الوقت- قد تتعارض في الكثير من الأحيان النظرة السياسية والنظرة العسكرية تجاه حدثٍ ما، ولعل إرجاع الأوامر العسكري لقواعد اللعبة السياسية واللاعبين السياسيين قادر على ترصين القرارات وتصويبها. فليس من السهل وجود الرجل العسكري السياسي ذات الشخصية الناظرة لأبعاد القرارت والتعامل مع الظروف والتطورات المعقدة. فكيف إذا تعلق الأمر بمصر التي عاشت منذ سقوط نظام حسني مبارك تحولات أمنية وسياسیة أوصلت في المرحلة الماضية الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم بعد قمع دام لسنوات. بعدها تمّ التخطيط بنجاح لضرب مشروع الإخوان السياسي الذي حاول القبض بطريقة إستبدادية إنتقامية غير مخضرمة على الحكم في مصر دون الأخذ بعين الإعتبار الشراكة مع المكونات السياسية الأخرى. فتقاطع الخطأ السياسي القاتل مع الإرادة الخارجية الأمريكية والعربية الذي أوصل قادة الإخوان المسلمين الى الزنزانة وحبل المشنقة.
فمن جهة أخرى يرى مراقبون أنّ هذه الإجراءات وسياسة القبضة الحديدية التي تطال آلاف الإخوانيين من قادةٍ وعناصر ومناصرين وعدم إستيعاب الحضور الإخواني كقوة وازنة على الساحة السياسیة وما اتُخذ من أحكام قضائية كان آخرها الحكم على الرئيس السابق محمد مرسي، خطأ سياسي جديد من قبل الرجل العسكري "السيسي" ومن وراءه، أوصل الأخوان ومن يدعمهم بعد اليأس من التحركات السلمية إلى حمل راية الإرهاب للإنتقام وفك الحصار السياسي والأمني واسترجاع ما يعتبرونه حق مشروع، وهذا أيضاً ما لا يبرره منطق ولا دين.
فالإستبداد والقمع لا يجلب إلا الإنتقام والتخريب. فبالرغم أنّ لا شيء يبرر الإرهاب والدموية والقتل الذي يُتهم به الأخوان، إلا أنّ ما يقوم به النظام المصري الحالي لا يبشر إلا بخراب مصر ويعيد ويكرر الخطأ الذي قام به الأخوان من قبل بإقصاء الشركاء في الوطن. وفي هذا الإطار كان قد صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً عن شعبية الاستبداد والطغاة في الشرق الأوسط، ركَّز في جزء كبير منه على النظام المصري الحالي، وخلُص إلى أن شعبية الأنظمة الاستبدادية قد تكون حقيقية لكنها لن تستمر طويلاً، في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها، وأن على أمريكا أن تترك هذه الأنظمة تسقط، مؤكداً على وجوب الضغط لتمكين الليبراليين.
كما نشر "مجلس الـعـلاقات الخارجية" تغطية للحكم بالإعدام على مرسي خلص فيها "إليوت أبرامز" إلى أن "تنفيذ الحكم سيكون خطأً كبيراً"، وأنَ التنديد بالمحاكم المصرية كافٍ لتجنب تنفيذ الحكم لكن هناك سبب آخر: بمجرد أن يبدأ الدم في التدفق لن يتوقف. وختم بالقول إن السيسي يرتكب خطأ بمحاولة سحق الحياة السياسية في مصر بأكملها، وأن هذه صيغة لانفجار سياسي في الأفق. من جانب آخر نشر "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" تقريراً خلص إلى أن تدهور المشهد الأمني في سيناء يمثل تهديداً خطيراً لحكومة السيسي، مؤكدًا تمدُّد انعدام الأمن من شمال شبه الجزيرة المصرية إلى بقية أنحاء البلاد، في ظل توسيع الجماعات المسلحة من قدراتها، رغم الجهود التي تبذلها الدولة لاحتواء هذه الحالة. وعلى عكس خطاب الاستقرار الذي سعى السيسي لترويجه في مؤتمر شرم الشيخ، والذي يصور العنف في شمال سيناء باعتباره شيئاً غير عادي أو غير منطقي، رأى المركز أن تصاعد العنف في شمال سيناء، كان دائماً ولا يزال حتى الآن، مرتبطاً بمشروع العنف الذي تتبناه الدولة نفسها في جميع أنحاء البلاد، ومزاجها الإقصائي، الذي انعكس بوضوح في حملةٍ مستمرةٍ للقضاء على المعارضين السياسيين، خاصة الإخوان المسلمين.
