الوقت- بدأت أول مناورات بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين يوم الجمعة الماضي في مياه شمال المحيط الهندي وبحر عمان وستستمر هذه المناورات العسكرية لأربعة أيام متتالية. ولقد تناولت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية بشكل موسع موضوع هذه المناورات المشتركة بين روسيا والصين وإيران ونشرت خلال اليومين الماضيين العديد من التقارير الاخبارية حول هذه المناورات وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه الوسائل الاعلامية أقرت بأن هذه المناورات العسكرية هي مناورات فريدة من نوعها وذلك لأنها تحمل في طياتها العديد من الرسائل المعينة لبعض دول المنطقة ولبعض الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وهذه الدول الثلاث يجمع بينها أنها معا تعتبرها أمريكا في استراتيجيتها النووية التي تم صياغتها في عهد "ترامب" تمثل الأعداء الأساسيين لها ويجمع بينها أيضا أنها تتعرض معا لعقوبات اقتصادية أمريكية. فضلا عن أن المنطقة التي تقام بها هذه المناورات البحرية الثلاثية هي في الأساس كانت منطقة نفوذ بحرى أمريكي.
الجدير بالذكر أن هذه البلدان الثلاثة قامت خلال السنوات الماضية بالتعاون مع بعضها البعض في قضايا مثل أفغانستان وسوريا، وذلك لحماية مصالحها من تهديدات الجماعات الارهابية المنتشرة في عدد من بلدان الشرق الاوسط. ونظرًا لأهمية هذه التدريبات العسكرية المشتركة، فلقد قام موقع "الوقت" الاخباري بإجراء لقاء صحفي مع الخبير في الشؤون الدولية الاستاذ "حسن بهشتي بور" لمعرفة أبعاد والنتائج المحتملة لتلك المناورات العسكرية.
وحول هذا السياق، أعرب الاستاذ "حسن بهشتي بور" أن روسيا والصين تتمتعان بقدرات عسكرية بحرية كبيرة، وهذه المناورات العسكرية المشتركة بين الدول الثلاث سوف تكون لها العديد من النتائج والفوائد التي سوف تصب في مصلحة جمهورية إيران الاسلامية وذلك لأن هذه الاخيرة سوف يكون بمقدورها الاستفادة من الخبرات العسكرية لتلك الدولتين لتأمين حدودها البحرية الواقعة في هذه المنطقة الاستراتيجية القريبة من بحر عمان والمحيط الهندي.
كما أن هذا الخبير في الشؤون الدولية يعتقد أن هذه المناورات البحرية المشتركة بين إيران والصين وروسيا، تؤكد على وجود روابط قوية ومتينة بين هذه الدول وتعاوناً وصل أعلى مستوياته في المجال العسكري والامني. ولفت هذه الخبير الدولي إلى أنه في العادة تبدأ الدول ببناء علاقاتها مع بعضها البعض من المستوى السياسي، ويليها بعد ذلك التعاون الاقتصادي والثقافي، والمستوى النهائي والاخير تقوم تلك الدول بالتعاون في المجال الامني والعسكري واقامة مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة بحرية وبرية وجوية وعندما تصل علاقات تلك الدول إلى هذا المستوى، فإنه يمكن القول بأن العلاقات بين تلك الدول وصلت إلى أعلى مستوى يمكن أن تصله. ولذلك، يمكن القول أن التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة الإيرانية - الروسية – الصينية التي لم يسبق لها، تدل على أن العلاقات بين هذه الدول الثلاث قوية ومتينة وفي أعلى مستوى لها.
وفي السياق ذاته، صرح الخبير في الشؤون الدولية الاستاذ "بهشتي بور" قائلا: "بالإضافة إلى إيران، تعتبر هذه التدريبات البحرية فرصة عظيمة أيضا لروسيا والصين وذلك لأنه أصبح بمقدور هذه البلدان التّدرب على خوض قتالاً بحرياً في منطقة لم يسبق لهم التدرب فيها ولا في ظروف مماثلة لظروفها. وأصبح الان بقدور بكين وموسكو، زيادة خبرات جنودهم في مجال مكافحة الأعمال الإرهابية في منطقة الخليج الفارسي التي تعتبر من أكثر المناطق في العالم أهمية وذلك لأن خمس صادرات النفط العالمية تمر من هذه المنطقة".
