الوقت- ظهرت أزمات الإرهاب في العالم وبدأت ظواهر بعض الحركات الإسلامية في أوروبا بأخذ رواج إعلامي غير مسبوق، واستمرت المسرحيات الإعلامية حتى ما قبل عدة سنوات حيث بدأت المفاجأة المستغربة، نعم أوروبا تخرج الإرهاب وتصدر الإرهابيين لدول النزاع في الشرق الأوسط. الأمر لم يكن من فراغ ولا يمكن تلخيص أسبابه بالهجرة الغير شرعية وحتى الأوروبي نفسه غير بريء مما جرى ويجري، وسياق الأحداث في فرنسا وحدها، البلد صاحب الجالية المسلمة الأكبر في أوروبا، تكفي لوضع علامات استفهام كبيرة على سياسات هذا البلد وطريقة تعامله مع قضية الإسلام والتطرف داخل أراضيه وخارجها.
وكانت قد مرت مراحل الهجرة العربية والإسلامية من العالم العربي والإسلامي لأوروبا بمراحل عدة، وهي قديمة بقدم الإسلام وانطلاق التجارات بين أوروبا واسيا وأفريقيا، لذا فالتواجد الإسلامي متجذر منذ زمن طويل في القارة العجوز وخاصة في وسط أوروبا، ما يعني أن ظاهرة الإسلام في أوروبا ليست جديدة أو دخيلة ولم تكن حتى العقد الأخير صاحبة المظهر المخيف والخطر كما يروج لها حاليا.
فعليا وكما في فرنسا فالهجمة الضخمة على الإسلام، ليست نابعة من نفور من ظاهرة الإسلام المتطرف في العالم، وهي ظاهرة أقل ما يقال فيها أنها بدعة دخيلة على الإسلام ولا تمت له بأي صلة، بل في الواقع أن للأمر أسباب سياسية واقتصادية وثقافية. فسياسيا وبعد أن أصبح للفرنسيين المسلمين وجود عددي يمكن أن يغير في موازين اللعبة السياسية فيها، بدأ الحديث الإعلامي عن خطر الإسلام والديموغرافيا. ومن جانب أخر يستغل التحريض على الأقلية الإسلامية من قبل بعض الأحزاب السياسية لشد العصب السياسي لأحزابها.
ولأجل ذالك بات التهجم الإعلامي على الإسلام وتلفيق التهم وحتى خلق الأحداث المزيفة أمرا عاديا، لتبرير بعض سياسات الدولة الخارجية والداخلية. لكن خلق هذا الجو المشحون لم يمر دون أثار بالغة في المجتمع الفرنسي، إذ فرق وأبعد المسافة بين المسلمين وبقية مكونات المجتمع، ودفعت بهم لخلق تجمعات وكنتونات مغلقة بعض الشيء على نفسها. وحتي تشكل هذه الكنتونات ومنع محاولات دمجها في الوسط الفرنسي لم يكن بريئا أيضا، لأن ما جرى بعد ذالك من عمليات دعم مالي مصدره السعودية وقطر والإمارات العربية لحركات التطرف والإرهاب في وسط هذه المجموعات، مغطي عليها ومغضوض النظر عنها من قبل المخابرات الفرنسية، يبين سياسة فرنسية مبطنة يختبئ وراءها أهداف تبحث عن استخدام هذا الإرهاب في سياسة الدولة الخارجية، وطبعا يدار الأمر مخابراتيا حتى لا يشكل تأثرا على الداخل ويوجه بشكل صحيح في الخارج.
وكان قد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن ما يقارب العشرة آلاف أوروبي يحتمل أن ينضموا إلى التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق حتى نهاية العام الحالي. وذكر فالس أن اليوم هناك ثلاثة آلاف أوروبي في سورية والعراق في حين قد يصل عددهم خلال الأشهر المقبلة إلى خمسة آلاف قبل الصيف وسيصل على الأرجح إلى عشرة آلاف قبل نهاية العام الحالي، الأمر الذي يشكل تهديداً سوف يرتد على فرنسا وأوروبا إذا ما عادوا إليها. وفي الواقع فإن فرنسا تعد المصدر الأكبر للإرهابيين الغربيين، حيث تذكر الاستخبارات الفرنسية أن عدد الفرنسيين الذين تسللوا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق ارتفع من 550 إلى 1281 إرهابياً خلال الفترة بين كانون الثاني عام 2013 وكانون الثاني 2015. وكان قد أعترف فالس بمقتل نحو 90 فرنسياً في سورية خلال مشاركتهم ضمن مع للتنظيمات الإرهابية فيها.
لكن تحمل فرنسا لهذا الخطر على أراضيها من جهة والمساهمة في تنميته من جهة أخرى، لا يفهم إلا من مراقبة سياستها الخارجية التي تحمل وجهين متناقضين بالكامل، وجه يلمع الصورة الفرنسة كالعادة ويظهر ذالك البلد الجميل الذي ينشر العدل والسلام في العالم، والمناهض لحركات التطرف والإرهاب فيه. وهو الوجه الذي يروج في الداخل الفرنسي ويستخدم لتغطية الوجه الأخر لسياسة استغلال فكر التطرف والإرهاب، حتي باتت فرنسا تشكل عاصمة للإرهاب في أوروبا.
أما الوجه الفرنسي الأخر هو الذي يعمل اليوم على مد روابط التعاون مع الدول الممولة لجماعات التكفير والقتل في العالم، وعلى رأسها السعودية وقطر، حتى كاد تعاونها مع تلك الدول أن ينافس التعاون الأميركي وتعاون الكيان العبري معها، خاصة في مجال بيع السلاح. كما تعدى حجم التورط الفرنسي حدود تجارة السلاح وبيعه للجماعات الإرهابية، ليصل إلى محاولة استثماره في بعض دول النفوذ الفرنسية كما جرى في مالى، حيث وصل الأمر إلى حد لم تعد تملك فيه فرنسا زمام الأمور. ويبدوا أن فرنسا لم تتعلم من دروس التجارب الأميركية مع الإرهاب وأعوانه بل أعمى على قلبها إغراءات أرباح بيع السلاح، ولو كان الثمن دماء الكثير من الأبرياء، أمر ليس بعدا عن التاريخ الأسود لهذا البلد الإستعماري، وعلى الأرجح أنها ستستمر في ذالك حتى يوقذها 11 أيلول جديدة أو ما هو أصعب منه.