الوقت- ما جرى مؤخراً بشأن توقيع اتفاقية شؤون الحجاج السوريين من قبل لجنة الحج العليا السورية والتي يديرها "الائتلاف السوري المعارض"، لم تكن بمحض الصدفة مع العلم أن الجميع كان يرجح أن تعود إدارة هذا الملف إلى الحكومة السورية بعد سلسلة المواقف التي اتخذتها السلطات السعودية فيما يخص العلاقة مع دمشق والجميع كان يرى أن إعادة العلاقات بين سوريا والسعودية ما هو إلا مسألة وقت، لاسيما بعد الأنباء التي تحدثت عن اجراء اصلاحات في مقر السفارة السعودية في دمشق، إذا ما الذي دفع السعودية للقيام بهذه الخطوة التي قد تقلب الطاولة من جديد على العلاقات بين البلدين؟.
الأسبوع الماضي وقّعت لجنة الحج العليا السورية، اتفاقية ترتيبات شؤون الحجاج السوريين لعام 2020 مع السلطات السعودية، وأعلنت اللجنة عبر معرّفاتها الرسمية، أنّ الأمين العام للائتلاف السوري المعارض ونائب رئيس لجنة الحج "عبد الباسط عبد اللطيف" وقع اتفاقية شؤون الحجاج مع نائب وزير الحج والعمرة السعودي "عبد الفتاح بن سليمان مشاط".
وحددت اللجنة اليوم الأول للتسجيل في 7 من كانون الثاني المقبل، وينتهي في 13 من شباط 2020، وستصدر اللجنة الشروط والتعليمات في وقت لاحق لم تحدده.
التوقيع مع المعارضة من جديد للمرة الثامنة على التوالي يوحي بأن الأمور مع دمشق لم تعد إلى مجاريها، وأن هناك العديد من العقبات لاتزال قائمة بين البلدين، لا نعلم أسبابها المباشرة، وكل ما يمكن تحليله في هذا الاطار لا يتعدى كونه مجرد تكهنات حول كواليس أسباب ما جرى، لأن هذه الاتفاقية جاءت صادمة في وقت بدأت فيه بعض الدول العربية بإعادة علاقاتها مع الحكومة السورية، بينها البحرين والامارات، حتى ان الامارات بدأت تتغزل بسوريا وبقيادتها بشكل علني، حيث وصف القائم بالاعمال الاماراتي في سوريا المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، العلاقات بين بلاده وسوريا "متينة ومتميزة وقوية"، وأعرب النعيمي عن أمله في أن "يسود الأمن والأمان والاستقرار ربوع الجمهورية العربية السورية تحت القيادة الحكيمة لفخامة الدكتور الرئيس بشار الأسد".
الامارات عادت وتغزلت بالقيادة السورية قبل يومين من خلال الداعية الإماراتي وسيم يوسف، والمُقرّب من سُلطات بلاده، وفي موقفٍ لافت، كان قد اتّهم إعلام قطر بالتّحريض على الرئيس والجيش السوري، وأنه تعاطف مع "الجيش الحر" وجبهة النصرة جرّاء تحريضه، وجاء ذلك خلال حلقة "من رحيق الإيمان" على الشاشة الحُكوميّة "أبو ظبي"، وخلال ردّه على تساؤل لافت من متّصل عن حُكم سنوات قضاها في قتال الجيش السوري، وهو ما قد يُعبّر عن موقف إماراتي إيجابي من الدولة السوريّة، والرئيس بشار الأسد، ورغبتها في إعادة العلاقات، خاصّةً أنّ يوسف قال إنه لو كان في سوريا لحمل السّلاح ضد "الحر والنصرة"، والتي وصفها بالمُرتزقة والإرهابيّة، وهو موقف قد يُعبّر عن موقف الإمارات عُموماً من الثورات العربيّة، حيث كان لافتاً إعادة يوسف وعلى شاشة إماراتيّة حُكوميّة أمنيات الشعوب بعودة أيّام القذافي، حسني مبارك، وفي سوريا لأيّام الرئيس بشار الأسد.
