الوقت- "لماذا يجب أن تكون أمريكا موجودة في منطقة الخليج الفارسي؟" هذا هو السؤال المهم الذي يدور في عقول العديد من المحللين الغربيين، وفي المعادلات الإقليمية الحالية، وقد أجبرت أمريكا نفسها على دعم مملكة لا توجد فيها ديمقراطية، وهي السعودية.
وحول هذا السياق، أثار "كيث جونسون" الكاتب والمحلل السياسي في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مرة أخرى هذا السؤال بعد الهجوم الذي نفّذته قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية على شركة "أرامكو" السعودية، حيث كتب: "هل ينبغي على أمريكا أن تقدّم حياة وأموال شعبها لحماية تدفق النفط في الخليج الفارسي، بينما يقول الرئيس دونالد ترامب دائماً بأن أمريكا لديها استقلال في الطاقة".
من هم الأشخاص الذين أدخلوا أمريكا إلى منطقة الخليج الفارسي؟
كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس الأمريكي السابق "فراكلين روزفلت" التقى مع الملك "عبد العزيز آل سعود" سرّاً على ظهر السفينة الحربية "كوينسي" بعد الحرب العالمية الثانية في البحيرات المرة بقناة السويس في مصر عام 1945م.
ومنذ ظهر عصر النفط وأمريكا هي أعلى الدول استهلاكاً للنفط في العالم، وكما ورد في كتاب "دم ونفط" فإن أمريكا تستهلك يومياً 20 مليون برميل نفط من إجمالي 80 مليون برميل يتم إنتاجه عالمياً.
وبعد أن أمدّت أمريكا دول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية بـ 6 مليارات برميل من النفط، خسرت الكثير من إنتاجها المحلي، فبدأت تبحث عن مصادر جديدة للنفط غير إنتاجها المحلي، فتوجهت أنظارها بالطبع لمنطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي وجزيرة العرب، فأعلن "روزفلت" في ذلك الوقت أنه يريد رؤية الملك "عبدالعزيز" في السعودية وذلك للتفاوض والتباحث حول عمليات استخراج النفط.
"فرانكلين روزفلت" أول من قال أن الدفاع عن السعودية ومواردها النفطية الهائلة وسيلة للدفاع عن المصالح الأمريكية.
والأهم من ذلك، أنه في الثمانينيات وبعد انسحاب بريطانيا الكامل من غرب آسيا، تم الاتفاق على ذلك الأمر المتمثّل بضرورة الدفاع عن السعودية ومواردها النفطية.
وفي هذا السياق، صرّح "جيمي كارتر" الرئيس الأمريكي السابق بأنه يعتقد أن أمريكا لن تسمح بالتأثير الأجنبي على موارد النفط التي تتدفق من منطقة الخليج الفارسي حتى لو كانت هناك حاجة إلى تنفيذ عمل عسكري.
وعندما بدأت حرب العراق ضد إيران، سمحت أمريكا لنفسها بالوفاء بهذا الالتزام عسكرياً ولقد استغلت واشنطن ذلك الالتزام المزعوم المتمثل بحماية منابع النفط في الخليج وقامت بإرسال المئات من جنودها خلال الحرب العراقية الكويتية بين عامي 1991 و1990.
ولكن الأحداث التي وقعت خلال السنوات الماضية، كشفت بأن أمريكا لم تأتِ إلى منطقة الخليج الفارسي من أجل النفط فحسب، بل أيضاً كان لها هدفان آخران ذكرهما "ستيفن كوك" في دفتر مذكرات مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وهما حماية الأمن الإسرائيلي وعدم السماح لأي دولة في المنطقة بأن تكون هي القوة القوية والمسيطرة على هذا الخليج الاستراتيجي والمهم.
"ترامب" والقرار الحاسم والمصيري
بعد الهجوم على شركة "أرامكو" النفطية السعودية، اتخذ البيت الأبيض قراراً حاسماً لتأمين تدفق النفط من منطقة الخليج الفارسي. وفي هذا السياق، كتب "فيليب جوردن"، خبير الشؤون الخارجية الأمريكية، حيث قال: "تدرك الحكومة الأمريكية أنه إذا فشلت في الرد على الهجوم، فإن طهران سوف تزداد قوة، لكن ترامب يعلم أيضاً أن توجيه ضربة عسكرية لإيران يمكن أن يؤدي إلى صراع أكبر، وسيخلق أزمة في الطاقة العالمية، وسيرفع أسعار النفط الأمريكي، وهذا الأمر قد يثير حالة من الغضب ضده خاصةً وأنه لم يتبقَ على عقد الانتخابات المقبلة سوى عدة أشهر ولهذا فلقد تجنّب ترامب القيام بالمزيد من الحروب في منقطة الشرق الأوسط".
وحول هذا السياق، كتب "ترامب" تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بعد الهجوم على "أرامكو"، حيث قال: "لماذا يتعيّن علينا حماية ممرات الشحن لسنوات عديدة دون أن تدفع البلدان الأخرى أي تكلفة؟".
وفي وقتنا الحالي يقول بعض المحللين، مثل "سكوت سافيس"، إنه لا يزال من المفيد لأمريكا أن تبقى في منطقة الخليج الفارسي، لأنها تستطيع تشكيل التطورات المستقبلية في المنطقة لمصلحتها الخاصة، وإلا فإنه ينبغي عليهم الإجابة على هذا السؤال قبل أن تقرر مغادرة المنطقة، هل من المقرر أن تلعب روسيا والصين دوراً أكبر في منطقة غرب آسيا؟ أم إنها ستفتح المجال لدخول الجيش الأوروبي إلى هذه المنطقة؟.
ووفقاً لـ"كيث جونسون"، تعدّ الصين التي تمتلك العديد من الأساطيل البحرية الكبيرة، أبرز المرشحين للحضور في منطقة الخليج الفارسي بعد خروج أمريكا، وقد يكون هذا أحد أهم الأسباب التي تجعل "ترامب" متردداً في مغادرة هذه المنطقة.
تعدّ الصين أيضاً أكبر مستهلك للنفط في العالم وأكبر مستورد للنفط من الخليج الفارسي وخلال السنوات الأخيرة حضرت الصين بشكل كبير في العديد من الموانئ العالمية، ولديها حالياً قاعدة عسكرية في جيبوتي وتشارك أيضاً في عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال.
الخلاصة
لقد كانت أمريكا مترددة في شنّ هجوم عسكري على إيران وذلك لأنها تعلم جيداً بأن ذلك الهجوم سوف يكلّفها الكثير، وفي وقتنا الحالي لا تنوي واشنطن مغادرة المنطقة وذلك بسبب تنامي النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، لذا فهي تحاول خفض تكاليف وجودها في المنطقة، من خلال خفض الدعم عن السعودية.
ولقد أظهر الهجوم الأخير على شركة "أرامكو" النفطية السعودية والقبض على آلاف من مرتزقة تحالف العدوان السعودي، أن الرياض قد وصلت الآن إلى نقطة صعبة في حربها مع اليمن، ولا يمكنها أن تستمر في هذه الحرب إلا بدعم أمريكي.