الوقت- في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بدء الأزمة الخليجية، وفي اختراق كبير لحصار قطر الذي بدأ في العام 2017، عمد رئيس وزراء مملكة البحرين، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، للاتصال بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وقد تزامن اتصال المسؤول البحريني، الذي أكّد أنه كان للتهنئة بحلول شهر رمضان الكريم، مع إجراء سعودي تمثّل بترحيب الرياض بالمواطنين القطريين الراغبين في أداء مناسك العمرة هذا العام.
وقد أوضحت وزارة الحج والعمرة تخصيص مسار إلكتروني خاص بالمعتمرين القطريين بتوجيهات ومتابعة من الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفق البيان السعودي.
السعوديّة رفضت القيام بمثل هذه الخطوات في العام 2017 و2018، لكنّ فشل الحصار على قطر، ونجاح الأخيرة في الإمساك بزمام المبادرة دفع بالرياض وغيرها من الدول للتخفيف من إجراءاتها ضدّ قطر، شرط ألّا يُظهر هذا الأمر الضعف الخليجي.
لكن، وبعد ساعات على اتصال الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، سارع وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة إلى شنّ هجوم على الدوحة، مؤكداً أن "الاتصال الذي جرى بين رئيس وزراء البحرين وأمير دولة قطر لا يمثل الموقف الرسمي للمملكة".
لم يقتصر كلام وزير الخارجيّة البحريني على ذلك، بل عمد إلى الدفاع عن الإمارات في تغريدة نشرها على حسابه في موقع "تويتر": "نعلم بأنه ليس من سياسة الإمارات رفع القضايا في المحاكم الدولية وإن كانت على حق، إنما قطر هي التي لم تتردد في السابق في رفع القضايا في كل مكان، وباستخدام الأوراق المزوّرة وبالغش والخداع دون أي رادع"، ويشير كلام خالد آل خليفة إلى الجلسة القضائية التي شهدتها محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، حول اتهام قطر للإمارات بممارسة التمييز العنصري بحق القطريين على خلفية اندلاع الأزمة الخليجية.
تحمل هذه التطورات المتسارعة في الأزمة الخليجية أبعاداً ودلالات على أكثر من صعيد، منها ما يرتبط بالداخل البحريني، ومنها ما يتعدّاه إلى الواقع الخليجي، يمكن الإشارة إلى هذه الأبعاد بجملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: يخطئ من يرى بأن هذا الاتصال بادرة خير لحلحلة الأزمة الخليجية، إذ يؤكد اتصال رئيس الوزراء الانقسام الداخلي في العائلة الحاكمة في البحرين، ولاسيّما بعد تأكيد وزير الخارجيّة البحريني على أنّه لا يمثّل المملكة.
باتت معروفة توجّهات رئيس الوزراء البحريني في الحوار والتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين، واستقبال أبرز قيادتهم إعراباً عن الوقوف إلى جانبهم في أوقات الشدّة، فضلاً عن عدائه مع الإمارات، لذلك يعزّز هذا التصرّف من الرجل القوي في المملكة، كما تصفه العديد من مراكز الأبحاث، الحديث القائل بمعارضته لحصار قطر كونه يرتبط بأجندات خارجيّة، سعوديّة إماراتيّة، ولاسيّما أنّه تعرّض لمحاولة انقلاب فاشلة من الجناح المدعوم إماراتياً وسعوديّاً.
نرى أن صراعاً يلوح في القصر الملكي بين الملك من جهة، ورئيس الحكومة من جهة أخرى، وقد يصل هذه المرّة إلى محاولة الانقلاب مجدّداً على آل خليفة بعد فشله في الانتخابات البلدية والتشريعية التي عُقدت في نوفمبر من العام الماضي.
ثانياً: الاتصال البحريني أزعج الجانب الإماراتي كثيراً كونه يتزامن مع بدء أولى جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، للنظر في شكوى أبو ظبي، التي تطالب فيها الدوحة بسحب شكواها أمام لجنة مكافحة جميع أنواع التمييز العنصري في جنيف من جهة، ولاسيّما أنه صدر من رئيس الوزراء البحريني من جهة أخرى، فقد نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في يونيو من العام الماضي، عن مصادر، أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقفان مع ملك البحرين، ويرغبان في تهميش رئيس وزرائه.
وأضافت تلك المصادر: إن ابن زايد "يسعى إلى مزيد من النفوذ في البحرين، ويعتبر الملك صديقاً وحليفاً مقرّباً له". لذلك، سارع وزير الشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش للهجوم على قطر بعد الاتصال الهاتفي عبر تغريدة له، مؤكداً أن "أزمة الدوحة طالتها وأنهكتها، وقوّضت سيادتها، وأحد الأسباب هو فقدان الجرأة والشجاعة اللازمة للمراجعة والتراجع عن سياسات أضرت بقطر وجيرانها، وأما اللجوء للإعلام والأخبار الكاذبة والتحرّك الدبلوماسي والمسار القانوني، فهو منطق العاجز المتكابر، وهذه رسالة لاهاي"، ليرّد مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطري، أحمد سعيد الرميحي، بعنف على قرقاش، قائلاً: "بل جرجرتكم بالمحاكم الدولية هو سلوك حضاري لا تفهمونه.. ومناسبة أيضاً لتعريتكم وكشف ألاعيبكم، وانتهاكاتكم الصارخة ضد المواطن القطري".
ثالثاً: بعيداً عن الإجراء البحريني وما تلاه من تجاذب، يشير الموقف السعودي الأخير إلى تراجع المملكة عن سياساتها السابقة التي أثبتت فشلها، بل عزّزت من دعم الشعب القطري لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، هناك من قرأ في هذه الخطوة رسالة مبطّنة من ولي العهد السعودي للتهدئة الإعلامية والسياسية بين الدوحة والرياض، فقد أزعجت السياسة الإعلامية لقناة الجزيرة كثيراً الأمير ابن سلمان فيما يتعلّق بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وبالتالي تعدّ هذه الخطوة رسالة للتهدئة الإعلامية مع الرياض على أقلّ تقدير، كون الخلاف القطري الإماراتي لا يزال آخذاً بالاتساع.