بالعودة إلى ملف الحج يبدو ان السعودية أرادت اعطاء نفس جديد للمعارضة المسلحة التي تتهاوى أمام ضربات الجيش السوري في ادلب وريفها، وربما هي محاولة من السعودية لتحذير سوريا من أن الرياض قادرة على قلب الطاولة في اي وقت ممكن، وربما هي محاولة سعودية اخيرة للحصول على بعض الميزات من القيادة السورية قبل التطبيع معها، ونحن نرجح الخيار الاخير لان المعارضة السورية اليوم بحكم المنتهية الصلاحية، فما الذي يمكن ان تقدمه هذه المعارضة للسعودية، بعد ان اصبحت ورقة محروقة عديمة الفائدة والتأثير.
الامر لم يتوقف عن هذا الحد بل يمكن القول أن السعودية تشارك المعارضة السورية في تسييس الحج والفساد الاداري الذي ينتشر في اروقة "الائتلاف المعارض"، اذ ان الجميع يعلم عن فساد الائتلاف المعارض فيما يخص الامور المالية للحجاج وحاليا تم تعيين لجنة مراقبة لهذا الامر، بعد اتهام بعض أعضاء الائتلاف للقائمين على لجنة الحج بوجود فساد مالي، ورغم الآلية المتبعة في اختيار الحجاج لا يخلو الأمر أحيانًا من محسوبيات ومحاولة فرض أعضاء الائتلاف لأسماء أشخاص للذهاب إلى الحج، وخاصة في المنحة الملكية التي قدمتهاالسعودية إلى اللجنة العام الماضي، إذ خرجت شخصيات عسكرية من مناطق ريف حلب الشمالي إلى جانب شخصيات سياسية من داخل الائتلاف ، بحسب ما قال مصدر مطلع على اختيار أسماء اللجنة.
وأعلنت السعودية عن تقديم منحة "ملكية" للحجاج السوريين تغطي تكاليف 200 شخص لأداء مناسك الحج، وتشمل المنحة شرائح من المجتمع السوري، بينهم علماء دين وناشطون وصحفيون وعاملون في الدفاع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وذوو الشهداء والمعتقلون، بعيدًا عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، وفق الأمين العام للائتلاف حينها، نذير الحكيم.
ويجري توجيه اتّهامات للرياض، بأنها تستغل موسم الحج، في خُصوماتها السياسيّة مع الدول، وحرمان مُواطنيهم من فريضة من استطاع إليها سبيلا (الحج)، وإيكال ملف الحج لـ"المُعارضة السوريّة"، يُعيد التّذكير بنفي المملكة المُتكرّر إعطاء الحج طابعاً سِياسيّاً، وطلبها من الحُجّاج العام الماضي، عدم رفع شِعارات سياسيّة، وتحذيرها من مغبّة ذلك، فيما يشكو حجّاج "سوريا" من حرمانهم من أداء الفريضة، أو التّضييق عليهم كما يحدث مع القطريين على خلفيّة أزمة المُقاطعة الشّهيرة مع قطر.
وتقديراً لخطوة السعوديّة، قدّم "الائتلاف السوري" الشّكر لها..، وهو ما يطرح تساؤلات بين المُراقبين، حول مدى نجاح تلك اللجّنة "بترتيب شؤون الحجّاج السوريين جميعاً دون استثناء" وبشكلٍ مُحايد، بغض النّظر عن توجّهات المُواطن السوري المُسلم إن كان مع حكومة بلده أم مع "المعارضة"، وبصفتها كما تقول على موقعها الرسمي أو اختيارها "الجهة الرسميّة" لتمثيل حجيج السوريين بعد سحبها من النظام مايو/ 2013، أو مُجرّد خوضها مُناكفات سياسيّة مع الحُكومة المركزيّة في دِمشق المُعترف بها دوليّاً؟.