الوقت - التمييز العنصري أحد سمات أمريكا التي تتشدق بالديمقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، واضطهاد السود من قبل البيض في هذا البلد يعد من أبرز مظاهر هذا التمييز، والتاريخ شاهد على هذه الحقيقة، ولا تتمكن الماكنة السياسية والاعلامية الأمريكية إخفائها مهما حاولت وسعت لأنها كالشمس في رابعة النهار.
وما حدث مؤخراً في مدينة تشارلستون التابعة لولاية ساوث كارولاينا الأمريكية عندما قام رجل أبيض باطلاق النار على مواطنين من أصول افريقية داخل إحدى الكنائس وأدى إلى مقتل 9 منهم مثالٌ حي على هذه العنصرية المقيتة التي تحمل بصمات العنف والكراهية.
وهذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة طالما بقيت النظرة العنصرية هي السائدة في أمريكا رغم الانتقادات الشديدة التي توجهها المنظمات الدولية والإنسانية والتظاهرات الحاشدة التي تخرج في مختلف أنحاء العالم للتنديد بهذه النظرة المتخلفة والسلوكية المنحرفة، وتطالب بوضع حد لهذه الجرائم.
ومنذ خمسة عقود كان الاغتيال قدر "مارتن لوثر كينغ" الزعيم الأمريكي من أصول إفريقية الذي سعى جاهداً لاستعادة حقوق السود، واليوم وبعد قرن من إلغاء العبودية ورغم انتخاب رئيس أسود ما زال التمييز العنصري يحصد أرواح السود في أمريكا دون رادع وكأننا نعيش في القرون الوسطى أو قرون ما قبل التاريخ.
وهناك عدة تساؤلات لازالت تطرح بقوة في المحافل الشعبية والرسمية الدولية بينها: إلى متى يستمر التمييز العنصري ينشب أظفاره في المجتمع الأمريكي؟ ومن يقف وراءه؟ وكيف يمكن التخلص منه بأسرع وقت، وهل هناك أمل في نجاح الجهود التي تبذل هنا وهناك لمعالجته؟
فيما يتعلق بالتساؤلين الأول والثاني يجب القول إن داء العنصرية والتمييز العنصري سيستمر في أمريكا طالما بقيت السلطات وأجهزتها الأمنية والرقابية في هذا البلد متواطئة مع البيض ولاتعير اهتماماً للسود وتنظر إليهم على أنهم ليسوا بشراً من الدرجة الأولى، ليس هذا فحسب، بل تحاول استغلالهم إلى حد الاستعباد الذي يندى له جبين الانسانية وهي تعيش الألفية الثالثة من عمرها المديد.
أما التساؤلان الثالث والرابع فيمكن تلخيص الاجابة عنهما بالنقاط التالية:
1- لابد من العمل الدؤوب والحثيث من قبل المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والانسانية لإقتلاع جذور العنصرية من أساسها ومحاسبة كل من يرتكب جريمة ضد الانسانية تندرج في هذا الاطار مهما كان منصبه ومهما كانت الجهة التي تقف وراءه.
2- سن قوانين تسخر مِن كل مَن يرى في نفسه الأفضلية على غيره على أساس اللون أو الدم أو العنصر، فالناس سواسية كأسنان المشط من حيث الخلقة ولافرق بين أحد وآخر من هذه الناحية قط.
3- تشكيل منظمة دولية مستقلة للدفاع عن حقوق السود في أمريكا الذين يتعرضون للقتل والإهانة والاضطهاد على يد البيض بين الحين والآخر لا لشيء سوى انهم سود وكأن اللون الأسود جريمة تبيح للأبيض انزال اقسى العقوبة بصاحبه.
4 – يجب على رؤساء دول العالم تنبيه أوباما ومطالبته بضرورة الدفاع عن السود في أمريكا الذين استبشروا خيراً عندما اصبح رئيساً لجمهوريتهم، لكنهم سرعان ما اكتشفوا ان مجيئه إلى السلطة كان يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية لاعلاقة لها بالإنسان، وما انتخابه بإعتباره أسود سوى خدعة ارادت منها المافيات واللوبيات الحاكمة في أمريكا الضحك على الذقون وتمرير لعبة مفضوحة لايمكن أن تنطلي إلاّ على مَن لا حظّ له مِن عقل أو دين أو ضمير.
وختاماً نقول: كفى متاجرة بالانسان وحقوقه، وكفى استهتاراً بالقيم والمثل الانسانية، وإلاّ فالتاريخ لن يرحم المسيء ولن يدع لأحد حجة ما لم ينته عن غيِّه ويؤوب إلى رشده، فالإنسان أخو الإنسان مهما اختلف لونه وشكله مذهبه وقوميته ولا يختلف في ذلك عاقلان مهما حاول الجهلاء.