الوقت- في بداية اجتماع إدارته يوم الاثنين، وصف دونالد ترامب انسحاب قوات بلاده من سوريا بالخبر السار، وقال إنه يمكن أن يتعامل مع شركات النفط هناك والتي تدرّ أموالاً لأمريكا.
كذلك أكد وزير الدفاع الأمريكي "مارك إسبر" أن إدارة ترامب تحقق في نشر عدد من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، بالقرب من حقول النفط التي يسيطر عليها الأكراد.
الارتباك الأمريكي في سوريا يتّخذ أبعاداً جديدةً كل يوم، وهذا واضح في الانتقادات الداخلية لسياسة ترامب الخارجية، ولكن ما هي أسباب وأهداف البيت الأبيض لاتخاذ مثل هذا القرار؟
النفط السوري
قبل الحرب الأهلية، كانت سوريا تنتج أكثر من 380 ألف برميل من النفط يومياً، وفي عام 2002 وصل إلى حدّ أقصى قدره 667 ألف برميل، ومن هذه الكمية، كان يتم تصدير 140 ألف برميل.
كان مشترو النفط السوري هم فرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا وألمانيا وتركيا، وبعد الحرب بالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بصناعة النفط السورية، انخفضت هذه الكمية إلى 15 ألف برميل يومياً.
في استخراج الغاز أيضاً، كان إنتاج الغاز السوري 8 مليارات متر مكعب، وقد انخفض هذا إلى 3.5 مليارات متر مكعب في العام بعد الحرب.
في الحالة الطبيعية، تنتج سوريا 5٪ من نفط العالم، وكانت المنتج الوحيد للنفط في شرق البحر المتوسط.
كما أن أكثر من 80 في المئة من احتياطيات سوريا النفطية موجودة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، وفي المحافظات الكردية، هناك حوالي 1330 بئر نفط.
تخضع حوالي 13 في المئة من موارد النفط السورية لسيطرة الحكومة حالياً، ويشمل ذلك آبار النفط في "التيم" و"الورد" في دير الزور، وهناك بئران صغيرتان هما "جزل" و"حيان" في محافظة حمص.
لكن في حقول الغاز، فالمسألة معكوسة تقريباً، حيث تمتلك الحكومة 70 في المئة من احتياطيات الغاز، مثل حقل "الشاعر" الكبير للغاز، بطاقة تبلغ 3 ملايين متر مكعب.
شهدت الظروف السياسية والجيو اقتصادية في سوريا بعد الحرب الأهلية تغييرات وتعقيدات خاصة، وبالنظر إلى الحاجة المتبادلة للقوات الكردية (مثل قوات سوريا الديمقراطية) والحكومة السورية، أثناء الهجوم التركي على منبج في يناير 2018، جرت مفاوضات بين الأكراد والحكومة السورية، وكانت قوات سوريا الديمقراطية بحاجة إلى الحكومة المركزية لنقل النفط، لذا تم تسليم حقول النفط في شمال دير الزور وحقل "كونيكو" للغاز إلى الحكومة.
أمريكا والأكراد والنفط السوري
لقد ركّزت السياسة الأمريكية منذ البداية على آبار النفط السورية، بحيث إن من 16 قاعدة أمريكية في سوريا، باستثناء قاعدة "التنف"، تركّزت بقية القواعد حول حقول النفط، مثل قاعدة "الشدادي" في جنوب حمص، أو قاعدة "هيمو" في القامشلي وقاعدة "خابور" في الحسكة.
وفي أعقاب الخيانة الأمريكية الأخيرة للأكراد السوريين والهجوم التركي على شمال شرق سوريا، تغيرت المعادلات السياسية بفعل قضايا سوريا الجيوسياسية، ما أثّر أيضاً على العلاقات بين الأكراد والحكومة المركزية.
لقد دخل الجيش السوري الرقة بعد الاتفاق مع القوات الكردية بعد خمس سنوات، وبدأ ترميم وإعادة بناء حقول النفط والغاز في حماة وحمص.
يعدّ حقل "الثورة" أحد أهم حقول النفط في هذه المنطقة، وهو قادر على إنتاج 6 آلاف برميل نفط يومياً.
