الوقت - بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري على الجماعات الإرهابية في مختلف مناطق البلاد طوال العامين الماضيين، وفي الوقت الذي يتحدث فيه معظم المراقبين عن قرب انتهاء الأزمة السورية، قامت أمريكا والأطراف الحليفة لها بتكثيف تدخلها في الشأن السوري ولاسيّما على الصعيد الميداني، ووصل الأمر إلى حدّ شنّ هجوم بري مباشر على الجيش السوري من قبل قوات ما يسمى "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن في منطقة "التنف" بمحافظة دير الزور والذي أدّى إلى إلحاق خسائر بشرية ومادية بالقوات السورية.
وهذه المواجهة البرية هي الأولى من نوعها بين الجيش السوري والقوات الأمريكية التي تتخذ من "التنف" في أقصى الجنوب الشرقي لحمص على الحدود (السورية - العراقية - الأردنية) قاعدة لها.
وجاء القصف الأمريكي بعد تصدي الجيش السوري لثلاث عربات أمريكية كانت تتقدم باتجاه إحدى نقاط الجيش عند منطقة "الهلبة" جنوب شرق "تدمر".
وبينما تعلن واشنطن أن الهدف من وجودها العسكري في سوريا هو دحر تنظيم "داعش"، لكن الحقيقة مغايرة لذلك تماماً، فكيف يمكن لمن يدّعي أنه أتى ليقضي على هذا التنظيم الإرهابي أن يحمي بقاياه ويحتضنهم؟! وهذا أمر بات معروفاً وواضحاً للقاصي والداني.
وتجدر الإشارة إلى أنّ "قاعدة التنف الأمريكية" شكّلت منطلقاً للعديد من الهجمات التي قام بها إرهابيو "داعش" ضد الجيش السوري في ريف دير الزور الشرقي، ورغم أن هذه الهجمات كانت صغيرة ومحدودة ولا يمكن لها أن تُحدث تغييراً في خارطة السيطرة إلّا أنها كانت تشغل الجيش السوري عن عملياته في البادية المتزامنة مع عمليات تطهير ريف دير الزور الشرقي.
فما هي أهداف أمريكا من وراء هذا الهجمات؟
يمكن تلخيص الإجابة على هذا التساؤل بما يلي:
- عرقلة المساعي السياسية الرامية لتسوية الأزمة السورية بالطرق السلمية.
- عرقلة تقدّم القوات السورية في بعض المحاور، خصوصاً في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد والتي تهدف إلى تحرير محافظتي "درعا" و"القنيطرة" بشكل كامل من الجماعات الإرهابية ومن بينها ما يسمى "جبهة النصرة".
- تسعى أمريكا للحفاظ على أدوات التأثير على الوضع "العسكري - السياسي" في سوريا بمساعدة الجماعات الإرهابية المسلحة.
- تسعى واشنطن إلى إبقاء التوتر في عموم سوريا لمواصلة مشروعها الرامي إلى زعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط برمته تمهيداً لتنفيذ خطتها المتمثلة بالسعي لتقسم دول المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والتحكم بمصيرها ومن بينها سوريا.
- الهجوم الأمريكي الأخير جاء لإعطاء الإرهابيين "دفعة معنوية" لمواجهة الجيش السوري، وسبق أن أوضحت دمشق في بيان بأنه كلما تقدّمت القوات السورية في معاركها ضد الإرهابيين تحركت القوات الأمريكية لدعمهم.
- تسعى أمريكا لجعل "التنف" والمناطق المحيطة بها ملاذاً لفلول الإرهابيين الهاربين من ضربات الجيشين العراقي والسوري ومحور المقاومة الذي تدعمه إيران في عموم المنطقة، وتسعى أمريكا كذلك لاستخدام هذه المناطق كورقة تهديد وضغط بوجه كلتا الدولتين "العراق وسوريا".
ومن الواضح أن الجيش السوري وضع خطّة لاستكمال تحرير المناطق المحاذية لمنطقة "الجولان" المحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي والمناطق الحدودية مع الأردن، وتركّزت المرحلة الأولى من هذه الخطّة على تحرير أرياف درعا من الإرهابيين على أن تكون مناطق "بصرَ الحرير" و"الكرك" و"المليحة" (الشرقية والغربية) وغيرها في مقدمة أهداف هذه العملية.
ويجمع المراقبون على أن التحذيرات الأمريكية بشأن عمليات الجيش السوري المرتقبة في الجنوب "درعا والمناطق المحيطة بها" لا علاقة لها بحفظ أرواح المدنيين كما تزعم واشنطن؛ بل هي تتعلق بالسعي لحماية "أمن إسرائيل" وإبعاد القوات السورية عن "الجولان المحتل".
ومن الواضح أيضاً أن الحكومة الأردنية تستعجل عودة الجيش السوري لحدودها، لفتح معبر "نصيب" الذي يوفر لها عوائد جمركية تقدر بنصف مليار دولار أمريكي.
وتدرك الحكومة الأردنية جيداً ضرورة انتهاء الصراع في سوريا لأنها ستستفيد من استئناف التجارة عبر الحدود لمواجهة الغليان الداخلي الذي اشتد في الآونة الأخيرة بسبب التردي الاقتصادي في الأردن.
ورغم المزاعم التي تطرحها واشنطن بشأن العملية المرتقبة للجيش السوري والتي تهدف إلى تحرير "درعا" والمناطق المحيطة بها من الجماعات الإرهابية يبقى الحق بيد الحكومة السورية فهي صاحبة القرار النهائي في اتخاذ أي إجراء عسكري يهدف إلى استعادة المناطق المحتلة من قبل الإرهابيين، كما تبقى واشنطن طرفاً أجنبياً لا يحق له التدخل في شؤون سوريا وغيرها من دول المنطقة طبقاً للمقررات الدولية، ولهذا لا يمكن أن تكون مزاعم واشنطن سبباً للحيلولة دون تحرير "درعا" أو أي منطقة أخرى في سوريا لأن هذا الأمر يرتبط بالقيادة السورية وحدها كونه يمثل حقّاً سيادياً أقرته القوانين الدولية من أجل حفظ وحدة واستقلال البلاد وإعادة والأمن والاستقرار إلى جميع ربوعها.
وتحظى عملية تحرير "درعا" بأولوية ملّحة لدى القيادة السورية، باعتبارها بوابة للنصر النهائي على الإرهاب، بعد أن تمكّن الجيش السوري من السيطرة على خطوط إمداد تنظيم "النصرة" في منطقة "اللجاة" شمال شرق درعا.
وبذلك استعادت القوات السورية زمام المبادرة وانتقلت من مرحلة التموضع إلى مرحلة استعادة الأرض على مختلف المناطق، ونجاح الجيش السوري في استعادة السيطرة على درعا سيعني في الحقيقة كسر العمود الفقري للإرهابيين وسيمثل صفعة قوية للمشروع الأمريكي ضد سوريا والمنطقة برمتها.