الوقت- بعد مرور فترة هادئة نسبياً من التوترات، قام قارب عسكري روسي يوم الأحد الماضي بالاشتباك مع عدد من السفن الأوكرانية في مضيق "كيرتش"، حيث قامت قوات البحرية الروسية بإطلاق النار على فرقاطتين أوكرانيتين كانتا متمركزتان في الممر المائي الواقع بين بحر "آزوف" والبحر الأسود، أدّت إلى مقتل وجرح عدد من الجنود الأوكرانيين ويقع هذا الممر المائي الاستراتيجي بالقرب من شبه جزيرة "القرم"، التي انضمت إلى روسيا في مارس 2018 بعد استفتاء قام به سكان هذه الجزيرة، وفي أعقاب هذه التوترات، سارعت الدول الغربية إلى إدانة روسيا وتوجيه اللوم على القوات الروسية، متجاهلين كل الاستفزازات الأوكرانية التي أدّت إلى نشوب تلك التوترات بين "موسكو" و"كييف" وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس الأوكراني "بترو بوروشنكو" دعا المجلس الأعلى للأمن القومي إلى فرض حالة الطوارئ في المناطق الحدودية لمدة شهرين ولفتت تلك المصادر إلى أن روسيا أحالت هذه القضية إلى مجلس الأمن للبت فيها، لكن للأسف الشديد لم يصل هذا المجلس حتى هذه اللحظة إلى نتيجة محددة ولذلك، ومن أجل مواصلة بحث هذه القضية ومعرفة مختلف أسباب وأبعاد بداية هذه التوترات بين "موسكو" و"كييف"، قام موقع "الوقت" الإخباري بإجراء مقابلة صحفية مع الأستاذ "حسن بهشتي بور"، الخبير السياسي في القضايا الروسية.
الأهداف المحتملة التي تسعى كلٌّ من روسيا وأوكرانيا لكسبها من إشعال فتيل هذه التوترات
قال الخبير السياسي في القضايا الروسية الأستاذ "حسن بهشتي بور" فيما يتعلق بالأسباب الرئيسية لنشوب هذه الجولة الجديدة من التوترات بين "موسكو" و"كييف"، أنها ترجع إلى قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها خلال الفترة السابقة والآن تعتبر هذه المنطقة ضمن الأراضي السيادية الإقليمية لروسيا، وبالتالي فإن السلطات الروسية ترى بأن دخول القوارب الأوكرانية إلى هذه المنطقة يعتبر أمراً غير مسموح به ولكن أوكرانيا ترى عكس ذلك وتقول إن لديها الحق في العبور من البحر الأسود والوصول إلى مضيق "كيرتش" ومنه إلى بحر "آزوف" وبناءً على ذلك يعتقد بعض الخبراء السياسيين بأن المحرك الرئيسي لتوترات الروسية الأوكرانية، يتمثل في محاولة موسكو إطلاق موجة من القومية الروسية دعماً للرئيس "بوتين"، والبعض الآخر يرى بأن الرئيس الأوكراني ينوي استغلال هذه الأزمة لكسب الود الأوروبي.
وهنا تذكر بعض المصادر الإخبارية بأنه من المقرر أن تجري الانتخابات الأوكرانية في مارس المقبل، وهذه المواقف العدائية لروسيا سوف تتيح لـ"بروشينكو" الفوز بالدعم الغربي والفوز بالانتخابات المقبلة وتقوية القومية الأوكرانية ولهذا، فإنه من الصعب حقاً الحكم من هو المسبب الرئيسي لهذه التوترات، هل هو الجانب الروسي أم الأوكراني، لكن ما يبدو مؤكداً هو أن الصدام بين روسيا وأوكرانيا سوف يضرّ بمصالح "موسكو" و"كييف" على حد سواء ويؤثر سلباً على أمن أوروبا أيضاً وهذه الأزمة سوف تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة أمريكا وحدها.
الحكومة العسكرية ذريعة "كييف" لقمع الانفصاليين المتمركزين شرق البلاد
وفيما يتعلق بأهداف البرلمان الأوكراني من إعلانه عن التصويت على فرض قانون الطوارئ لمدة شهرين في المناطق الحدودية، قال الأستاذ "بهشتي بور"، بأن أغلبية سكان المحافظات الشرقية الأوكرانية "هانسك" و"دونسكوي"، هم من الأصول الروسية ولهذا فهم يطالبون بالانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا ومنذ عام 2014 وحتى هذه اللحظة شهدت هذه المناطق الكثير من الأزمات والتوترات وهذا الوضع الاستثنائي والحكومة العسكرية في البلاد أعطت الرئيس "بوروشنكو" الفرصة لفرض سلطة الحكومة المركزية في هذه المناطق ولربما كانت هذه الخطوات سبباً في تنامي قلق روسيا، حيث ترى موسكو أن مثل هذه التحركات يمكن أن تُغرق حدود روسيا الغربية في حالة من الاضطراب وعدم الأمان.
الخلافات الواسعة بين روسيا والغرب وإتمام الحجة الروسية
يرى الأستاذ "بهشتي بور"، بأن عدم قدرة مجلس الأمن على التوصل إلى اتفاق بشأن إصدار بيان يخص الأزمة بين أوكرانيا وروسيا يصبّ في مصلحة البلدان الخمسة التي تمتلك حق النقض (الفيتو)، وأضاف: "لهذا السبب، فإن فرنسا وبريطانيا تعارضان بشده قرار روسيا المقترح، ومن ناحية أخرى، فإن روسيا والصين تعارضان أيضاً أي قرار يصبّ في مصلحة الجانب الأوكراني" ومع ذلك، فإن روسيا تدرك هذا بطبيعة الحال، لذلك يمكن رؤية أن الدافع الرئيسي للروس لإحالة هذه القضية إلى مجلس الأمن، يتمثل في إتمام حجة موسكو على الجانب الغربي ومن ناحية أخرى، فإن موسكو التي شددت في السنوات الأخيرة على استخدام آلية مجلس الأمم المتحدة لحل المشكلات الإقليمية، قامت بإتمام الحجة على الأمم المتحدة حتى لا تستغل أمريكا هذه القضية ولكي تتمكن موسكو من استخدام القوة العسكرية كما فعلت عام 2014.
الحدّ من التوترات في ظل إدارة الأزمات
أعرب الخبير في القضايا الروسية، الأستاذ "بهشتي بور" فيما يخص آفاق التطورات المستقبلية شرق أوكرانيا، بأن النزاعات والصراعات المسلحة قد تزداد في تلك المناطق الحدودية ويعتقد أن للأزمة في أوكرانيا تأثيراً كبيراً على أمن الحدود الغربية لروسيا، ولهذا فإنه من غير المرجح أن تستمر هذه الأزمة بين البلدين لأن كلا الطرفين يدركان حقيقة أنه إذا نشب نزاع عسكري مباشر بينهما، فإنهما سوف يخسران الكثير من جنودهما واقتصادهما ومن هنا، يمكن القول إن هذه الصراعات سوف تنتهي بين الجانبين إذا ما قام القادة السياسيون في كلا البلدين بإدارة هذه الأزمة بشكل سليم وصحيح لنزع تلك التوترات.