وقد تطرقت الكثير من التقارير حول القمع الذي يقوم به نظام السيسي تجاه اللاجئين السوريين. فقد وثّق مركز "أتلانتيك كاونسل" تقريراً حول معاناة اللاجئين السوريين في مصر في ظل النظام الحالي، جاء فيه: "في عام 2014 كان يوجد في مصر قرابة 300 ألف لاجئ سوري، وصل عدد المسجلين منهم رسمياً إلى 136245. لكن سرعان ما أصبح المصريون الذين أيدوا الإطاحة بمرسي عدائيون تجاه اللاجئين السوريين، لدرجة تعرض فيه اللاجئين للاعتداء والمضايقات بحجة تعاطفهم مع الإخوان. وبناءً عليه بدأ اللاجئون السوريون في المخاطر بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، لا سيما بعد ندرة فرص العمل والتعرض للعنف ضمن موجة من المعاداة للأجانب". وأضاف المركز: "اعتقلت السلطات المصرية، من أغسطس 2013 إلى أوائل عام 2014، أكثر من 1500 لاجئ سوري، من بينهم 250 طفلاً، وأجبرت أكثر من 1200 على مغادرة البلاد، وإلا سيكون البديل الاحتجاز إلى أجل غير مسمى". واتهم المركز السلطات المصرية بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات ضد المهربين، والفشل في سن تعديلات تشريعية للسماح بملاحقتهم، أو ضمان حماية اللاجئين السوريين، مضيفاً: "يبدو أن النظام المصري يُفضل التخلص من عبء اللاجئين السوريين، من خلال تصدير المشكلة إلى أوروبا. ومن غير المتوقع أن تغير الحكومة المصرية سياستها تجاه اللاجئين السوريين، وهو ما يزيد القضية تعقيداً ويفاقم من ردات الفعل ونشوء الإرهاب في وجه المصري الحالي.
ففي ظل الأوضاع السياسية والأمنية المزرية في مصر ليس هناك مستفيد إلا الكيان الإسرائيلي الذي سعى ويسعى إلى إشعال الفتنة والتقاتل بين أبناء البلد والتدخل لتحريض الأطراف المتخاصمة. وقد ساعد النظام المصري الحالي على التقارب والتواصل مع الكيان الإسرائيلي دون مراعاة حقوق ومقدسات المسلمين والعرب التي لم يزل هذا الكيان يدنسها ويغتصبها قتلاً وتدميراً. فقد أصدر مركز "بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية" تحليلاً للبروفيسور "إفرايم إنبار" تحت عنوان "الاضطرابات في الشرق الأوسط وأمن إسرائيل" أشار فيه أنّ مصر في العهد الحالي لم تعد تمثل تهديدًا للكيان الإسرائيلي بسبب السياسات الخاطئة التي جعلت من مصر دولة مفتتة سياسياً وأمنياً بعد أن كانت قلب العروبة النابض.
فالإرهاب يضرب بيد من حديد في مصر والمشهد لا يدعو للتفاؤل، بل أن المضي في القرارت والنهج السياسي الحالي لن يوصل مصر إلى حافة الهاوية ما يجعل منها ساحة تستثمرها أمريكا وأدواتها في المنطقة لشرذمة وإضعاف مصر العربية وصولاً إلى تحقيق أهدافها لإضعاف قوى المنطقة العربية والإسلامية لرسم خارطة جديدة تتلاءم مع مصالح وأمن الكيان الإسرائيلي.