وبدأت هذه الأزمة بعدما امتنعت شركة "سوكلين" المرتبطة بتيار المستقبل والمسؤولة عن جمع النفايات في لبنان عن مواصلة أعمالها ولم يتم تكليف شركة جديدة للقيام بالمهمة بالإضافة إلى عدم استيعاب معامل تدوير النفايات في بيروت وغيرها من المدن للكميات الهائلة من هذه النفايات.
ومع إغلاق مطمر الناعمة الواقع إلى الجنوب من بيروت، رفضت بقية المناطق استقبال النفايات أو إقامة مطامر على أراضيها ما أدى إلى تراكم النفايات في شوارع العاصمة ومختلف المدن والبلدات اللبنانية وساهم الطقس الحار وارتفاع درجات الحرارة بانتشار الروائح المؤذية في كل المناطق.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية لهذه الأزمة بفعل الانقسامات والخلافات السياسية بين أطراف الحكومة انطلقت دعوات جماهيرية تطالب بإقالة البرلمان. وتضم هذه الدعوة ناشطين في المجتمع المدني اكثرهم من الشباب.
وتطورت الاحتجاجات لتطالب الحكومة بالاستقالة أيضاً بعد قيام السلطات بقطع خدمة الإنترنت في ساحة رياض الصلح القريبة من مقري مجلس النواب والحكومة. وتسببت هذه الاحتجاجات بإحراج الحكومة ما دعا رئيسها تمام سلام الى التلويح باستقالته، مطالباً في الوقت نفسه السياسيين بضرورة تحمل مسؤولياتهم أمام المواطنين.
وقال سلام في مؤتمر صحفي ان البلاد مصابة بالشلل بسبب الصراعات الداخلية، مؤكداً أنه لن يكون طرفاً في انهيار الدولة، في حين أعربت بعض القوى السياسية عن خشيتها من المجهول الذي ستواجهه البلاد في حال قُبلت استقالة سلام.
في هذه الاثناء أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تأييده للتحركات الاحتجاجية الشعبية التي شهدتها بيروت والتي تحمّل الحكومة والمجلس مسؤولية تفاقم الأزمات الاجتماعية وفي مقدمتها أزمة النفايات.
ونقلت بعض الصحف اللبنانية عن بري قوله إنه "عندما يقفل مجلس النواب ويُمنع من تأدية دوره بالتشريع والمحاسبة، فمن الطبيعي أن يطالب الشعب باستعادة وكالته وأن يتولى بنفسه المحاسبة".
وأضاف "من حق الناس أن يصرخوا، وما يحصل في الشارع حركة مشروعة، لكن في الوقت ذاته لا يجوز التفريط بالحكومة، لأنه ما من بديل منها إذا سقطت الآن، خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي".
ولفت بري الانتباه الى انه سبق له أن حذر من "أن أزمة واحدة من الأزمات المتراكمة التي يعاني منها المواطنون تكفي لإحداث ثورة"، مشدداً على وجوب أن يتخذ مجلس الوزراء في جلسته المقبلة قرارات الضرورة.
وفي وقت سابق أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن التهديد باستقالة رئيس الوزراء لن يحل المشكلة بل سيزيد الأمور تعقيداً في ظل الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري الذي ربما سيجر البلاد إلى النفق المظلم.
ويعتقد المتابعون للشأن اللبناني أن تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق سعد الحريري يسعى في هذه المرحلة الى تأجيج الاوضاع الامنية والاجتماعية في البلاد وإدخالها في دوامة الصراعات السياسية لتنفيذ أجندة خارجية تقف وراءها دول اقليمية في مقدمتها السعودية، في وقت تسعى فيه قوى 8 آذار التي يتزعمها حزب الله الى تهدئة الاوضاع من خلال مطالبة الحكومة بالقيام بمسؤولياتها تجاه المواطنين.
والتساؤل المطروح الآن هو: هل ينجح لبنان في تخطي هذه العقبات أم سيواجه مصيراً مجهولاً وسط تحذيرات من مخاطر فراغ المؤسسات الناجم عن عدم انتخاب رئيس للبلاد منذ أكثر من عام وعدم اجراء الانتخابات البرلمانية بسبب الخلافات بين الفرقاء السياسيين بشأن قانون الانتخابات بالاضافة الى التهديدات الأمنية والاجتماعية التي تواجهها البلاد منذ زمن ليس بالقصير.
وفي ظل غياب قدرة مجلس الوزراء على اتخاذ القرارات اللازمة كالتي تتعلق بتسديد رواتب العاملين والموظفين في الدولة وفي القطاع العام يرجح المراقبون أن تزداد الأمور سوءاً وتعقيداً ما لم تتفق الاطراف السياسية على صيغة جديدة لتسوية الأزمات في كافة المجالات.
ويعتقد أكثر المحللين أن حل الأزمة الاقتصادية يمكن أن يشكل البداية لحل بقية الأزمات، لكن يبدو أنه ليس هناك في الأفق ما يشير الى توفر حل لهذه الأزمة طالما بقيت القوى السياسية الأساسية في البلاد غير متفقة على المسارات العامة لبلوغ الإتفاق الوطني الشامل، وهو ما يضع البلاد أمام احتمالات صعبة لايمكن التكهن بنتائجها على المدى المنظور فضلاً عن البعيد.
ختاماً يمكن القول ان الحكومة اللبنانية تمر اليوم في مأزق حقيقي يتجلى بأكثر من ملف اقتصادي وأمني واجتماعي وما يحدث في الشارع اللبناني في الوقت الحاضر هو جزء من تداعيات هذه الأزمات التي تبحث عن حلول جذرية وواقعية وعاجلة وليس أنصاف حلول لاتغني ولاتسمن من جوع.