وأكد الاستاذ "بهشتي بور" أيضًا على: " أن هذه المناورات العسكرية المشتركة ذو أهمية كبيرة وذلك لأنها تجري في منطقة بها عدد من الممرات النفطية المهمة وعلى الرغم من أن هذه المناورات ترفع شعار حماية الملاحة البحرية، إلا إنها تحمل رمزية سياسية وعسكرية لكونها تقام في منطقة تمارس فيها واشنطن نفوذا قويا منذ عقود تحت ذريعة ضمان تدفق الإمدادات النفطية إلى الأسواق العالمية". وأشار هذه الخبير الدولي إلى أنه منذ عدة سنوات دخلت الصين وروسيا في تنافس مفتوح مع الولايات المتحدة ولكنهما ليس لديهما نية في مواجهة واشنطن عسكرياً. ولفت إلى أن الصين وروسيا تربطهما علاقات وثيقة وجيدة مع بعض الدول العربية الواقعة في منطقة الخليج الفارسي، وكذلك لدى إيران أيضًا علاقات جيدة وقوية مع دول مثل قطر وعمان والكويت والأردن. وذكر أن السعودية لديها بعض النزاعات مع إيران، لكن الواقع يؤكد بأن هذه المناورات العسكرية المشتركة ليس لها علاقة بالنزاع الحاصل بين طهران والرياض.
وأضاف الاستاذ "بهشتي بور" قائلا: "لا يمكن تقييم إجراء هذه المناورات العسكرية الثلاثية بأنها عبارة عن تشكيل تحالف شرقي ضد التحالف الغربي وذلك لأن أساس تشكيل التحالفات بين الدول هو وجود مصالح مشتركة بينها. وبادئ ذي بدء، ينبغي ألا يغيب عن البال أن المناورات العسكرية لا يمكنها أن يكون أساساً للتحالفات، ولكن يمكن تحقيق هذا التحالفات على مستويات سياسة وعسكرية واقتصادية مختلفة. إن التحالف بين الدول لا يمكنها أن تنشأ بدون مقدمات وبالنظر إلى كل هذه التفسيرات، نرى بأنه حتى الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لتشكيل تحالف أطلقت عليه الناتو العربي، فشل فشلاً ذريعاً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التحالف يلعب في الغالب دورًا محوريًا في تنظيم الدول المتحالفة. وبهذا التعريف المختصر، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن إيران ليست بأي حال من الأحوال جاهزة لأن تصبح تابعاً لروسيا أو للصين. وفي مثل هذه الظروف، فإن الارضية الخصبة لخلق تحالف بين هذه الدول الثلاث أصبحت جاهزة لاحتضان هذه الدول أكثر من أي وقت مضى".
وفي ختام هذه المقابلة الصحفية، خلص هذا الخبير في الشؤون الدولية إلى أنه "إذا وفرت هذه التدريبات المشتركة الحالية الارضية الخصبة والمناسبة لاحتضان دول أخرى في المنطقة، مثل السعودية والإمارات، و...، فإنه سوف سيكون من الممكن اعتبار هذه المناورات العسكرية عاملاً إيجابياً في استقرار وتعزيز التعاون بين دول المنطقة. الحقيقة هي أنه في الوضع الحالي، تنوي روسيا والصين أن تجد لها موضع قدم في المنطقة، لكن هذا التواجد سوف يكون مختلفاً تمامًا عن الهيمنة الأمريكية المستمرة منذ عقود على منطقة غرب آسيا. ولهذا فأن هذه التدريبات يمكن أن تساعد في تطوير وتعزيز الأمن الإقليمي".