الوقت - إن ما يجري اليوم في العالم والشرق الأوسط عموما، ليس الا خططا ممنهجة ومدروسة يراد فيها احداث صدمة على ارض الشرق الاوسط، صدمة بدفعات وارتدادات عالية القوة وبالتالي الاثر، تمهيدا لاستغلالها عبر واقع اصطناعي محضر يعطي الغرب وامريكا خصوصا فرصة صياغة معادلات جديدة في المنطقة بعد عجزها عن تحقيق ذلك عبر تواجدها المباشر في ساحات الحرب.
نظرية الصدمة، نظرية أخرى لها صدى واسع وتفتح الباب حول فهم مفاتيح السياسة الامريكية والغربية عموما، وتعطينا صورة دقيقة عما يحصل حولنا من أحداث لا يمكن للعقل البشري تصورها وتحملها لمجرد التعرف والاطلاع على الاحداث التفصيلية.
فالنظر الى كليات الواقع واحداثه عن بعد، هو منهج أكثر صحة في مقاربة ظاهرة الارهاب العالمي الذي يسود العالم عموما ويستوطن الشرق الاوسط بعد سلسلة من الفشل الاستراتيجي الامريكي في المنطقة.
فما يجري ليس الا خطة آن اوانها تعتبر المرحلة الثانية من مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي عبرت عنه الدوائر الرسمية الامريكية مرارا، وحول نظرية الصدمة ومفرداتها وتوظيفاتها التي تشكل اصلا من اصول السياسة الامريكية، عشرات التطبيقات والامثال الواقعية التي لها كلام اخر نكتب عنه بعد الدخول المتدرج في البحث عن مفاتيح السياسة الامريكية ومناهج تحليل الواقع السياسي الحالي بالاستناد الى وثائق ونظريات علمية دقيقة ومجربة، كل هذا بعد الاطلاع على هذه الوثيقة السرية التي تعد اولى خطوات البحث.
في ملف الوثيقة، توجد دراسة مختصرة لنعوم تشومسكي قدمت في البداية ثم يليها نص الوثيقة السرية التفصيلي. هذه الدراسة هي موضع اهتمام جدي وقد تناول مفرداتها وفحواها القادة السياسيون في الجبهتين الممانعة والغربية، ويمارس الاعلام الغربي اصول هذه الدراسة بحذافيرها، وهي تساعدنا على الخروج من دائرة التفكير الضيق المرتبط بالحدث وردة فعله ومتعلقاته الزمنية والمكانية المحدودة، الى ما وراء الحدث بل الى ما وراء وراء الحدث على مستوى الاثر والسبب والهدف والنقل والنشر وغيره من المتعلقات.
مضمون المقال هو خطط تركز على مفاتيح السيطرة على العقول التي تشكل بابا واسعا للتوظيف في السياسة والاقتصاد والتعليم .. ويعطي لمحة واضحة عن غاية وسبب العديد من الظواهر الامنية والسياسية والعلمية التي شكلت مفترقات وحقبات مفصلية في العالم.
فنعوم تشومسكي يعرض اسلوب السيطرة والتحكم بالعقول وبالتالي كي الوعي وصناعة الثقافة الجاهزة في مطبخ الفكر الذي يوجه البشر والمجتمع ككل نحو الهدف دون ادراك ويقسم استراتيجية التحكم هذه الى 10 مفاتيح فعالة.
1. استراتيجية الإلهاء والتسلية
2. استراتيجيّة افتعال الأزمات والمشاكل وتقديم الحلول
3. استراتيجية التدرّج
4. استراتيجية التأجيل
5. مخاطبة الجمهور على أنّهم قصّر أو أطفال في سنّ ما قبل البلوغ
6. مخاطبة العاطفة بدل العقل
7. إغراق الجمهور في الجهل والغباء
8. تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة
9. تحويل مشاعر التمرّد إلى إحساس بالذّنب
10. معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذواتهم
هذه النظرية المهمة جدا عبارة عن مقتطفات من كتيب حمل عنوان "الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة" للكاتب نعوم تشومسكي وقد عرضتها مختصرة لتعطي فكرة عامة عما اريد ان اتحدث عنه لاحقا وبالتالي فإن الاطلاع على الكتيب والوثيقة السرية ايضا بكل تفاصيلها يأتي ضمن الرابط الالكتروني الذي اضعه في معرض المقال.
لكن يستوقفني النشر المتعمد لهذه الدراسات والكتيبات والمنشورات، وبالأخص الوثيقة السرية التي سنترك لكم تفاصيل الاطلاع عليها، وأتساءل عن الغموض الكبير جدا حول اسلوب نشرها، فوثيقة تعتبر سرية ورد معها هذه العبارة:
"هذه الوثيقة المؤرخة في أيار من عام 1979م، اكتشفت في منتصف الثمانينيات في نسخة لشركةIBM اشتريت في تنزيلات في 7/7/1986م."
