الوقت- المحاولات الأمريكية لم تستطع أن تُضعف الحشد الشعبي في العراق عبر البوابة السياسية التي أغلقها السيد مقتدى الصدر زعيم "حركة سائرون" الكتلة الفائزة بأكبر عدد من النواب في البرلمان، في وجه التحالف الأمريكي عبر تحالفه مع "ائتلاف الفتح العراقي"، لذلك اتجه التحالف هذه المرة لفتح البوابة العسكرية من جديد عبر توجيه ضربة عسكرية جوية لأحد فصائل الحشد الشعبي داخل الأراضي السورية ولكنه نفى ذلك فيما بعد وألقى الكرة في ملعب "إسرائيل" متهماً إياها صراحةً بذلك، فلماذا النفي وما الغاية من اتهام الصهاينة؟!.
ماذا حدث؟!
استهدفت غارة جوية بلدة شرق سوريا محاذية للحدود العراقية كانت تتمركز فيها قوات مشتركة من الحشد الشعبي وقوات تابعة للحكومة السورية، وأسفرت الغارة حتى كتابة هذه السطور عن استشهاد 52 مقاتلاً أغلبيتهم عراقيون، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم أمس الاثنين.
تبيّن فيما بعد أن الضربة استهدفت رتلاً عسكرياً خلال توقفه عند نقطة لقوات الحكومة السورية وحلفائها في بلدة الهري في محافظة دير الزور، وكان الإعلام الرسمي السوري نقل ليل أمس عن مصدر عسكري أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن استهدف مواقع عسكرية سورية في بلدة الهري في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، لكن واشنطن نفت في وقت لاحق ما نسب عن مسؤوليتها عن الهجوم.
تقاذف للتهم
في ظاهر الأمر إن لا أحد يريد أن يتبنّى هذه العملية بشكل رسمي، ولهذا وجّهت واشنطن أصابع الاتهام إلى تل أبيب في موقف غير مفهوم ويعدّ الأول من نوعه، ما جعلنا نتساءل عن سبب هذا الهروب، هل حقاً تخشى واشنطن غضب الحشد الشعبي وردّة فعله؟!.
واقع الأمر يقول نعم لأن القوات الأمريكية لها تجربة مريرة في هذا المضمار وما انسحابها من العراق إلا نتيجة لهجمات متكررة لقوات المقاومة العراقية على مواقع للقواعد الأمريكية هناك، لذلك تخشى واشنطن أن تتكرّر نفس التجربة في وقت ليست مستعدة فيه لهكذا خيار، لذلك فضلت الهروب على التبني.
في الأمس خرجت علينا قناة الحرة الأمريكية ناقلةً عن مسؤول أمريكي لم تسمّه "أن الغارات التي استهدفت مقاتلين عراقيين موالين للنظام السوري وإيران على الحدود العراقية السورية وقتلت العشرات منهم كانت غارات إسرائيلية".
ولم توضح القناة الأمريكية الناطقة بالعربية (المدعومة من الكونغرس) أي تفصيلات أخرى، كما لم يرد أي تعليق إسرائيلي على تصريح المسؤول الأمريكي بتحميل تل أبيب المسؤولية، وبتأكيد المسؤول الأمريكي مسؤولية تل أبيب عن الهجوم يكون هذا هو الهجوم الأول الذي يطول قوات موالية لإيران على الأراضي السورية بعيداً عن حدود الجولان.
الجهة المستهدفة هي كتائب حزب الله أكثر الفصائل العراقية عداء للقوات الأمريكية، لذلك من الطبيعي أن تحاول واشنطن التهرّب من المسؤولية، فالحشد الشعبي وإضافةً إلى قدرته على إدخال القوات الأمريكية في حرب استنزاف هو قادر اليوم على المواجهة السياسية الفاعلة مع واشنطن عبر البرلمان العراقي ولاسيّما في ظل التحالف الجديد.
"إسرائيل"
إذا كانت "إسرائيل" هي من شنّت هذا الهجوم العسكري فقد أدخلت نفسها اليوم في معادلة هي بالغنى عنها، كونها في الشرق السوري أولاً، ولأنها تستهدف فصائل الحشد الشعبي التي ستردّ بالتأكيد على هذا الاعتداء، وفي نهاية المطاف أي ردة فعل على جبهة الجولان على "إسرائيل" ستتحمل واشنطن تبعات ما سيجري.
الظروف اليوم مختلفة تماماً والكفّة ترجح لمصلحة الجيش السوري ضمن الأراضي السورية ولكتائب الحشد الشعبي في العراق على جميع الأصعدة ولاسيما السياسية والعسكرية منها، وما فعلته الطائرات الأمريكية يوم أمس يعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، وهذا لن يكون في مصلحة واشنطن ومن ينادي بعودتها إلى العراق، فهي في كل مرة لا تبدي أي حسن نية أو رغبة في تعاون جدي وحقيقي وفتح حوارات مع الأطراف العراقية على اختلاف انتماءاتها، وللمرة الألف تثبت واشنطن أن غايتها في العراق تخريبية وليست سلمية، وهذا سيكون بمثابة جدار جديد في مسار العلاقات مع أمريكا.
وفي هذا الإطار قالت النائبة عن الائتلاف فردوس العوادي في بيان إن "التحالف المشؤوم يثبت يوماً بعد يوم بما لا يقبل الشك أنه يعمل ضد العراق والمخلصين من أبنائه بالاستهداف والقتل تارة وبتمكين الإرهاب بأنواعه ومساعدته عليهم تارة أخرى".
وأضافت إن "التحالف الذي تقوده أمريكا واستمراراً لجرائمه المتكررة ضد المقاومة ارتكب ليلة أمس الاثنين جريمة نكراء لا يمكن أن تغتفر بقيامه في الحدود السورية العراقية بقصف أبنائنا من المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى من كتائب حزب الله العراق والعصائب والنجباء".
من جانبه اتهم ائتلاف دولة القانون بزعامة نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، الاثنين، قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، بقصف فصائل من الحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية.
هذا يوصل لنا رسالة مفادها أن المناخ السياسي العراقي اليوم على اختلاف انتماءاته لا يثق بأمريكا التي لم تجلب للعراق سوى القتل والدمار وكان لها يد في ظهور الجماعات الإرهابية، ومساندتها حتى اللحظة، فكتائب حزب الله عندما قصفتها طائرات التحالف كانت تقاتل "داعش"، وبالتالي فإن الجهة التي استهدفتها أيّاً كانت، تسعى لتعزيز قدرات تنظيم داعش الإرهابي.