الوقت- قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول فرض جمارك على استيراد الصلب والألمنيوم شكّل جرس الإنذار لوجود عصر متوتر في العلاقات التجارية الدولية، ومن المعروف أنّه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، كانت الولايات المتحدة وبشكلٍ مستمر القوة الأساسية لتأمين تنفيذ اتفاقية تحرير التجارة الدولية.
حيث إنّ قرار الولايات المتحدة بفرض جمارك كبيرة وصلت إلى 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، أدّى إلى ارتفاع غير مسبوق بأسواق الأسهم في أجزاءٍ مختلفة من العالم، رافقه موجة من الاحتجاجات خاصةً في البلدان التي تأثرت بشكل مباشر بهذا القرار.
ويرى مراقبون أنّه لا يمكن وصف المبادرة الأمريكية بفرض قيود أكثر صرامة على الواردات بالمفاجأة، حيث إنّ هذه القرارات تتماشى مع السياسة العامة التي خطط لها ترامب فيما يخصّ التجارة الخارجية لبلاده، وقد أكد عليها أكثر من مرّة قبل وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، وأشار مراراً إلى أنّ منظمة التجارة العالمية والتجارة الحرة تُعتبر "كارثةً" لبلاده، كما هو مُحدد في الهيكل التنظيمي للمنظمة، وحسب تعبير ترامب إنها تضرُّ بالمصالح الاقتصادية والأمنية لبلاده.
العوامل المؤثرة في السياسة التجارية الأمريكية
ثلاثة عوامل رئيسية كانت مؤثرة وبشكلٍ كبير في القرار الأخير للرئيس الأمريكي، حيث تلعب تلك الأسباب دوراً رئيسياً في استراتيجية ترامب العامة في التجارة الدولية:
العامل الأول: هو الفائض التجاري الأمريكي، والذي استمر على مدى العقود القليلة الماضية بالتقلب بين الخمسمئة والستمئة مليار دولار سنوياً، وذلك خلال السنتين إلى الثلاث سنوات الماضية، ويعتقد الرئيس ترامب وعدد من مساعديه أنّ جزءاً كبيراً من هذا العجز نابع من عدم الالتزام بالقوانين التجارية الدولية من قبل الدول التي تستخدم السوق الأمريكية، وهي مسؤولة عن جزء كبير من العجز التجاري الأمريكي، فهم يعطلون دخول البضائع الأمريكية إلى أراضيهم، من وجهة نظره؛ يجب على واشنطن أيضاً الدفاع عن مصالحها التجارية واللجوء إلى ضمانات ضد الواردات.
العامل الثاني: فهو الأمن القومي؛ وعلى سبيل المثال في قطاع الصلب والألمنيوم؛ حيث إنّ الرئيس الأمريكي يؤكد أنّه اُعتمد على هذا النوع من الواردات ولاسيما خلال حقبة الحرب الباردة، ويستدل أنصار فرض الجمارك الكبيرة في الولايات المتحدة بأن بلادهم هي أهم قوة اقتصادية في العالم، ولا ينبغي أن يوجد في المناطق استراتيجية منافسون لها، أو السماح بإنتاج سلع بأهمية الفولاذ، ولا يمكن للبضائع المستوردة أن تُنافس الإنتاج المحلي، الأمر الذي يؤدي إلى إيقاف إنتاجها في أمريكا، مدللين على كلامهم بهذا التساؤل، هل "ستفقد أمريكا إنتاجها الوطني من الفولاذ وتعتمد على الواردات في هذا المجال الحيوي؟".
العامل الثالث: والأهم وراء اتخاذ قرارات الحماية تلك وبحسب زوار البيت الأبيض هو الدفاع وحماية وظائف الأمريكيين، حيث إنّه ومع هذا القرار؛ يأمل ترامب بإيجاد المزيد من فرص العمل في صناعة الفولاذ والألمنيوم في الولايات المتحدة.
نحو حرب تجارية شاملة..
مشجعو السوق الحرة والحدود المفتوحة يشككون في صحة الأسباب الأمريكية بفرض الجمارك، ومن وجهة نظرهم فإنّ إغلاق الحدود لحماية الصناعات التي فقدت قوة المنافسة قد يوفر وعلى المدى القصير منافع لأمريكا؛ مع أنها ستؤدي على المدى الطويل إلى خسائر اقتصادية هائلة، وإذا كانت سياسات الدعم السابقة تتجاوب مع التوازن الذاتي بين التجارة الخارجية وإنقاذ الصناعات الداخلية، فإن العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، لن تسعى لتحرير التجارة الدولية.
المشكلة هنا تكمن في أنّ الجمارك الكبيرة ستزيد من تكلفة صناعة السيارات والطائرات الأمريكية، والتي تستخدم فيها هاتان السلعتان، وبالتالي ستقلل من قدرة المنافسة دولياً، وعلى هذا الأساس ومن خلال فرض جمارك كبيرة على الصلب والألمنيوم؛ فإنّ مصانع السيارات والطائرات ستطرد عدداً كبيراً من موظفيها، وذلك بسبب فقدان قدرتها التنافسية.
وبناءً على ما سبق؛ فإنّ جميع الأدلة الموجودة تُشير إلى أنه وفي أعقاب تولي ترامب منصب الرئاسة؛ حدث تحول بمقدار مئة وثمانين درجة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وبالطبع لم تكن واشنطن مسرورة بأداء المنظمة الدولية سابقاً، ويبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي شكك في الأسس النظرية والطريقة التي تعمل بها منظمة التجارة العالمية، وأصبحت إمكانية الحديث عن انسحاب القوة الاقتصادية الأولى في العالم من هذه المنظمة ليست مستبعدة.
وفي الختام هل يحق لنا التساؤل عن اتجاه العالم نحو "حرب تجارية" كاملة؟ لكن لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل حاسم، حيث يؤكد الأوروبيون والكنديون وعددٌ آخر من القوى الناشئة، ولاءهم للنظام التجاري الدولي ومنوّهين بجهودهم المبذولة للحفاظ عليه حتى لو غادرت الولايات المتحدة منظمة التجارة العالمية، لكن هل من الممكن للمنظمة أن تبقى بدون وجود ودعم أمريكي؟.