الوقت- بعد انهيار نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي برز الاخوان المسلمون كقوة سياسية ومؤثرة في البلد، وسعوا للهيمنة على المجلس الوطني الانتقالي وتمكنوا من تحقيق ما كانوا يطمحون اليه بانتخاب مصطفی عبد الجلیل - العضو السابق في الاخوان- لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية التي اعقبت سقوط نظام القذافي. لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، وبدأ نشاط الاخوان يتضاءل ويضيق الخناق عليهم خصوصاً بعد انهيار حكم الإخوان في مصر. فما هي أسباب هذا التراجع ؟ وما هو وضع الاخوان في ليبيا في الوقت الحاضر؟
نبذة تاريخية:
تشكلت النواة الاولى لجماعة الاخوان المسلمين في ليبيا في زمن الملك ادریس السنوسي عام 1949 على يد ثلاثة من عناصر جماعة الاخوان في مصر هم (عزالدین ابراهیم، ومحمود یونس الشریبني، وجلال الدین ابراهیم سعده)، الذين لجأوا إلى ليبيا للتخلص من مطاردة السلطات المصرية في ذلك الوقت.
ورحب السنوسي بقدوم هؤلاء الاشخاص إلى ليبيا، لكن هذا الترحيب واجه إعتراضاً من قبل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر الذي أوعز على إثر ذلك بإغلاق الحدود المصرية مع مدينة الرقة شرقي ليبيا، إلاّ أن ذلك لم يمنع السنوسي من دعم الاخوان لاسيما في الجانب الثقافي حيث تمكن عز الدین ابراهیم من تنظيم حلقات ليلية في مساجد بنغازي لتعريف الشباب بفكر الاستاذ حسن البنا المؤسس والمرشد العام الاول لجماعة الاخوان المسلمين في مصر.
وبعد مدة انتشر تلاميذ عز الدین ابراهیم لإمامة الصلاة وإلقاء الخطب في المساجد في جميع أنحاء ليبيا. وفي عام 1954 أنشئ أول مكتب لجماعة الإخوان في هذا البلد بدعم من الملك ادریس السنوسي. لكن بعد حادثة اغتيال محیي الدین السنوسي - إبن عم الملك ادریس- على يد أحد عناصر جماعة الاخوان تم حظر جميع نشاطات هذه الجماعة في ليبيا، فاضطر عناصرها لاتباع أسلوب جديد لممارسة نشاطاتهم بشكل سري من خلال نشر الكتب والمجلات السياسية والدينية بعيداً عن أنظار الحكومة.
وفي أواسط ستينات القرن الماضي بدأ التنظيم السري لجماعة الإخوان نشاطه في بنغازي برئاسة الشيخ فاتح أحواص. كما بدأت تنظيمات أخرى تابعة للتنظيم بممارسة نشاطها في العاصمة طرابلس وبشكل سري أيضاً. ورغم أن أياً من أعضاء الجماعة لم يتم اعتقاله في تلك الفترة إلاّ أن نشاطاتهم كانت تخضع لمراقبة أجهزة الأمن الليبية.
وبعد وصول معمر القذافي إلى سدة الحكم في ليبيا عام 1969 إثر الانقلاب العسكري الذي اطاح بنظام الملك ادريس السنوسي، اعلن القذافي معارضته للاخوان المسلمين كما فعل جمال عبد الناصر مع الاخوان في مصر. ومع ان بعض عناصر الاخوان كانوا يشغلون مناصب حساسة في ليبيا حتى عام 1973، أصدر القذافي أوامره بمنع نشاطات الجماعة في إطار دعوته إلى فصل الدين عن السياسة، ما اضطر عناصر الاخوان إلى مغادرة ليبيا مرة أخرى وطلب اللجوء في عدد من الدول الغربية.
وفي عام 1980 عاد قسم كبير من جماعة الاخوان إلى ليبيا وكان جلهم من الطبقة المثقفة واساتذة الجامعات وبدأوا بإعادة تنظيمهم وممارسة نشاطهم في داخل البلد بشكل سري أيضاً.
وفي عام 1998 اعتقلت السلطات الليبية 150 من العناصر القيادية لجماعة الاخوان وأغلبهم من أساتذة الجامعات، في إطار حملة منظمة استهدفت هذه الجماعة وبلغت ذروتها عام 2002 عندما أصدر القضاء الليبي حكماً بإعدام عز الدین ابراهیم المشرف العام للاخوان وعدد آخر من قيادات التنظيم. وبسبب الظروف القاهرة غادر الكثير من عناصر التنظيم ليبيا مرة أخرى، فيما فضل آخرون التعاون مع سيف الاسلام نجل القذافي في إطار ما سمي مشروع "لیبیا الغد" للتخلص من ملاحقة القذافي الأب. ووصل التنسيق بين الجانبين درجة جعلت العديد من المراقبين يعتقدون بأن الاخوان أصبحوا جزءاً من الكيان السياسي في البلد خلال السنوات الاخيرة التي سبقت سقوط نظام القذافي في 20 أكتوبر عام 2011.
وكان لإنهيار نظام القذافي أثر كبير في صعود نجم الاخوان من جديد في ليبيا والذي تقارن مع فترة تسلم جماعة الاخوان مقاليد الامور في مصر. وفي آذار/مارس عام 2012 إنبثق حزب (العدالة والبناء) الذراع السياسي لجماعة الاخوان في ليبيا بقيادة محمد صوان. وحظي هذا الحزب بدعم التجار والاثرياء في البلد، وتمكن من مد نفوذه في داخل الكثير من مؤسسات الدولة. ورغم تعرضه لانتكاسات سياسية في السنوات الاخيرة لازال حزب العدالة والبناء يشعر بأنه في مركز يؤهله لحشد عدد كبير من المؤيدين ويتصرف وكأنه قوة متنفذة في المنظومة السياسية للبلد، بل راح يعمل في الآونة الأخيرة من أجل استعادة مكانته في دائرة صنع القرار في هذا البلد الذي يشهد صراعاً على السلطة تسبب بنزاع مسلح في الصيف الماضي وبانقسام بين سلطتين، حكومة يعترف بها المجتمع الدولي في الشرق (مدينة طبرق)، وحكومة مناوئة لها تدير العاصمة طرابلس منذ أغسطس/آب بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا".