الوقت- تعيش بلادنا الاسلامية وللأسف فتنة مذهبية لا سابق لها، اذ تعيث المجموعات التكفيرية المتطرفة وتحت اسم الاسلام فسادا وتخريبا، تحت مسميات الجهاد لنشر الاسلام، منتهكة أعراض المسلمين أنفسهم في مفارقة عجيبة لا يمكن للعقل ادراك سببها. وهنا لا بد من الاشارة الى أعداء الامة من الداخل، وهم العلماء أو الأفضل أن نقول من يدعون العلم ممن يحرضون المسلمين على بعضهم البعض، في وقت نحن بأمس الحاجة الى الوحدة الاسلامية أمام الهجمة الاعلامية غير المسبوقة من قبل الاعلام الغربي والامريكي على الاسلام لتشويه صورته الحقيقية، واعطائه صبغة الارهاب التي لا تمت له بصلة. وكل ذلك من خلال لفت الانظار الى الممارسات التي تقوم بها مجموعات متطرفة تكفيرية لا تعرف من الاسلام الا اسمه، حركات فكرية هي بالاصل صنيعة الاستكبار العالمي الذي أوجدها لضرب الفكر الاسلامي الاصيل.
وهنا تبرز الحاجة الماسة الى العلماء العالمين بدينهم وزمانهم، ليقفوا صفا واحدا في وجه هذه الهجمة الممنهجة، والتي يريد من خلالها أعداء الامة نشر فوبيا "الاسلام" و"المسلمين" بعد الوعي الكبير الحاصل في الغرب اتجاه الدين الاسلامي، حيث أصبحت كلمة الاسلام في أدبيات الغرب وإعلامه مرادفة للارهاب. ومن المؤشرات التي تؤكد أن ربط الاسلام بالارهاب موضوع ممنهج ومُتعمَّد استخدام الاعلام الغربي وبعض الاعلام العربي المأجور كلمة "الدولة الاسلامية" تعبيراً عن تنظيم إرهابي لا يمت الى تعاليم الاسلام بصلة.
التطرف الاسلامي المنشأ والأهداف
وأما حقيقة هذا التطرف! فلم يعد خفياً على أحد أن الغرب وأمريكا هما من أنشأ هذه الحركات، من خلال أتباعهم في بلادنا من الحكام والملوك الذين يدعون الاسلام زوراً. ولهذه الحقيقة الكثير من المؤشرات التي تؤكدها. فهذه الحركات التكفيرية التي تدَّعي العداء لأمريكا والکيان الاسرائيلي لم تقم إلى اليوم بأي عمل ضد الكيان الاسرائيلي أو بأي استهداف يضعف من سطوة أمريكا في العالم بل على العكس. وتكتفي بنشر الارهاب والقتل وسط البلاد الاسلامية وإطلاق أحكام الكفر على غيرها من الفرق الاسلامية. أما المؤشر الآخر فهو ما يجري اليوم في سوريا والعراق من حرب يغذيها الغرب وبعض الدول العربية وحتى الاسلامية بالمقاتلين المغرر بهم القادمين من كافة أنحاء العالم، بما في ذلك دول أوروبا وأمريكا مما يؤكد أن هذه الدول راضية عما يحصل. وكيف لا ترضى؟ وكل ما يحصل إنما بمباركتها ويبقى ضمن ما رسمته لبلادنا من مخططات مشؤومة.
دور المسجد الأزهر والحوزة الشيعية في مواجهة هذه المخططات
هنا يأتي دور قطبي العالم الاسلامي السني والشيعي، من الجامع الأزهر الى الحوزة الشيعية في قم والنجف الأشرف، بالوقوف في وجه هذه المؤامرات التي تُحاك ضد الأمة جمعاء والعمل على الوحدة الاسلامية. وفي هذا السياق لا بد من الاكبار والاجلال للخطوة الجريئة التي قام بها شيخ الازهر الشيخ "الدكتور أحمد الطيب" اذ رد على رسالة آيت الله الشيخ مكارم الشيرازي التي عايده فيها بمناسبة عيد الفطر السعيد وشكره على نهجه الوحدوي بين المسلمين. ومقترحاً عليه إقامة مؤتمر يجمع كبار علماء الشيعة والسنة للتباحث حول القضايا الخلافية والخروج بقرارات وخلاصات ملزمة للجميع.
وقد شكر الشيخ الدكتور أحمد الطيب الشيخ مكارم الشيرازي على رسالته مؤكدا على أهمية حفظ الوحدة الاسلامية. مشيراً الى أن الخلافات المذهبية لم تعد ضمن الخلافات الفكرية البحتة وتخطت ذلك لتؤدي الى حروب وهدر دماء المسلمين، والذي لا يقبله أهل السنة ولا أهل الشيعة، ولا يُفيد الا أعداء الأمة الذين يكمنون للمسلمين في كل تفصيل خلافي. بالاضافة الى ان أهل السياسة يستفيدون من هذه الخلافات الفكرية من أجل مصالحهم الضيقة ومن أجل القتل والتدخل في شؤون الغير وإهانة المقدسات الدينية.
وأكد الشيخ الدكتور على ضرورة الحوار بين علماء المذاهب الاسلامية، لنتمكن من دفع الأخطار التي تتهددنا جميعاً ولنخرج منتصرين من هذه الحالة. مقترحاً إصدار فتوى صريحة تقول بحرمة دماء الشيعة على السنة وكذلك الأمر من حرمة دماء السنة على الشيعة، متمنياً في النهاية على الشيخ الشيرازي المشاركة في هذا المؤتمر.
وفي نفس السياق تجدر الاشارة الى الدور الفاعل والكبير الذي تلعبه الحوزة العلمية الشيعية في النجف وعلى رأسها سماحة السيد علي السيستاني (حفظه الله) في مواجهة المخططات التكفيرية التي تُحاك للعراق وأهله. من توجيه للسياسة العراقية وحشد الشعب العراقي في وجه الحركات التكفيرية. بالاضافة الى التأكيد الدائم على حرمة دماء وأموال المسلمين وغير المسلمين وعدم جواز انتهاك الحرمات بأي شكل من الاشكال.
وختاما لم يعد من المبرر لعلماء الأمة ورجال دينها المسلمين وحتى المسيحيين الوقوف بموقف المتفرج أمام هذا الجنون الذي يضرب البلاد والعباد، فلا بد من موقف موحد في وجه الارهاب الذي يتآكل جسمنا، ولا بد من نبذ أبواق الفتنة من مدعي العلم، وسلب هذه الصفة عنهم والتي يستغلونها في نشر الفتن بدل نشر تعاليم الاسلام السمحة. وعندها فقط يتحقق الأمل بالوحدة والنصر في هذه الحرب المفتوحة علينا.