الوقت- منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، غيّرت موسكو وبكين علاقاتهما من العداء خلال الحرب الباردة إلى المشاركة البرغماتية بهدف مشترك هو رفض النظام الدولي الأحادي الذي تقوده أمريكا. وعلى الرغم من أن العلاقات بين هاتين القوتين استراتيجية ويسعى كل طرف منهما إلى تقويتها وتحسينها إلا أنّ ما يحدّها هي المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية لكلا الطرفين، بما فيها النظرة الجيوسياسية المشتركة حول تعدد الأقطاب في النظام العالمي، وتسعى كلا الدولتين إلى كبح قوة الغرب وتحجيم الدور الأمريكي في العالم، وهما يرغبان في تغيير مركز القوة العالمية من أوروبا الأطلسية إلى الشرق عبر تفعيل هذه الشراكة الاستراتيجية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من طموح قادة البلدين في تعزيز التعاون، تبدو العلاقات بين البلدين حتى يومنا هذا معقّدة وغير موثوقة من كلا الجانبين. وبالرغم من عدم رضا الطرفين عمّا يسمى بالنظام الدولي، إلا أنّ هناك اختلافات جوهرية في نظرة كل واحد منهما حول هذا الموضوع.
النظرة الروسية للنظام العالمي
منذ عام 1945، استخدمت أمريكا المؤسسات الاقتصادية العالمية، والمنظمات الأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف، والقيم والقواعد السياسية الليبرالية، من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، وبعد نهاية الحرب الباردة، أعرب المسؤولون والمحللون الروس بشكل متزايد عن عدم رضاهم حول النظام الدولي الأحادي بقيادة أمريكا والذي لا يحقق إلا مصالحها على حساب المصالح الأخرى للبلدان في العالم، وعلى الرغم من أن روسيا كانت تسعى للاندماج في النظام الغربي في أوائل التسعينيات، فإن قادة روسيا اليوم يرون أن هذا النظام الذي تقوده أمريكا يشكّل تهديداً لمصالحها الحيوية ونفوذها في المنطقة. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب ألقاه في ميونيخ عام 2007، أن الأحادية الأمريكية العالمية لم تعد مقبولة، ولا يمكن تطبيقها في عالمنا اليوم، ومن وجهة نظر بوتين إن النظام الذي تقوده أمريكا يشكّل مشكلة كبيرة في عالمنا اليوم لأنه لا يعكس بشكل جيد التوزيع الحالي للقوة.
وعلى الرغم من أن روسيا والصين تدعمان تغيير النظام العالمي بهدف تعزيز دورهما وإنهاء السيطرة الأحادية للغرب، إلا أن روسيا تعتبر النظام الليبرالي الحالي تهديداً مباشراً لمصالحها وأمنها، ومنذ عودة بوتين إلى السلطة في روسيا في عام 2012، ركّزت البلاد اهتماماتها على توسيع النفوذ العالمي من خلال حشد الموارد واتباع الإجراءات المعقدة، ولم تنظر روسيا إلى توسيع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لنفوذهما المتنامي في مناطق نفوذ موسكو على أنه غزو غربي للمصالح الجيوسياسية لروسيا فحسب، وإنما أيضاً تهديد لـ "هوية الحضارة" التاريخية الروسية، ولعلّ ذلك ما جعل روسيا تنظر للغرب كقوة تحاول تغيير الهوية الوطنية في روسيا، بما في ذلك الوطنية والمسيحية الأرثوذكسية إضافة إلى دورهم في تغيير مفاهيم القيادة الوطنية، وبالنسبة لروسيا إن تعدد القطبية في العالم يعني تحقيق التوازن بين الجهات الفاعلة العالمية المؤثرة، والتي سيتم فيها القضاء على الأحادية الأمريكية والقيم الليبرالية المفروضة على البلدان الأخرى.
النظرة الصينية للنظام العالمي
وعلى الطرف المقابل، تستفيد الصين من النظام الدولي الحالي، فخلال الثلاثين سنة الماضية سهّلت عمليات الليبرالية الاقتصادية والعولمة النمو الاقتصادي السريع للبلاد، ومع ذلك، فقد أظهرت الصين عدم رضاها عن الأحادية الأمريكية، وعن وجهة نظر الغرب في مسائل حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، وتعدّ رغبة الصين في زيادة تمثيلها في المؤسسات العالمية لا تقدر بثمن في تحسين قدرتها على النهوض بمصالحها على نحو أفضل على المسرح العالمي، وتسعى الصين أيضاً إلى تعزيز الرأي القائل بأن النموذج السلطوي والتنموي للبلاد يمكن أن يكون بديلاً للمعايير الحالية للغرب، وهي تسعى إلى تطبيق رؤيتها المتعددة الأبعاد ضمن النظام الدولي الحالي.
ولقد أكد "شى جين بينغ" دائماً على أهمية دور الصين الكبير في الحوكمة العالمية (الحكومة العالمية) ودورها النشط في قيادة العالم، وفي الواقع، لقد لعبت الصين دور المدافع الأول عن العولمة بالإضافة إلى لعبها دوراً قيادياً في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، وخلافاً لرغبة روسيا في تبني سياسات محفوفة بالمخاطر، فإن مقاربة الصين في هذه القضية حذرة إلى حد كبير وتعكس رغبة البلاد في الحفاظ على منافعها الاقتصادية. بالتأكيد، لا تريد الصين قلب النظام الدولي رأساً على عقب، على الرغم من أنها قد تنتهك معايير التجارة الدولية، لكن بشكل عام، السبب التجاري هو السبب الرئيسي لمثل هذه الإجراءات من قبل البلاد، بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين، على عكس روسيا، لا تهتم كثيراً بالإطاحة بمؤسسات النظام الدولي الحالية.
وبينما تحاول روسيا استغلال الانقسامات وتقويض الاتحاد الأوروبي، مازالت الصين تريد الاستقرار في الاتحاد، خاصة بسبب مصالحها الاقتصادية والتجارية، وهي تفضّل أوروبا موحدة ذات سوق واحدة. وبالتالي، مع تدهور العلاقات الصينية الأمريكية، فمن المرجّح أن تزيد أهمية علاقات الصين مع الاتحاد الأوروبي.