هذه الحقول تضرّرت بشدة جراء هجمات التحالف، ومثل هذا التعاون بين الحكومة السورية والقوات الكردية سيعزز قوةً اقتصاديةً في سوريا، ما يخلق أرضيةً قويةً لمواجهة القوات الأجنبية، ومثل هذه النتيجة ليست مقبولةً بأي حال من الأحوال لأمريكا، لأنها تضغط على الحكومة المركزية من خلال فرض عقوبات على النفط السوري، ويتيح وصول الحكومة إلى هذه الحقول متنفساً كبيراً للحكومة السورية.
تقع معظم حقول النفط السورية في محافظتي دير الزور والحسكة، والتي تسيطر عليها الآن قوات سوريا الديمقراطية، وبعد أن دخل الجيش السوري الرقة، واجه دعم سكان الحسكة، وبالتالي فإن وصول الحكومة السورية إلى حقول الحسكة، يشكّل تهديداً خطيراً لأمريكا.
لذلك، يسعى ترامب إلى منع التقدّم في توحيد الحكومة المركزية والقوات الكردية، عبر إعلان التعاون مع الأكراد، وبالتالي خلق صراع جديد بينهما حول حقول النفط والغاز.
من ناحية أخرى، تعرّض ترامب لانتقادات شديدة من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ إعلان خروجه من سوريا، وسعى إلى الحدّ من هذه الانتقادات من خلال الإعلان عن التعاون مع الأكراد بشأن حقول النفط، لذا فإن سياسة ترامب تركّز على الأرباح الاقتصادية والحفاظ على مكانته السياسية بين النخب السياسية الأمريكية للانتخابات المقبلة.
كما أن الإعلان عن مغادرة سوريا من قبل ترامب، كان يهدف لجمع الرأي العام الأمريكي إلى جانبه، وقد أدّى ذلك إلى عدم وجود استراتيجية واضحة لديه في سوريا.
وفي هذا الصدد، قال "مايكل شارينوف" الأستاذ المساعد بجامعة الدفاع الوطني بمركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى وجنوب آسيا، إن "الوجود الأمريكي بالقرب من حقول النفط قد يمهد الطريق لمواصلة مهامه لمكافحة الإرهاب في سوريا، والاحتفاظ بعدد قليل من القوات الأمريكية في سوريا، لكن خطوط مهمة البنتاغون المقترحة لا تزال غير واضحة ومربكة تماماً".
جزء من سياسة ترامب الجديدة هو عدم الثقة بتركيا، ورغم أن تركيا وترامب قد توافقا معاً بشأن الأكراد، ولكن الارتباك واضح في سياسة كلا الطرفين.
على سبيل المثال، قاعدتا "هيمو" و"لافارج" الموجودتان في المناطق الغنية بالنفط في شمال شرق سوريا لتدريب قوات سوريا الديمقراطية، تقعان على بعد 20 كم و 4 كم من تركيا على التوالي. وعن طريق إخلاء هذه القواعد، فإن حقول نفطها تصبح تحت تصرف القوات التابعة لتركيا أيضاً، وبالتالي فإن أداة الطاقة هنا أيضاً ستكون ضد المصالح الأمريكية.
في المجموع، ما اتضح حتى الآن هو أن أمريكا لن تكون حليفاً موثوقاً به للأكراد، كما أن عدد القوات الأمريكية المتبقية في سوريا لا يتجاوز عدة مئات، وليس لديها أي أمر للمخاطرة بحياتهم، ولذلك، فإن وجودهم استعراضي، وبدلاً من أن يضمنوا أمن الأكراد، على القوات الكردية حمايتهم من الآن فصاعداً.
من ناحية أخرى، لا تستطيع أمريكا لا جيوسياسياً ولا سياسياً ضمان استخراج النفط وتصديره لقوات سوريا الديمقراطية، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله ترامب بالنسبة إليهم، هو حضور عدد قليل من الشركات الأجنبية لعقد اتفاقات معهم لاستخراج النفط، الأمر الذي يمكن للأكراد فعله مع الحكومة السورية أيضاً.
ولكن الأهم هو أن حاجة قوات سوريا الديمقراطية لنقل النفط وكذلك الأمن، هي إلى الحكومة السورية أكثر من أي جهة أخرى.
لذلك، فإن القوات الكردية في وضع حاسم لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، والقضية الحاسمة التي تحدد مستقبلها الاقتصادي والأمني، تعتمد على التفاوض والتعاون مع الحكومة السورية المركزية.