وهذا غير مقنع أبدا حول الية الكشف عنها وهي تحمل عنوان "سري للغاية".
والمقصود من كلامي أن اظهار الوثيقة السرية أتى بعد زمن من ادخالها في الخدمة والتنفيذ وتحقيق مراحل هامة في تطبيقها ونجاحها، مراحل وصلت معها الامور الى حد عدم امكانية التضرر من نشرها للجمهور لا بل إن لنشرها أهدافا أخرى تفوق قيمة اخفائها.
فالاعلام واجهزة الحكم وكل مستلزمات السيطرة على العقول والتحكم في المفاصل الاقتصادية والسياسية والتعليمية وغيرها باتت تحت السيطرة من قبل المنظرين لهذا الفكر الذي تعبر عنه الوثيقة وادواتهم العملية التي تنفذ مشروعها كل في دائرة حكمه وسيطرته، وبهذا يصبح نشر الوثيقة والدراسات التي تصب حولها وتحمل مضمونها مثل الدراسة التي قدمها نعوم تشومسكي مقصودا وهادفا وله أبعاد مهمة جدا يقصد تحقيقها.
فالكشف عن الوثيقة برأيي ليس الا عملا استخباراتيا متعمدا وهادفا لنشر مضمون الوثيقة وبالتالي الترويج والانتشار ورفع الصدى حولها عبر دراسات ومقالات وكتب وابحاث حول مضمونها تسهم في ازدياد الصخب والرواج والانتشار، لهدف محدد ومقصود.
فما هو الهدف من الانتشار وهي تحمل طابع السرية ؟؟
وفق هذا السرد الذي ثبتنا فيه ان احتمال النشر المتعمد من الاستخبارات الامريكية هو فرضية واقعية وسط ترجيح وصول الامور زمن نشرها الى واقع ان نشرها يفوق مصلحة ابقائها ضمن السرية، وهذا منطق استخباراتي حيث تلجأ الاجهزة الاستخباراتية الى فتح ملفاتها البالية والقديمة بعد مدة زمنية تكون فيها هذه الملفات قد فقدت قيمتها الحقيقية وتقوم بتلف ما تشخص عدم اهميته وارشفة الاساسي منها الذي يجب بقاؤه في المحفوظات، ونشر نوعية من الملفات التي يعتبر نشرها أكثر قيمة من تلفها او ابقاؤها ضمن السرية.
وبهذا تكون حكمة نشر وثائق سرية بعد أزمنة من صدورها، وهذا ما نسمعه يتردد دائما في الوسائل الاعلامية حول بعض التسريبات السرية الاستخباراتية والملفات الحساسة والوثائق ولا ننفي امكانية ان تتسرب معلومات بشكل امني غير مسيطر عليه من قبل الاجهزة الاستخباراتية لكن حجم وامكانية هذا التسريب غير المتعمد يبقى ضئيلا جدا وقليلا في العمل الاستخباراتي ومقتصر على بعض التجنيد المضاد في دوائر قليلة الاهمية في العمل الاستخباراتي أو القرصنة المعلوماتية الالكترونية وهذا يطال المعلومات الممكنة التي توضع في انظمة تشغيل حاسوبية كقواعد البيانات والمراسلات الالكترونية وغيرها.
لكن في مخصوص الوثيقة التي نضعها محط اهتمامنا فإنها تخص النخب الفكرية وليست من النوع المتبادل بين ايدي رجال الاستخبارات العاديين الذين يمكن تجنيدهم وبالتالي فإن هذا يقوي فرضية تسريبها بشكل متعمد ومقصود.
تبقى الاجابة حول الهدف من التسريب في حال تثبيت القصد فيه، الى غاية خطيرة جدا وحساسة فالقارئ والباحث حول هذا النوع من المقالات سيحمل طابعا فكريا ثقيلا لانه يتابع ويقرأ نوعا من المقالات التي تخص اصول الفكر والتوجيه والسيطرة والتلقين وهذا المدى الثقافي لا يقصده الا من يعتبر من النخب الفكرية والشبابية التي تتمتع بطاقات ومميزات تفوق الاخرين من حيث الاهتمامات والثقافة والقدرات، وبالتالي فإن هذا النوع من المقالات يعتبر فخا لاصطياد هذا النوع الثمين من الشريحة البشرية.
فما الهدف من استقطاب هذه الشريحة ولماذا ؟؟ مقال نعرض فيه تفاصيل مهمة جدا وخطيرة حول الحرب الناعمة بالصورة الاولية الظاهرية والصورة الباطنية الخطيرة جدا التي يجب الالتفات اليها والتي تحول العطش الى المعرفة من قبل النخب الى صنارة اصطياد وبالتالي ضحية في الجزء الثالث والاخير من الحرب الناعمة فتابعونا.