الوقت- تحولت أزمة النفايات التي يشهدها لبنان منذ مدة الى خلاف سياسي بين الفرقاء الاصليين لاسيما تيار 14 آذار الذي يتزعمه حزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء الاسبق سعد الحريري وتيار 8 آذار الذي يتزعمه حزب الله والذي يطالب بالاسراع في إيجاد حل لهذه الأزمة ويحمّل الحكومة مسؤولية التقصير في هذا المجال.
وبدأت الأزمة حين تمّ إقفال مطمر "الناعمة" في 17 يوليو الماضي الذي كان يستوعب نفايات العاصمة بيروت ومختلف أقضية محافظة جبل لبنان، لعدم قدرته على الاستيعاب، بعد أن طمر فيه قرابة 20 مليون طن من النفايات على امتداد 18عاماً، وتوقفت شركة "سوكلين" التي كانت تقوم برفع النفايات من الشوارع عن عملها بسبب إقفال المطمر وعدم وجود مطمر بديل.
ويستمر البحث حالياً عن أماكن مؤقتة لجمع ما تيسر من النفايات المتراكمة في الشوارع، ريثما تنتهي هذه الأزمة، لاسيَّما في منطقة جبل لبنان، كما يستمر رمي النفايات بطريقة عشوائية في أماكن مضرة للبيئة والمياه الجوفية أحياناً، إضافةً إلى تهريب الشاحنات المحملة بالنفايات إلى أكثر من منطقة، وكذلك عمليات حرق القمامة في الشوارع. وقد تم تسليم العروض إلى الشركات المهتمة بمناقصات النفايات المنزلية، وكان من المقرر أن تقوم اللجنة الوزارية المكلفة بدرس العروض لهذه المناقصات، بفضّ العروض خلال الأسبوع الحالي، لكن الأمر تأجل إلى الأسبوع المقبل.
وتحولت حملة الاحتجاج التي حملت عنوان "طلعت ريحتكم" الى متنفس للتعبير عن الغضب المتراكم من الانقسام السياسي والمحاصصة الطائفية في البلاد والفساد المستشري في مرافق الدولة في ظل حكومة تعمل منذ أكثر من عام تحت بند تصريف الأعمال وانعدام الاتفاق بين الاطراف الفاعلة والمؤثرة في البلاد بشأن انتخاب رئيس الجمهورية واجراء الانتخابات البرلمانية .
ويرى المتابعون للشأن اللبناني أن حل أزمة النفايات يكمن بتفعيل دور السلطة المحلية خاصة دور البلديات، وكذلك من خلال اعتماد عمليات فرز النفايات من المصدر، بعد إرشاد وتوجيه المواطنين إلى كيفية القيام بذلك، وهكذا يتم إعادة تدوير نسبة من هذه النفايات والإفادة منها، لكن السلطة السياسية في لبنان لا تزال ترفض أن تتولى البلديات حل هذه الأزمة.
وأشارت بعض المصادر الى أن وزير البيئة اللبناني محمد المشنوق وضع شروطاً صعبة التنفيذ للشركات التي ترغب في التزام النفايات، ولم يضع حلولاً عملية لهذه الأزمة، إضافةً إلى العجز الذي تعاني منه السلطة السياسية في لبنان نتيجة الخلافات بين مكوناتها، والسبب في ذلك يرجع إلى طبيعة النظام السياسي في هذا البلد.
وكان وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور حذّر في تصريح له منذ أيام من تجاوز الخط الأحمر، حيث أصبحت صحة المواطن اللبناني على المحك جرّاء أزمة النفايات وقال إن الأضرار كبيرة على المياه وعلى الغذاء وكذلك على الهواء، وهذا الأمر بات يشكل خطراً متمادياً على صحة اللبنانيين، فيما أعلن وزير الصناعة حسين الحاج حسن في مؤتمر صحفي سابق، أن من بين أسباب أزمة النفايات في لبنان الإصرار على المحاصصة والمنافع السياسية والمالية والاحتكارية من قبل بعض الفرقاء، وعدم وضع الخطط المُقرة منذ سنوات طويلة موضع التنفيذ.
وكان مجلس الوزراء اللبناني قد رفض الثلاثاء جميع المناقصات المتعلقة بأزمة النفايات في البلاد، وسط مشادات داخل الجلسة التي شهدت انسحاب عددٍ من الوزراء. وبُعيد الجلسة أكد وزير الإعلام رمزي جريج أن أضرار أزمة النفايات ليست محصورة بطائفة أو بمنطقة أو بفئة أو بحزب وإنما هي حالة وطنية شاملة تتطلب علاجاً فورياً بعيداً عن كل الصراعات والاختلافات والتباينات.
في هذا السياق قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل المنضوي في كتلة التغيير والإصلاح التابعة للعماد ميشال عون، أن الكتلة انسحبت من جلسة الوزراء "لان هناك مسرحية في موضوع النفايات" حسب تعبيره.
وكان حزب الله قد أصدر بياناً اعتبر فيه أن أزمة النفايات هي وجه من وجوه الفساد المستشري والمتراكم خلال العقدين الأخيرين، مشيراً الى ان هذه الأزمة ما كانت لتصل إلى مستوى المأزق لو تم الالتزام بخطة استراتيجية طرحت معالمها في العام 1997 وتم التأكيد عليها في العام 2010، ولكن لم تحرك الإدارات المعنية أي ساكن من أجل تنفيذها، خدمة لأطماع شخصية وسياسية على حساب مصالح المواطنين.
واكد بيان حزب الله على حق التظاهر السلمي والاعتراض البنّاء، مشدداً على أن الحلول المنصفة ستهدئ النفوس وترسم خطوات العمل لمصلحة الناس في هذا الملف المهم.
ويعتقد أن مشكلة النفايات تكمن في غياب خطط استراتيجية خاصة لحلّ هذه الأزمة التي تهدد حياة الإنسان وصحته والبيئة، إضافة إلى الاقتصاد والموسم السياحي، ولا يمكن وصف ذلك إلا بكونه تخلي الدولة عن مسؤولياتها في هذا المجال. ويظل السيناريو الأقرب للواقع والناجز للجميع هو استقالة حكومة تمام سلام وانجاز قانون انتخابي جديد، وآلية هذين الأمرين ستكون مرهونة بمدى الشد والجذب بين مكونات الطبقة السياسية اللبنانية.
ويبقى التساؤل قائماً : هل ينجح لبنان في تخطي هذه العقبات أم سيواجه مصيراً مجهولاً وسط تحذيرات من مخاطر فراغ المؤسسات الناجم عن عدم انتخاب رئيس للبلاد منذ أكثر من عام وعدم اجراء الانتخابات البرلمانية بسبب الخلافات بين الفرقاء السياسيين بشأن قانون الانتخابات بالاضافة الى التهديدات الأمنية والاجتماعية التي تواجهها البلاد منذ زمن ليس بالقصير .
وهناك تساؤل آخر مرهون بتمدد التظاهرات وثباتها عند مطالبها كي لا ترتد الكرة إلى ملعب السياسيين وقادة الطوائف والأحزاب في لبنان، وتخضع هذه القضية إما لآلية الاحتواء وتفريغ الفاعلية والمطالبات من مضمونها وينتهي الأمر عند قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" التي هي إحدى تجليات اتفاق الطائف، أو كورقة ضغط توظف من جانب فريق سياسي لتسجيل انتصار على الفريق الآخر، وهو الأمر المعتاد في لبنان تجاه تحركات وفعاليات الشارع العفوية.