الذين يحثهم بعض اللاعبين الأجانب على التخريب، تحت ألقاب مختلفة.
على العموم، يعرف زعيم التيار الصدري أنه من أجل إعادة السلام والاستقرار إلى بلده، يجب عليه أيضاً أداء واجباته المحددة، وعدم مرافقة المحرضين وأعداء العراق في إثارة نار النفاق.
ضوء مقتدى الأخضر لعلاوي لتشكيل الحکومة
على مستوى آخر، يمكن اعتبار حل القبعات الزرقاء من قبل مقتدى الصدر إشارةً إيجابيةً منه إلی محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي هذا السياق، نرى أن مقتدى الصدر يكتب على تويتر قائلاً: "علمنا بالضغوط الحزبية والطائفية التي يتعرض لها علاوي لتشكيل الحكومة، وهذا يعني ازدياد عدم القناعة بها، وهو ما سيؤدي إلى رفع اليد عنها، لأننا نريد دائماً الإصلاح. وفي هذا الصدد، أعلن حل قوات القبعات الزرق".
إن تصريحات مقتدى الصدر هذه تعني أنه، من ناحية، يدرك جيدًا أن بعض المحتجين سيعارضون، تحت أي ظرف من الظروف، جميع الخيارات المقدمة لتشكيل حكومة جديدة، لأنهم يهدفون إلى التعطيل والفوضی واستمرار الأزمة في البلد.
ومن ناحية أخرى، يتوقع مقتدى أن يشكل علاوي حكومةً من الأفراد المستقلين والملتزمين بالبلاد بعيداً عن الحصص العرقية. ولذلك، يجب أن تهدأ موجة الاحتجاجات في المقام الأول، ثم السيطرة على العنف وأعمال الشغب في مختلف المدن، حتى يتمكن رئيس الوزراء من تشكيل الحكومة واتخاذ قرارات منطقية.
علی الرغم من أنه من الضروري أن نلاحظ أن مقتدى الصدر قد حذر علاوي بشكل غير مباشر، من أن إجراءاته هذه ليست سوى مساعدة له لتثبيت سلطته وتعزيزها، وإذا تم تشكيل الحکومة على أساس الانتماءات العرقية والحزبية، كما في الماضي، فإن مؤيديه سيكونون مرةً أخرى في صفوف المعارضة.
تأثير حل القبعات الزرقاء على مسار التطورات الجديدة
بالإضافة إلى الضوء الأخضر الذي أعطاه مقتدى الصدر لمحمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما هي الآثار الأخرى التي سيترکها حل القبعات الزرقاء على التطورات السياسية المستقبلية في العراق؟
للإجابة على هذا السؤال، يمكن تقييم هذا الإجراء على أنه ذي آثار إيجابية. في الواقع، كان حل القبعات الزرقاء بمثابة إنهاء لأحلام التيارات المحلية والدول الأجنبية، والتي كانت تری في الاحتجاجات الشعبية العراقية فرصةً لتنفيذ خططهم وأهدافهم الخاصة، من خلال تصعيد الأزمة وعقد الآمال علی أداء مقتدى الصدر ومؤيديه.
إن انفصال مقتدى الصدر ومؤيديه في شوارع العراق عن مثيري الشغب والمرتزقة، يمثل بالتأكيد ضربةً كبرى للاعبين الذين رأوا أن استمرار الأزمة في العراق، هو وسيلة لتعزيز رغباتهم ومصالحهم.
وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار أمريكا والسعودية الخاسرين الرئيسيين، والرابح الرئيس هو المواطن والشعب العراقي. والآن هناك أمل أن يعود السلام والحياة الطبيعية إلی المدن العراقية، بعد خمسة أشهر صعبة.