تركيا والتحول الى سياسة "صفر دبلوماسية مع الجوار"
كان ما سمي الربيع العربي الذي بدأ عام 2011 المنعطف الذي كشف اللثام عن حقيقة التوجهات التركية. وخلال فترة قصيرة لا تتعدى الاشهر بدأت المطامع العثمانية القديمة الكامنة في لب حزب العدالة والتنمية بالظهور الواحدة تلو الاخرى. لتتحول ومنذ ذلك الوقت نظرية "صفر مشاكل" الى "صفر دبلوماسية" فانتهجت تركيا سياسة دعم الاخوان المسلمين ان كان في تونس او مصر وذلك سعيا لايصالهم الى الحكم فيكونوا الحاكم باسم السلطان العثماني الجديد في بلادهم. ولكن كان ما كان في مصر من وصول الاخوان الى سدة الحكم وسقوطهم السريع والمدوي وما تبعه من خيبة لمن وراءهم من أنظمة ومشيخات نفطية.
وعلى صعيد الازمة السورية كانت تركيا اللاعب الابرز في المشروع العربي الاقليمي الدولي لاسقاط نظام الممانعة في دمشق بعد أن قدم لها الاخير كل ما أرادته من تسهيلات اقتصادية وامتيازات لا سابق لها في سوريا، اعتقادا من سوريا أن تركيا الجديدة هي الدولة الاسلامية غير العربية التي ستكون الحليف الاضافي في دول الممانعة. فقامت بفتح حدودها لالاف التكفيريين للدخول الى سوريا سعيا في اسقاط سوريا الدولة والوطن الواحد لكافة ابناءه. وهنا يمكن القول إن ما كان يسميه داوود اوغلو في ادبياته "الحد الاقصى من التعاون" تحول على ارض الواقع الى "الحد الاقصى من التدخل بالشؤون الداخلية". والى اليوم لم يجد هذا التدخل الخشن نفعا لتركيا، وصمود سوريا في وجه الحرب العالمية عليها خير دليل على ذلك.
لم يقتصر هذا التدخل والفشل على سوريا بل تعداه الى العراق، حيث تؤكد التقارير أن الارهاب الداعشي الذي يضرب العراق اليوم انما أتى بمؤامرة من بعض الدول الخليجية وبمباركة ودعم تركي. وأما الهدف التركي فهو بالدرجة الاولى ناهيك عن اضعاف العراق، تبديد الحلم الكردي باقامة دولة على حدود تركيا وذلك من خلال اشغال الاكراد والعراقيين بحرب مع تنظيم داعش الارهابي. الى ان وصلت الامور الى ما وصلت اليه اليوم حيث أن الاتراك وجدوا انفسهم مجبرين على دخول حرب مباشرة تحت مسمى الحرب على "داعش" وفي الواقع مواجهة مباشرة مع حزب العمال الكردستاني وذلك بعد سنوات من المفاوضات ظن الكثيرون أن السلام بات قاب قوسين او ادنى بين الطرفين لنشهد اليوم عودة الى الخانة الاولى من المواجهة بين الطرفين.
اما بالنسبة الى السياسة الخارجية التركية، فاتفاق على مضض مع امريكا من اجل محاربة "الارهاب" وعدم رضا روسي ايراني عن الاداء التركي، وافول الحلم التركي بدخول الاتحاد الاوروبي وامتعاض سعودي اماراتي من الدور التركي في مصر وقس على ذلك ما تريد من الفشل الدبلوماسي. طبعا دون أن ننسى استثناء الازدهار في العلاقات مع دولة قطر ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بالاضافة الى بعض المنظمات الاخرى التي يعلم الاتراك انفسهم وساسة حزب "العدالة والتنمية" أن العلاقات المميزة بهم لا تشكل أي قيمة مضافة لتركيا وانما هم عبء أكثر من أن يکونوا رصيداً.
أما اقتصاديا فإن المتابع للشأن التركي يدرك جيدا مدى تدهور الاوضاع الاقتصادية خلال السنوات الماضية حيث خسرت الليرة التركية جزءا كبيرا من قيمتها خلال السنوات الثلاث الماضية. والسبب الكلفة الكبيرة لسياسات تركيا الخارجية بالاضافة الى السخونة على جبهات جيران تركيا واغلاق السوق العراقية والسورية امامهم. بالاضافة الى اضطرار تركيا اليوم الى دخول حرب مباشرة تكلف تركيا الملايين يوميا.
اما الشأن الداخلي التركي فـ"حزب العدالة والتنمية" ليس بافضل حالا، وبعد صعود نجم الحزب برئاسة اردوغان خلال السنوات ما قبل 2011 فان الانتخابات التركية الاخيرة اثبتت أن حزب العدالة والتنمية بدأ بالافول تركياً ويؤكد سياسيون أتراك معارضون أن القمع الذي يعتمده اردوغان في مواجهة معارضيه بالداخل بالاضافة الى السياسات العدوانية اتجاه بلدان المنطقة قد ألّبت شريحة كبيرة من الشعب التركي عليه. ويؤكد هؤلاء أن محاولة اعادة الانتخابات البرلمانية ستكون حجر الدومينو الاخير الذي سينهي سطوة "العدالة والتنمية" وذلك على عكس ما يعتقد ويمني النفس به اردوغان.