الوقت -أفاد تقرير الجزيرة الذي نشرته يوم الخميس الماضي ان وكالة مكافحة الفساد الماليزية بثت محادثة هاتفية مسجلة بين رئيس الوزراء الماليزي السابق عبد الرزاق وولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان حول قضية فساد. وفي هذه المكالمة الهاتفية ، طلب عبد الرزاق من محمد بن زايد إجراء معاملة شكلية بينهم لتجنب اتهامه بغسل الأموال ، ووافق ولي عهد أبوظبي على هذا الطلب حفاظاً على مصالحهم المشتركة. وهذه ليست المرة الأولى التي يكشف فيها ارتباط مسؤولين في أبو ظبي مع قضايا الفساد في ماليزيا.
دور الإمارات في الفساد في ماليزيا
على مدى السنوات العشر الماضية، لعبت دولة الإمارات دوراً معقّداً في قضايا فساد رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب تون عبد الرزاق. حيث ظهرت أبعاد جديدة تثبت تورط الإمارات في قضايا الفساد الماليزية من خلال المكالمة المسجلة عام 2016. ووفقاً لتقرير الجزيرة وبناءً على ما جاء في المكالمة المسرّبة الأخيرة فان رئيس الوزراء الماليزي السابق طلب من محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي, إيداع أموال في حساب رضا عزيز ، نجل زوجة عبد الرزاق والذي يقيم في مدينة نيويورك الامريكية. تقول بعض التقارير ان هذه الأموال هدية لانتاج رضا عزيز فيلم في هوليود والذي يكلف الملايين. ووعد بن زايد أيضًا في تلك المكالمة بتسوية قضية غسل الأموال المتعلقة بنجل زوجة عبد الرزاق، وبعد ذلك تم عرض هذه القضية في المحاكم الأمريكية عقب دعوى قضائية رفعتها المنظمات المدنية الماليزية.
اشتهرت زوجة نجيب تون رزاق السابقة ، روزما منصور ، على نطاق واسع بترفها وإنفاقها الكبير ، وكانت واحدة من محفزي عبد الرزاق لتلقي رشاوى من الإمارات. حيث تم القبض على روزما منصور العام الماضي لتورطها في فضيحة مالية تسمى 1MDB. وفي قضية الفساد الاخيرة ، أرادت روزما من عبد الرزاق التحدث مع ولي عهد أبو ظبي لإخراج ابنها من معمعة المحاكم. والدليل على هذا الفساد الجديد واضح لدرجة أن عبد الرزاق لم يستطع إنكاره ، لكنه حاول تخويف السلطات الماليزية بأن هذه المكالمة تلحق الضرر بالمصلحة الوطنية والعلاقات بين الإمارات وماليزيا.
أهداف الامارات
لم تكن جميع أقسام الإمارات في ماليزيا تحت تاثير العلاقات الشخصية لرئيس الوزراء السابق ومسؤولي أبو ظبي. وبالنظر إلى مكانة ماليزيا بين الدول الإسلامية وأهميتها الأخيرة بين تركيا والسعودية والإمارات، رأت أبو ظبي أن عبد الرزاق هو أسهل طريقة للتأثير في السياسة الماليزية.
وواحدة من أكبر قضايا الفساد في ماليزيا جاءت خلال محاولة عبد الرزاق بعد الانتخابات عام 2013 باختلاس 700 مليون دولار من شركة التطوير الاستراتيجي الماليزية (1MDB). تم تحويل أموال هذه الشركة ، والتي لعبت دور صندوق احتياطي للعملات الأجنبية، إلى شركة "بترو سعوديين" بالتعاون مع الأمير السعودي "تركي بن عبد الله". كما لعب سفير الإمارات في واشنطن ، "يوسف العتيبة" وهو أحد رواد السياسة الاقتصادية لدولة الإمارات، دورًا مهمًا في تحويل هذه الأموال ، لكنه يواصل القيام بأعماله حتى بعد الفضحية.
لم تتمكن كلٌ من السعودية والامارات بالرغم من كل هذه المدفوعات ان تحصل على دعم ماليزيا الدبلوماسي للمحور العربي في حرب اليمن ، ولكن بالإضافة إلى ذلك ، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر قلقًا بشأن نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في ماليزيا. وكان لعبد الهادي أونغ ، زعيم الحزب الإسلامي (باس) علاقة جيدة مع بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين السورية ، مثل سعيد حاوي. وبعد الضغط على قادة الإخوان المسلمين في مصر عام 2015 وبعض الدول العربية ، قرر بعض قادة الإخوان المسلمين الهجرة إلى ماليزيا. وهذا ما أرعب المملكة العربية السعودية والإمارات من تشكل حركة جماعة الإخوان المسلمين جديدة في شرق آسيا.
وبدأت السعودية والإمارات في ضخ المساعدات المالية في حساب عبد الرزاق ، خوفًا من فوز حزب باس في الانتخابات الماليزية لعام 2013 (والذي قد يصبح ملاذًا للإخوان المسلمين). وقد أثارت هذه المساعدات غضب المسؤولين الماليزيين. حيث طلب نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق أنور إبراهيم في فبراير 2019 من الإمارات شرح العلاقة التي تربطها بصندوق التنمية الماليزي. كما سعت السعودية والإمارات إلى ترويج الوهابية وتقوية السلفيين الماليزيين ، من اجل تصديهم لجماعة الإخوان الماليزيين.
وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة سنغافورة الوطنية فريد العطاس حول هذا الموضوع انه يتم الترويج اليوم في بعض المحافل لبعض العادات الثقافية العربية ، مثل ارتداء الدشداشة، كسلوك إسلامي والذي يمثل مشكلة في الحفاظ على الثقافة الماليزية ، لأن العرب اليوم يروجون لثقافة بلدانهم في ماليزيا بذريعة الإسلام, وقد اعتنق العديد من الزعماء الدينيين السلفية السعودية ونشروها في محيطهم.
وبهذا خلقت سياسات السعودية والإمارات فسادًا واسعًا في ماليزيا، ووجد القادة السابقون الحل الوحيد للمشكلة بازاحة عبد الرزاق من الواجهة. وقد استطاع مهاتير محمد من ائتلاف أمل الفوز على عبد الرزاق بحصوله على 122 مقعدًا في انتخابات عام 2018. وتعتبر هذه الهزيمة بمثابة فشل سياسات واستراتيجيات السعودية والإمارات في ماليزيا. حيث لم تشارك هذه البلدان في قمة الدول الإسلامية في أواخر ديسمبر الماضي وحظرت على دول أخرى مثل باكستان المشاركة أيضاً.