الوقت - شكّل مجيء "دونالد ترامب" إلى رأس السلطة التنفيذية في أمريكا منعطفاً جديداً من شأنه أن يترك أثره على المعادلات الدولية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية ولاسيّما فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا والصين.
وكان لتصريحات ترامب التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية وبعد دخوله البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017 بشأن العلاقات مع موسكو وبكين أثر كبير في رسم نوع هذه العلاقة على المديين القريب والبعيد خصوصاً وأنه قد رفع شعار "أمريكا أولاً".
ومن هذه التصريحات ما أعلنه ترامب بشأن البنود الأساسية من النسخة المحدّثة لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي حينما أكد أن بلاده تدخل ما أسماه "عصراً جديداً من التنافس"، تتحداها فيه روسيا والصين.
فما هي السيناريوهات المحتملة لشكل العلاقات بين أمريكا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى؟
السيناريو الأول: اتحاد روسيا والصين لتشكيل تحالف استراتيجي ضد أمريكا...
المعتقدون بهذا السيناريو يبنون اعتقادهم على عدّة عوامل يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:
- خطر الاستراتيجية التي تبنّاها ترامب والرامية إلى التوسع العسكري في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا وتحديداً في شبه الجزيرة الكورية خصوصاً بعد التصعيد الذي شهدته العلاقات بين واشنطن و"بيونغ يانغ" على خلفية الأزمة بشأن الملفين الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية.
- الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها ترامب ضد بكين وموسكو والتي كان من أبرزها تشديد الضرائب المفروضة على السلع والبضائع الصينية التي تدخل الأراضي الأمريكية، وذلك بعد أن طالب ترامب برفع هذه الضرائب لتصل إلى 100 مليار دولار. وكذلك العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على روسيا في إطار حلف الناتو على خلفية الأزمة الأوكرانية وشبه جزيرة القرم.
- اللقاءات التي جمعت الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره الصيني "شي جين بينغ" خلال العام الماضي والتي أكدا خلالها على ضرورة تقوية العلاقات بين البلدين في كل المجالات، ومن بينها ما أشار إليه بوتين بشأن عقد اتفاقية لتصدير الغاز الروسي إلى الصين.
كما أكد بوتين على أن روسيا مهتمة بمشاركة الشركات الصينية في تنمية الشرق الأقصى، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية أن يبقى البلدان على روابط تجارية واقتصادية بينهما على المدى الطويل وتشكيل تحالفات تكنولوجية وصناعية قوية.
- يشعر البلدان (الصين وروسيا) بوجود تهديد استراتيجي من جانب أمريكا يستهدف مصالحهما السياسية والاقتصادية والأمنية في مناطق كثيرة من العالم بينها الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، وهذا بنظر المراقبين يصب في مصلحة التحرك باتجاه إنشاء تحالف روسي - صيني لمواجهة هذا التهديد.
- أجرت القوات الروسية والصينية العديد من المناورات المشتركة طوال الأعوام القليلة الماضية، وهذا يشير إلى إمكانية عقد حلف استراتيجي عسكري بين الجانبين على الرغم من أن تلك المناورات كانت محدودة إلى درجة ما، من حيث الكم والنوع. ورفضت وزارة الدفاع الصينية تحديد الدولة التي مثّلت دور العدو في هذه المناورات التي استخدمت فيها صواريخ بالستية، لكن لا يصعب استنتاج أنها كانت أمريكا.
- تسعى الصين وروسيا لإنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على التعاملات التجارية على مستوى العالم، وهذا يعزز أيضاً فكرة قيام حلف اقتصادي بين الطرفين لإضعاف قوة أمريكا في هذا المجال.
- وجود تقارب كبير بين روسيا والصين باتخاذ مواقف استراتيجية داخل المنظمات الدولية ولاسيّما الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي في القضايا المتعلقة بالأحداث في ميانمار، كوريا الشمالية، سوريا وأفغانستان، وكذلك محاولة الجانبين الحد من نفوذ حلف شمال الأطلسي "الناتو" نحو الشرق، بالإضافة إلى المواقف المشتركة التي اتخذتها موسكو وبكين فيما يتعلق بمعارضة التوسع العسكري الأمريكي في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا.
السيناريو الثاني: عدم إمكانية تشكيل تحالف استراتيجي بين روسيا والصين
يعتقد أصحاب هذه الرؤية بأن العلاقات بين الصين وروسيا لا تصل إلى مستوى يمكنهما من تشكيل تحالف استراتيجي ضد أمريكا للأسباب التالية:
- لم ترقَ العلاقات بين موسكو وبكين إلى حد يجعل المراقب يعتقد بأنها يمكن أن تتحول في يوم ما إلى تحالف استراتيجي سواء ضد أمريكا أم أي طرف آخر. أي بعبارة أخرى ظلّت العلاقات بين الجانبين تتسم بالتكتيك للارتقاء ببعض الجوانب ولتحقيق مصالح آنية في مجال معين فقط.
- وجود تنافس بين روسيا والصين على أكثر من صعيد خاصة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، على الرغم من أن هذا التنافس لم يصل يوماً لحد المواجهة المسلحة بين البلدين.
- التعاون الاقتصادي بين الصين وروسيا لم يتجاوز يوماً الحد الذي يمكن أن يؤدي إلى إنشاء حلف اقتصادي بين الجانبين، في حين وصل التبادل التجاري بين الصين وأمريكا إلى مستويات عالية في كثير من المراحل، وهذا الأمر يجعل تصور قيام تحالف اقتصادي بين موسكو وبكين ضد واشنطن أمراً مستبعداً.
- تهتم الصين بالانفتاح بشكل كبير على منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا، في حين تركّز روسيا اهتمامها في مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا، وهذا يعني عدم وجود سبب كافٍ لإنشاء تحالف استراتيجي سواء على المستوى الاقتصادي أم السياسي أم الأمني.